الإنسان الذي يلهث وراء كسب الثروة والأموال وساعدته الأيام على تكديس الثروة يعتقد انه هو السبب في الحصول على هذه الأمور أنا الذي بفكري، بلسعات قلمي، بقدرت اذرعي عملت كذا فحصل كذا.
أما لو جرت الرياح بما لا تشتهي سفنه كأن تلفت أملاكه واحترقت أو تضرر فسوف ينزعج ويتألم ويضطرب بشكل غير مألوف. يقول أن العالم يجب أن يسير وفق ما أشتهي وأريد، ففي بعض المسائل التي يكون فيها القضاء والقدر الإلهي على خلاف رغباته وميوله فسوف يعترض على القضاء والقدر فلو أن إبنه مات فسيقول أنه أخذ ابني الشاب وترك ذلك العجوز.
ولو كان بإمكانه أن يهجم على ملك الموت ويقطعه إلى أشلاء عديدة لفعل.
الله العالم هو المدبر
عندما يقولون للنفس أيتها النفس إن لهذا العالم مدير ومدبر ـ الحمد لله رب العالمين ـ المربي والمدير لعالم الوجود هو الله. وكل شخص في أية درجة من درجات الوجود أمره بيد رب العالمين المنزه (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء) [يس: 83] جميع مراتب الوجود بيده. الحياة والموت بإذنه فهو الذي يحيي ويميت، بدون إذن الله وإجازته لا تخرج الروح من هذا الجسد. والله بحكمته البالغة يقدر صلاح كل عبد، فكل ما كان هو المقدر له.
فيا أيها الذي ذهبت أمواله وتلاشت أملاكه لا تتصور أنك كنت مستقلا في اكتساب تلك الأموال. لا تكن كافراً فكل الأمور بيد مدبر الأمور “يا مدبر الأمور”.
إلهك أراد لك الصلاح يوم أعطى ويوم رأى من الصلاح أن ياخذ لا تكن نفسك أمارة وتجعل نفسك مقابل إلهك وخالقك، لا تجعل مصلحتك مقابل صلاح الله يجب أن يستسلم الإنسان ولا تكن لديه حالة اعتراض على إرادة الله سبحانه وتعالى.
كل ما جاء به خسرو فهو جميل (مثل فارسي)
موت الأولاد حادث من الحوادث التي قدرها الله وعلم أن من الصلاح أن يموت في هذا العمر فلماذا تعترض؟ لا تنس الجزاء والثواب الإلهي فأجرك عند الله ولا تحزن أن تعول غداً فربك ورازقك موجود وما تدري ما خفي عنك من المصلحة والحكمة، فكلما يراه صالحاً لعبده يجري به المقدرات ويمضيه.
في عالم الوجود لا تسقط من ورقة إلا بإذن رب العالمين كذك موت الأولاد لا يكن إلا بمشيئته وإرادته، وإذنه في ذلك هو عين الصلاح والمصلحة وإن كان الإنسان لا يدرك ذلك.
عندما يقولون أيتها النفس كوني صابرة وشاكرة فهذا لا يعني أننا نقول بالجبر بل هو (أمر بين الأمرين) إنه ليس جبراً بل الاختيار باق لكنه مشروط بإذن الله فإذا قصدت أن تؤدي عملاً فأنت تستطيع ذلك إذا كان معه إذن الله.
كل الحوادث مسجلة في اللوح المحفوظ قبل أن تقع وتقدر المقدرات فيجب أن نرضى بذلك التقدير ولكن النفس الأمارة لا تخضع لهذه الحقيقة وغير مستعدة للصبر والشكر.
الجزع الناشئ من الاعتراض حرام
في باب تجهيز الأموات نجد أن عويل وبكاء صاحب المصيبة إذا كان بشكل الاعتراض على القضاء والقدر الإلهي فهو حرام فشق الجيب واللطم على الرأس والصدر من المحرمات إذا كان ذلك اعتراضاً على إرادة الله وهذا مذكور في الرسائل العملية.
لأجل موت أبيه أو أمه العجوز نجد الشخص يقيم الدنيا بصراخه وعويله ولو أنه التفت قليلاً لوجد أن بقاء الأب والأم يجعله في النهاية يتمنى موتهما فما أصعب رعايتهما إذا اصبح حالهما كالحالة الأولى يجب تنظيفهما باستمرار. إن اخذه قبل أن يصل العجز إلى هذه الدرجة هو إراحة له وإراحة للآخرين منه فلماذا يعترض الإنسان على جهاز الخلقة فالذي أعطاه الروح هو الذي أخذها منه.
أمارية النفس وجهنم الفعلية
في حالة الاعتراض على القضاء والقدر تبرز النفس الأمارة. عند ذاك يكون الإنسان كافراً بالله ومشركاً بالله وساخطاً لقضاء الله وهذه أتعس الحالات وهو لا يعلم. لا توجد انتكاسة روحية أقبح من الاعتراض على القضاء والقدر الإلهي وأن يكون مع الله في تساؤل لماذا حدثت الزلزلة؟ ولماذا لم يسقط المطر؟ هذه هي جهنم الفعلية كما أن التسليم والرضا هو الجنة الحقيقة فإذا حصل لديه الإيمان بالله فهو السعادة والراحة الحقيقية.
مريض بالعمى والفلج لكنه شكور
في رواية عن موسى بن عمران عندما أراد من الله أن يريه أحب الخلق إليه فأوحى الله إليه أن اذهب إلى المحل الفلاني وسوف تراه، فلما جاءه وجد رجلاً أعمى ومفلوج وفي نفس الوقت مريض أيضاً. اقترب منه موسى وجلس يسأل عن حاله فسمعه يسبح الله “يا بار يا وصول”.
مع كل هذه المصائب من فقدان البصر والأرجل مع ذلك يشكر الله على نعمه ويذكر فضله واحسانه.
سأله موسى “كيف تشكر الله وأنت على هذه الحالة”؟ فقال:
أعطاني عيناً لمدة من الزمان ورفعت بذلك حوائجي، ولكي لا أنظر المناظر المحرمة والمسببة للغفلة.. لكي لا تقع عيني على حرام، أخذ عيني..
أعطاني رجلاً وقد استفدت منها وبعد ذلك أخذها حتى لا أذهب إلى مكان حرام.
وأيضاً أعطاني نعمة لم يعطها إلى أي أحد في هذه القرية التي أنا فيها فكيف استطيع أن اشكر هذه النعمة.
فسأله موسى: أي نعمة أعطاك؟ فقال: نعمة الإيمان.