10/إذا ازداد الإنسان علما، هل يمكن أن نفترضه قد أنتج قيمة مضافة؟ فهل يعقل أن يكون الإنسان قد أنتج القيمة المضافة بمجرد أن علم شيئا بعد ما كان يجهله؟! إن مجرد ازدياد المعلومات لا ينتج القيمة المضافة للإنسان، ولا سيما إذا لم يكن للإنسان دور في ازدياد معلوماته، كمن كان يمشي في مكان وإذا به يسمع معلومة جديدة لم يكن يعرفها. أو كالذي حصّل على بعض التجارب في حياته ومن مواقف فشله وخسرانه. فهل يعقل أن يكون هذا الإنسان قد أنتج قيمة مضافة بكسب هذه المعلومات؟! كلا.
طبعا، لا أعتقد أن العلم بلا قيمة وثمن في هذا المسار، ولكنه يعين الإنسان على إنتاج القيمة المضافة، وبهذا القدر إنه ذو قيمة. أما إذا لم يعن الإنسان على إنتاج القيمة المضافة عند ذلك يصبح صاحبه (کَمَثَلِ الْحِمارِیـحْمِلُ أَسْفاراً)(سورة الجمعة/الآية5). وأنتم تعلمون أن هذه الآية هي في شأن بعض العلماء الذين حصلوا على معلومات، ولم تنزل في حق الحاسوب الذي خزنت فيه ملفات الكتب. مع هذا قد يصير مَثَل الإنسان العالِم كالحمار يحمل أسفارا. إذن لا يكفي العلم بوحده لإنتاج القيمة المضافة.
ما دور العمل في إنتاج القيمة المضافة
هل أن العمل يكفي لإنتاج القيمة المضافة؟ كلا. فعلى سبيل المثال إن بعض الكائنات كالنمل في عمل دؤوب بلا ملل أو تعب، فلا نقدر على القيام بنصف ما يقومون به، حتى قد ضرب بهم المثل في العمل والاجتهاد، لشدة عملهم وجهدهم، ولكن لا يمكن أن نعتبر مثل هذه الأعمال تنتج القيمة المضافة التي نبحث عنها.
إن العمل قادر على معونتنا في إنتاج القيمة المضافة، ولكن ليس هو بقيمة مضافة بالأصالة. إذ كما ذكرت إن الحيوانات تعمل وتخدم أيضا. فانظروا إلى الأبقار مثلا، فإنهم لا يقفون عن العمل النافع لحظة. نحن نقف عن العمل ولكنّهم لا يقفون. فتارة يعتلفون توفيرا للحليب، وأخرى يعدّون تقرير ما اعتلفوه قبل ساعة، ليستعرضوه مرة أخرى [كناية فكاهية عن اجترارهم]. فيا لها من عامل مجتهد خدوم! حتى أن البعض أصبحوا من عبدتها، ولا يدرى فلعل السبب هو ما شاهدوه منها من عمل مستمرّ وخدمة متواصلة، وهذا ما جرّهم إلى عبادتها. [كان الشيخ ممازحا في هذه العبارة]. فلا يستطيع الإنسان أن ينتج القيمة المضافة على سبيل الأصالة لا بالعلم ولا بالعمل.
إن ما ينتج القيمة المضافة هو جهاد النفس
إن ما ينتِج القيمة المضافة باستخدام العلم والعمل، هو كيفية مواجهة الإنسان مشتهياته ومدى إعمال التغيير فيها. فإذا استطاع الإنسان أن يؤثّر على أهوائه ومشتهياته، سوف يقدر على ترك بصمة تأثيره على العالم بأجمعه. لقد خلق الإنسان لصنع التغيير وإنتاج القيمة المضافة ومن أجل التأثير على العالم. وإنّ مركز هذا التغيير هو نفس قلب الإنسان ونزعات الإنسان ذاته. ثم لا سبيل لصنع التغيير القيّم إلا فيما إذا واجه الإنسان موانع ومصاعب في مسار صنع التغيير. لا أن يكون ذاك التغيير ملائما لأهوائه وشهواته. إذن لا تنتج القيمة المضافة بما يلائم هوى الإنسان كالأكل والشرب والنوم وغيرها.
لا يمكن إنتاج القيمة المضافة إلا بمخالفة الأهواء والمشتهيات. فعندما تقاوم نزعاتك السطحية متخلّصا منها إلى النزعات الأصيلة والعميقة، هنا تنتج القيمة المضافة، ومقاومة النزعات السطحية هذه هي ما يسمّى بجهاد النفس. فأنت صرت إنسانا من أجل جهاد النفس وإنتاج القيمة المضافة والوقوف أمام بعض نزعاتك ورغباتك. ومن هذا المنطلق إن إنسانية الإنسان وهويته الإنسانية مرهونة بمدى مخالفته لرغباته وشهواته.
عدم تلبية الأهواء هو ما يسبب إدراك الهوية الإنسانية
فاختاروا ما شئتم من رغباتكم لتقضوا عليها. ولكن ليس لكم حقّ الاختيار إذ قد أحاطكم الله ببرنامجه بكلا نوعيه المتمثل بمقدّراته وتكاليفه. فتأملوا إذ سوف نخوض إن شاء الله في البرنامج الإلهي لجهاد النفس.
أما الآن فلأضرب لكم مثالا؛ ما إن يدخل الطفل في السابعة من عمره، يواجه بعض الموانع في محيطه وفي بيته. وهذه السنة هي منطلق حياته الإنسانية. فمنذ السنة السابعة لابد أن يعرف أنه قد يحبّ شيئا ولكن يجب أن يكفّ عنه، وقد يرغب في شيء غير مرغوب لدى أمّه وأبيه، فينبغي أن يمتنع عنه.
يتبع إن شاء الله…