( يجب على السالك الطالب أن يراعي آداب الوضوء كما قال الصادق عليه السلام : ” وات بآدابها في فرائضه و سننه ” ليستعد للحضور و يستفيد من عيون فوائده كما وعدها الامام الصادق عليه السلام فالأدب الأول أن يتوجه إلى القبلة و مركز العبادة و نقطة التوحيد التي هي من عمدة الشرائط الصلاتية ليستفيد من فوائد الاستقبال التي سنذكرها في محلها ، و قد أشير إلى هذا الأدب في الرواية : ”
و ان من توضأ حيال القبلة كان له ثواب صلاة ركعتين ” و ينبغي أن يكون وقوفه الوقوف في مقام الحمد حيث أذن له رب العزة و السلطان بالحضور و هو الآن في مقام تحصيل مقدمات التشرف لينال هذا الشرف فيأخذ غرفة من الماء و يغسل يديه من المرفقين و ليتفطن أنه كما يغسل بالماء الظاهر الذي هو سبب حياة لكل حي ظاهره كذلك يغسل باطنه بالعلم و هو الموجب لحياة القلوب و الأرواح فينور به قلبه وروحه ، فأخذه الماء صورة تناول الرحمة الإلهية ليطهر بها من كل عيب و نقص و يغسل يديه من العيوب و من حوله و قوته اشواك طريق السلوك و لعل غسل اليد اليسرى يرمز إلى أنه لا حول عن المعاصي إلا بالله ، و اليد اليمنى إلى أنه لا قوة على الطاعات إلا بالله .
وأيضا أن اليد مظهر الامساك والقبض وبواسطة الحرص والبخل تمسك عن البسط في الخيرات ، قال تعالى : ” وقالت اليهود يد الله مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا بها قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ” ( المائدة 64 ) . فليتنبه بأن قبض اليد الظاهرية مانع عن اغتراف الماء النازل من سماء الدنيا كذلك قبض اليد المعنوية مانع عن تناول ماء الرحمة النازل من سماء العلم والحكمة وبصبّ الماء باليمنى على اليسرى يتنبّه انه لابد له من بسط اليد في البذل والاعطاء والايثار في سبيل رضى المحبوب ، ولا يمسك يده ، قال تعالى : ” لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا ممّا تحبون ” ( آل عمران 92 ) .
وأيضا يرمز بغسل اليد إلى غسل يده عّما نهى عنه الشارع وبالخصوص المنهيات التي تتحقق باليد كالسرقة والتعدّي والغصب وأمثالها .
ويتفطن أيضا إلى أنه كما أن النوم في الليل أو النهار حدث يوجب هذا الوضوء الذي هو بصدده كذلك الغفلة عن مقام الغيب والشهود حدث لابد لك من رفعة فبغسل يديه مستمدا من مقام الرحمانية والرحيمية للحق تعالى شأنه يرفع ذاك الحدث . وقد ورد في الحديث ” لا وضوء لمن لا يسمّ الله ” فيغسل يديه قائلا بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقول : ” الحمد لله الذي جعل الماء طهمورا ولم يجعله نجسا ”
وهذا اشارة إلى مقام الحمد الذي ذكرناه ، ثم يتنبه إلى الجهات التي ذكرها الاستاذ في الطهارة ويقول :” اللهم اجعلنى من التوابين واجعلني من المتطهرين ” ويجدّد التوبة على حسب المرتبة التي هو فيها ويسأل التوبة من الله ثم يتمضمض ويجري ذكره الجميل على اللسان بقوله : ” اللهم لقّنّي حجّتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك ” ومعنى تلك المضمضة التي يطّهر بها فمه من فضول الطعام أنه يطهر فمه ولسانه من الذكر القبيح ومن فضول الكلام ( وفضول الكلام يميت القلب ) وممّا يجري على لسانه ويخرج من فمه ممّا يمقته الله ويدخله النار كما قال صلى الله عليه وآله : ” وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار الا حصائد ألسنتهم ” . فيزيده بذكر الله وتلاوة القرآن .