ثم يستنشق ، وحقيقة اخراج الكبر والتعالى من دماغه كما يخرج بالاستنشاق فضولات الدماغ من طريق أنفه وينقي مجراه ويستعد لشم الروائح العطرة المعنوية التي تهب من حي الحبيب ووجدان نفس الرحمن من جانب اليمن والوادي الايمن ، ويقول بلسانه رمزا لذلك المعنى :
” اللهم لا تحرمني ريح الجنة وأجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها ” ثم يغسل وجهه ويتوجّه إلى أنّ ذلك يرمز إلى بياض الوجه وتحصيل ماء الوجه عند الله سبحانه فيتذكّر قصوره وتقصير وخجلته وسواد وجهه ويستجير بالله من أن يلقى الله سبحانه بهذه الحالة كما يحكيها الله سبحانه :
” ويوم القيامة . ترى الذين كذبوا على الله وجوهمم مسودّة ” ( الزمر 60 ) .. وقال تعالى : ” وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة ” ( عبس 40 – 41 ) . وليستحي من الله سبحانه لما رآه حيث نهاه ولما توجّه إلى غير مولاه . ونعم ما قيل :
قالوا غدا نأتي ديار الحمى *** وننزل الركب بمغناهم
فكلّ من كان محبّا لهم *** يصبح مسرورا بلقياهم
قلت فلي ذنب وما حيلتي *** بأي وجه أتلقّاهم
قالوا أليس العفو من شأنهم *** لاسيما عمّن ترجّاهم
وقد ورد في الحديث أنه يقول عند غسل وجهه ” اللهم بيّض وجههي يوم تسودّ الوجوه ولا تسوّد وجهي يوم تبيضّ الوجوه ” .
ويتذكر عندما يغسل اليدين ان باطنه غسل الايدي من مرافق رؤية الاسباب التي هي أيادي صنع المعبود إلى منتهى أنامل المباشرة والاكتساب .
وأيضا هو غسل اليد عن الخلق وتفويض الامر إلى الله والاستعداد للتمسك بذيل المحبوب وقرع بابه كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في حق عباد الله وأصحاب الذكر ” لكل باب رغبة إلى الله منهم يد قارعة ” .
ويتذكر أيضا موقف القيامة وتطاير الكتب وأحوال الناس في ذاك الوقت كما قال تعالى : ” فأمّا من أوتي كتابه بيمينه ” ( الحاقة 25 ) ” وأمّا من أوتي كتابه بشماله ” ( الحاقة 25 ) .. فيقول عند غسله اليمنى ” اللهم اعطنى كتابي بيميني والخلد في الجنان بيسارى وحاسبني حسابا يسيرا ” .
ويقول أيضا عند غسله اليسرى : ” اللهم لاتعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري ولاتجهلها مغلولة إلى عنفي وأعوذ بل من مقطّعات النيران “
ويمسح رأسه من الخضوع لغير الله ومن الكبرياء العارضة له اذ عدّ نفسه شيئا ومن التشمخ الذي عرض له من النظر إلى نفسه ويتذكر عند مسح رأسه خطيئة أبيه آدم وميله إلى الشجرة المنهية ووضعه يد الذّلة والافتقار على أمّ رأسه كما في الرواية يجيء شرحها وينادي ربه كما نادى أبوه ربّنا ظلمنا أنفسنا ليشمله غفران الرب الرحيم من قرنه إلى قدمه ، ويتحقق معنى الدعاء الوارد عند مسح الرأس من قوله : ” اللهم غشّني برحمتك وبركاتك وعفوك ومغفرتك “.
ويمسح رجليه من المشي إلى دار الغربة وأرض المذّلة ، ويطهّرها أيضا عن المشي بالكبر . قال تعالى : ” ولا تمش في الأرض مرحا ” ( الاسراء 37 ) ويمشي بقدم العبودية والهوان ليصدق عبوديته للرب الرحمن .. قال تعالى : ” وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ( الفرقان 63 ) ” ويلزم تصميماً على الثبات في طريق الجهاد وميدان الجهاد الأصغر والأكبر والمشي على الصراط المستقيم ويقول بلسان قاله ” اللهم ثبّت قدمي على الصراط يوم تزلّ فيه الاقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني ” .