الرئيسية / تقاريـــر / الامامية وفقه السياسة – د. عبد الستار جبار الجابري

الامامية وفقه السياسة – د. عبد الستار جبار الجابري

الامامية والفقه السياسي د. عبد الستار جبار الجابري

الحلقة الثالثة

النظرية السياسية عصر الغيبة1

تقدم ان الامامية يعتقدون ان الامامة حق الهي وان الامام منصوب من الله تعالى وكل من يتصدى لقيادة الدولة في ظرف وجود المعصوم (عليه السلام) فهو غاصب لحق المعصوم (عليه السلام)، وان اي ثورة او عمل مسلح اذا لم يكن بقيادة المعصوم (عليه السلام) او اذنه فهو مخالفة واضحة لاحكام الشرع الشريف.
في عام 260ه استشهد الامام الحسن العسكري (عليه السلام) وبدأ عصر الغيبة الصغرى، وبعد 69 سنة توفي السفير الرابع وابلغ عن الامام المهدي (عليه السلام) بدء الغيبة الكبرى اي سنة 329ه، وفي فترة اواخر عصر الظهور الشريف كانت السلطة العباسية تعاني من ضعف شديد، واصبح امر ملوك بني العباس بيد الاتراك وقد ادى الصراع بين ابناء القادة الاتراك الى تقسيم ممتلكات الدولة بينهم مما ادى الى اضعاف السلطة المركزية واضعاف السيطرة على الولايات، فاصبح كل قائد تركي زعيم لمقاطعة معينة لا يعنيه ما يجري في المقاطعات الاخرى الا اذا اراد ان يوسع ملكه فيضمها اليه او يستنجد حاكمها به او كانت تشكل خطراً على ملكه، وقد رافق ذلك رغبة العديد من القبائل الاستقلال عن سلطة القواد الاتراك، للتخلص من نيرهم وظلمهم، فظهرت عدة امارات سنية مثل الصفاريين والخوارزميين واخرى شيعية كأمارة الحمدانيين في الموصل وحلب، وامارة الاسديين في الحلة، وامارة العلويين في الديلم. ولم يشهد ظهور هذه الامارات اعتراض من فقهاء الامامية، ويمكن تحليل ذلك التحول في موقف الفقهاء من الامارات الشيعية القائمة بما يلي:
1. ان تلك الامارات لم تتبن طرحاً سياسياً على اساسه يطرح رئيس تلك الامارة على انه الامام، بل هو منصب تنفيذي تحققه القبيلة بسيوفها وينصبون من يدير امورهم ويكون وسيطاً بينهم وبين السلطان.
2. الشك في تحقق غصبية حق المعصوم (عليه السلام) بعد غيبته، اذ لم يعد من الممكن الوصول الى المعصوم (عليه السلام)، فهل تستمر حقيقة الغصبية لحق المعصوم (عليه السلام) واختصاص الحكم به ام لا؟ فعلى فرض تحقق ذلك فالامير الشيعي المتلزم بنشر فكر اهل البيت (عليهم السلام) افضل من الاخر الذي يحارب فكر اهل البيت (صلوات الله عليهم) .
3. ان الضرورة الواقعية تقتضي ذلك فالشيعة كانوا يعانون نوعين من الظلم، الاول الظلم العام الذي اوقعته السلطة على الامة من خلال الضرائب الفاحشة ومصادرة الحريات، والظلم الخاص الذي يستهدف الشيعة لاعتبارات طائفية، فتصدي امراء شيعة لحكم مناطق الانتشار الشيعي يخفف الضغوط الناشئة عن اعتبارات طائفية كما انه يخفف عن كاهل الامة الظلم العام اذ ان الحكام في الامارات الشيعية هم ابناء تلك الامارات وليسوا اناساً ينتمون الى عناصر اخرى واقوام اخر همهم سلب الناس اموالهم بغض النظر عن اي شيء آخر.
4. لكون الامراء الشيعة يؤمنون بالعقائد والفقه والحديث الامامي فدورهم ايجابي تجاه النشاط الفكري الشيعي على العكس ممن يخالف الشيعة اراءهم وافكارهم، والذي كان كلما سنحت له الفرصة حاربهم وهدم قبور ائمتهم وسفه اراءهم ورد شهاداتهم وحكم بكفرهم وتعامل معهم على انهم مواطنون من الدرجة الثانية او دونها من الدرجات.

ومن موقف فقهاء الشيعة من امارة بني اسد في الحلة وامارة بني حمدان في الموصل وحلب ومن الدولة البويهية، يتضح ان الموقف الشيعي لم يتغير في جوهره وهو كون الامامة حق الهي للامام المعصوم المنصوب من الله تعالى، الا ان غياب المعصوم (عليه السلام) والظروف السياسية التي عاشتها الامة كانت تقتضي تصدي الشيعة للدفاع عن انفسهم وحقوقهم وان الحاكم الشيعي ليس اماماً وليس خليفة لرسول الله (صلى الله عليه واله) بل هو زعيم زمني يفترض فيه ان يدير شؤون الناس بما دلت عليه ادلة الشرع الشريف. وفي مقابل ذلك لم يؤيد فقهاء الامامية الدولة الفاطمية ولم يسهموا في الدعوة لها لان حاكم الدولة الفاطمي كان يدعي الامامة وانها حق الهي له فكان في نظر علماء الامامية شأنه شأن ملوك بني العباس، وهذا ما يفسر موقف الشريف الرضي (قدس سره) من الحكم الفاطمي.

شاهد أيضاً

الصعود نحو الهاوية – الدكتور ليث الحيدري