فمن أجل أنه لا يريد أن يضيّع على عبده البائس المسكين نظرة من نظراته ، جعل له النظر إلى وجه العالم عبادة ، والنظر إلى الكعبة عبادة ، والنظر إلى ذرية رسول الله (ص) عبادة ، والنظر إلى المخلوقات بعين الاعتبار عبادة ، وأي عبادة !.. فإنه التفكير الذي ساعة منه تعدل عبادة ستين سنة { فأينما تولوا فثم وجه الله } . البقرة/115
وعن الصادق جعفر بن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن آبائه (ع) ، عن النبي (ص) قال:
أوحى الله تعالى إلى داود (ع) : يا دواود !.. وكما لا تضيق الشمس على من جلس فيها ، كذلك لا تضيق رحمتي على من دخل فيها ، وكما لا تضرّ الطِّيرة من لا يتطير ، كذلك لا ينجو من الفتنة المتطيّرون. [ الجواهر السنية : 77] .. انتهى.
وهذا الخطاب الإلهي القدسي من أكبر وأعظم الشواهد على ما أصّلناه من أن المتطير لسوء ظنه بربّه لا ينجو من الفتنة ، فيقع في الهلكة ، ومن لا يتطيّر لحسن ظنّه بربّه لا تضرّه الأشياء التي يُتطيّر منها ، وتُدفع عنه ببركات حسن الظن بالله.
ومن دخل في رحمة الله بالانقطاع (6)…..
________________________________________
(1) إن تعبير المصنف في هذا الموضع تعبير رائع .. فمن ناحية جعل الدخول إلى أخبارهم من موجبات الرحمة الإلهية ، فإن نفس الميل إلى أخبارهم والأنس بما ورد عنهم من علامات المسانخة لطينتهم ، والاستعداد لتلقي الفيض منهم ، وإلا فإن النفوس الاجنبية لا تألف هذه الكلمات الصادرة ممن اتصلوا بعالم الغيب.. ومن ناحية اخرى اكد على ضرورة الانقطاع إليهم ، فكيف يهتدي الى طريق الله الاعظم من لم يستوعب حقيقة الولاية الالهية المتمثلة في النبي (ص) وأوصيائه (ع) ؟!..إن هذه النفوس التي لم تفهم أكثر الحقائق بداهةً في عالم المعرفة – اذ ما نودي بشيء مثلما نودي بالولاية (الكافي ج 2 ص 18) – كيف لها أن تفهم دقائق السير إلى رب الأرباب؟!.. (المحقق )
________________________________________
……. إلى أخبار أهل البيت (ع) ، واقتفى آثارهم لم تضق عليه ، بل لا تزال تتسع وتنفتح له الأبواب التي كل باب ينفتح منه ألف باب ، حتى يوصله إلى مقام انشراح الصدر بنور العلم والمعرفة ، وهو من أفضل ما أثنى الله على نبيه (ص) حيث يقول:
{ ألم نشرح لك صدرك } . الإنشراح/1
فإذا مَنَّ الله عليه بالوصول إلى هذه الرتبة ، فهو من الذين لا يصلهم بلاء الدنيا ، ولا بلاء الآخرة ، وبمعنى أنه لو أصابه نوع من البلاء فهو عند غيره بلاء ، وبحسب نظر الناس ، وإلا فهو عنده في جنب ما عرّفه الله من إيصاله إلى رضاء الله ، وبحسب ما يطلب منه من المراتب السامية عند الله تعالى، من أكبر الملاذ وأهنأ العطاء.
ولذا كان بعض خواص الحسين (ع) من أهل الطف ، كلما اشتد عليهم البلاء تشرق وجوههم ، وتستبشر نفوسهم ، رزقنا الله وإياكم هذه المقامات ، وأين أبناء الملوك عن هذه اللذات ، وحسبنا الله ونِعْمَ الوكيل ،