الصراط المستقيم
3 ساعات مضت
مقالات متنوعة
7 زيارة
قلنا: على سبيل الجبر كما مر.
ومنه: (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء (١).
قلنا: الفتنة هي الاختبار والامتحان ومنه سمى الصانع (فتان) وقد جاءت الفتنة على معان هذا أليقها لتنزيه الرب عن العدوان.
ومنه ﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم﴾ (٢).
قلنا: المشيئة بالجبر كما سلف، والضمير في (لذلك) للرحمة لا للاختلاف.
قالوا: (ذلك) ضمير المذكر لا يصلح للرحمة المؤنثة.
قلنا: رد الله ضمير التذكير إلى التأنيث في قوله ﴿هذا رحمة من ربي، إن رحمة الله قريب من المحسنين﴾ (٣) وقد اشتهر ذلك في أشعار البلغاء.
ومنه ﴿ولا تجعل في قلوبنا غلا﴾ (٤).
قلنا: الجعل بمعنى التخلية مثل قول أحدنا لغيره: (وجعلتني ذليلا) إذ خلا بينه وبين ما يذله. وبمعنى التسمية ﴿وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا﴾ (٥).
ومنه ﴿ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا﴾ (٦).
قلنا: وجدناه غافلا أو أغفلناه فلم نكتب فيه علامة الإيمان.
ومنه ﴿إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا. وجعلنا على قلوبهم أكنة﴾ (7).
١ – الأعراف: ١٥٤.
٢ – هود: ١١٩.
٣ – الأعراف: ٥٥.
٤ – الحشر: ١٠.
٥ – الزخرف: ١٩.
٦ – الكهف: ٢٨.
٧ – يس: ٨ والأنعام: 25.
(٢٩)
قلنا: لما أبوا الرشد والانتفاع شبهوا بذلك وصحة نسبته إليه تعالى من حيث امتناعهم عند تكليفه كما نسب الرجس والنفور إلى السورة والنذير. قال شاعر:
كيف الرشاد وقد صرنا إلى نفر * لهم عن الرشد أغلال وأقياد ومنه ﴿إن الله يحول بين المرء وقلبه﴾ (١) قلنا: بالجنون أو الموت: والفائدة الحث على الطاعات قبل الفوت وسأل هشام بن سالم عن علي عليه السلام عن الآية فقال عليه السلام: يحول بينه وبين أن يعلم أن الباطل حق.
ومنه ﴿في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا﴾ (٢).
قلنا: المرض هنا الشك، أي زادهم الله شكا بمنع ألطافه ومثله ﴿ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم﴾ (٣) وقيل معناهما الدعاء عليهم. ومثله ﴿فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم﴾ (٤).
ومنه ﴿والله خلقكم وما تعملون﴾ (٥).
قلنا: خلق أصنامهم التي يعملون فيها مثل ﴿تلقف ما يأفكون﴾ (6) يعني العصي المأفوك فيها، على أنه يجوز كونه خالق أفعالنا على وجه التقدير.
ومنه (خلق كل شئ) أي بقدر (7) قالوا: لولا أن المراد العموم ذهبت المدحة، لأن العباد عندكم يخلقون بعض شئ.
١ – الأنفال: ٣٤.
٢ – البقرة: ١٠.
٣ – التوبة: ١٢٥.
٤ – الصف: ٥.
٥ – الصافات: ٩٦.
٦ – الأعراف: ١١٩.
٧ – الأنعام: ١٠١.
(٣٠)
قلنا: وأي مدحة في خلق الظلم والكفر والعناد، على أنه سبحانه مختص بخلق الأسباب دون العباد. وأيضا إذا قلنا خلقهم وخلق عبادتهم الأصنام لم يبق لقوله تعالى ﴿أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون﴾ (١) معنى، إذ لا معنى للانكار إلا عدم جعلها أصناما تعبد. فإن قالوا: (جعلنا) ليس بإنكار بل استعلام. قلنا هو محال من الخبير العلام.
ومنه ﴿خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام﴾ (٢).
قلنا: فكان يلزم إيجاد أفعالهم في ستة أيام والمعلوم خلافه.
ومنه ﴿ويبلوكم بالشر والخير فتنة. وبلوناهم بالحسنات والسيئات﴾ (٣) قلنا: المراد الرخاء ومقابله كما سلف.
ومنه ﴿إن الانسان خلق هلوعا﴾ (٤).
قلنا: مطبوع على الضعف عن تحمل المشاق) ومنه ﴿وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها﴾ (5).
قلنا: أمرهم بالطاعات ففسقوا مثل (أمرته فعصا، ودعوته فأبى) أو يكون المعنى أنا إذا أردنا أن نهلك قرية من صفتها أنا أمرنا مترفيها. ولا يكون: (أمرنا مترفيها من صلة القرية. إن قالوا فلم يبق لاذا جواب قلنا: هو من الاكتفاء قال الهذلي:
حتى إذا سللوهم في قنابله * سلا كما تطرد الجمالة الشردا فلم يأت بجواب (إذا) لأن البيت آخر الشعر، وقيل التقدير: إذا أمرناهم ففسقوا أردنا هلاكهم، والتقديم والتأخير في كلام العرب كثير هذا.
١ – الزخرف: ٤٥.
٢ – الفرقان: ٥٩.
٣ – الأنبياء: ٣٥.
٤ – المعارج: ١٩.
٥ – الإسراء: ١٦.
(٣١)
وقد ورد جملة مقنعة من الأحاديث تنفي نسبة أفعالنا إليه تعالى كما اعتقده الأخابيث.
روى عبد الله بن شداد أنه صلى الله عليه وآله كان يقول: (اللهم رضا بقضائك وبرك لي في قدرك) والنبي صلى الله عليه وآله لا يرضى بالكفر والظلم.
وقال صلى الله عليه وآله: (سيكون في آخر هذه الأمة قوم يعملون بالمعاصي ثم يقولون هي من الله قضاءا وقدرا، فإذا لقيتموهم فأعلموهم أني برئ منهم) ونحوه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وزاد فيه: (الراد عليهم كالشاهر سيفه في سبيل الله).
وقال له رجل: متى يرحم الله العباد ومتى يعذبهم؟ فقال: (يرحمهم إذا عملوا المعاصي فقالوا هي منا ويعذبهم إذا قالوا هي من الله قضاءا وقدرا).
وقد نقل ابن حنبل وجميع الحشوية ومعظم العامة أن عمر بن الخطاب أتى بسارق فقال له: ما حملك عليه؟ فقال: قضاء الله وقدره. فضربه ثلاثين سوطا ثم قطعه، وقال له: (قطعتك بسرقتك وضربتك السياط بكذبك على الله).
ولو لم يكن إلا الخبر المتلقى من الأمة بالقبول لكفى وهو ما رواه شداد بن أوس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: من قال حين يصبح أو يمسي: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت يا رقيب أعوذ بك من شر ما صنعت وأقر لك بالنعمة وعلى نفسي بالذنب فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).
قالوا: الله قادر على المنع من المعصية ولم يفعل فهو مريد لها.
قلنا: منه يؤدي إلى الالجاء المنافي للتكليف بالانزجار عنها.
قالوا: الظلم تصرف في مال الغير والله مالك الكل فلم يقبح منه تعذيب بغير موجب.
قلنا: نمنع انحصار الظلم في ذلك فإن من قتل عبده لا لحدث فعله ذمه كل عاقل وظلمه.
(٣٢)
قالوا: جايز للمالك أن يشقى أحد عبديه في المعاش ابتداء ويريح الآخر ولا يكون بذلك ظالما قلنا: لا قياس، لأن كلامنا في قتله بغير سيئة والإنعام على الآخر بغير حسنة.
قالوا: لو أذن السلطان لرعيته بقتل واحد فقتله واحد منهم فله قتله ولا يكون ظالما. قلنا: هذا مكابرة، فإن المأمور بقتله إن كان لا لسبب يوجب ظلمه [فظلم] وإلا ظلم قاتله.
قالوا: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، قلنا: كيف يسأل عما يفعل ولا يفعل إلا على وفق الحكمة، بخلاف عباده. ويؤيده (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل (1)) (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا (2)) وأيضا وهم يسألون عما يفعل أو عما يفعلون فليعتبرها الضالون.
قالوا: لو فعل السلطان فعلا لم يعارض فيه وإن أنكرته الرعية فكيف يعارض الرب فتنكر الخلق عليه. قلنا: لم يعارض السلطان لما يعلم من ظلم أما الرب فنعم لما وصفه لنفسه من عدله، وذكر أنه فولا الارسال إليهم لسألوه عن فعله.
قالوا: الأغلب في الكون وقوع المعاصي وهي من الشيطان، والطاعات نادرة فالأقل من الرحمن؟ بل الحق أن الكل من الملك الديان. قلنا: ذلك ليس على وجه غلبة الضعيف، بل لأن الله تعالى لو ألجأهم إلى تركها لنافى التكليف وقد نطق بوسوسة الشيطان الكتاب المبين في قوله (لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين.
لاحتنكن ذريته إلا قليلا، ولقد أضل منكم جبلا كثيرا (3).
قالوا: (خلق الله إبليس وهو يعلم أنه يعصيه فقد أراد معاصيه قلنا: خلقه للعبادة العائد عليه نفعها فأباها، وفي إيجاده تمييز الخبيث من الطيب باتباعه و امتناعه ولولاه لما فضل بعض البشر على الملائكة بمخالفته فظهرت الحكمة في خلقته.
١ – البقرة: ١٥٠.
٢ – طه: ١٣٤.
(٣) الحجر: ٣٩ و 40، الإسراء: 62، يس: 69.
(٣٣)
2025-03-16