ولكني لم أجد في صحيح البخاري روايات ولا بابا بهذا العنوان .
سلطان الواعظين
أولا : إنه إذا روى سائر أصحاب الصحاح ـ غير البخاري ـ من مثل مسلم والترمذي والنسائي وأحمد بن حنبل، وشرّاح صحيحي مسلم والبخاري، وغيرهم من كبار علمائكم، أخبارا وأحاديث في مطلب ما وأقروا بصحتها، ألم تكن رواية أولئك كافية في إثبات ذلك المطلب ….، فيثبت إذن هدفنا ومقصودنا ؟!
وثانيا : إن البخاري أيد ذكر هذه الروايات في صحيحه، ولكن بعنوان آخر، وذلك في باب (تأخير الظهر إلى العصر) من كتاب مواقيت الصلاة، وفي باب (ذكر العشاء والعتمة) وباب (وقت المغرب) .
أرجو أن تطالعوا هذه الأبواب بدقة وإمعان حتى تجدوا أن كل هذه الأخبار والروايات الدالة على جواز الجمع بين الصلاتين منقولة هناك أيضا .
الجمع بين الصلاتين عند علماء الفريقين:
والحاصل : إن نقل هذه الأحاديث من قبل جمهور علماء الفريقين ـ مع الإقرار بصحتها في صحاحهم ـ دليل على أنهم أجازوا الجمع ورخصوه، وإلا لما نقلوا هذه الروايات في صحاحهم .
كما أن العلامة النوري في (شرح صحيح مسلم) والعسقلاني والقسطلاني وزكريا الأنصاري، في شروحهم لصحيح البخاري، وكذلك الزرقاني في (شرح موطأ مالك) وغير هؤلاء من كبار علمائكم ذكروا هذه الأخبار والروايات، ثم وثقوها وصححوها، وصرحوا أنها تدل على الجواز والرخصة في الجمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر ولا مطر، وخاصة بعد رواية ابن عباس وتقرير صحتها، فإنهم علقوا عليها بأنها صريحة في جواز الجمع مطلقا، وحتى لا يكون أحد من الأمة في حرج ومشقة .
النواب ـ وهو يقول متعجبا ـ : كيف يمكن مع وجود هذه الأخبار والروايات المستفيضة والصريحة في جواز الجمع بين الصلاتين، ثم يكون علماؤنا على خلافها حكما وعملا .
قلت ـ بديهي، ومع كامل العذر على الصراحة ـ : إن عدم التزام علمائكم بالنصوص الصريحة والروايات الصحيحة التي لا تنحصر ـ مع كل الأسف ـ بهذا الموضوع فقط، بل هناك حقائق كثيرة نص عليها النبي (ص)، وصرح بها في حياته، ولكنهم لم يلتزموا بها، وإنما تأولوها وأخفوا نصها عن عامة الناس، وسوف تنكشف لكم بعض هذه الحقائق خلال البحث والنقاش في موضوع الإمامة وغيره إن شاء الله تعالى .
وأما هذا الموضوع بالذات، فإن فقهائكم لم يلتزموا ـ أيضا بالروايات التي وردت فيه مع صراحتها، وإنما أولوها بتأويلات غير مقبولة عرفا .
فقال بعضهم : إن هذه الروايات المطلقة في الجمع بين الصلاتين لعلها تقصد الجمع في أوقات العذر، مثل الخوف والمطر وحدوث الطين والوحل، وعل هذا التأويل المخالف لظاهر الروايات أفتى جماعة كبيرة من أكابر متقدميكم، مثل : الإمام مالك والإمام الشافعي وبعض فقهاء المدينة فقالوا : بعدم جواز الجمع بين الصلاتين إلا لعذر كالخوف والمطر !
ومع ان هذا التأويل يرده صريح رواية ابن عباس التي تقول : ” جمع النبي (ص) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، بالمدينة من غير خوف ولا مطر ” .
وقال بعضهم الآخر في تأويل هذه الروايات المطلقة الصريحة في الجمع بين الصلاتين مطلقا، حتى وعن كان بلا عذر ولا سفر، : لعل السحاب كان قد غطى السماء، فلم يعرفوا الوقت، فلما صلوا الظهر وأتموا الصلاة، زال السحاب وانكشف الحجاب، فعرفوا الوقت عصرا، فجمعوا صلاة العصر مع الظهر !!
فهل يصح ـ يا ترى ـ مثل هذا التأويل في أمر مهم مثل الصلاة، التي هي عمود الدين ؟!
وهل أن المؤولين نسوا أن المصلي ـ في الرواية ـ هو رسول الله (ص) وأن وجود السحاب وعدمه لا يؤثر في علم النبي (ص)، الذي يعلم من الله تعالى، وينظر بنور ربه (عز وجل) ؟!
وعليه فهل يجوز أن نحكم في دين الله العظيم استنادا إلى هذه التأويلات غير العرفية، التي لا دليل عليها سوى الظن المرجوح ! وقد قال تعال : (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) (28).
إضافة إلى ذلك ما الذي تقولونه في جمع النبي (ص) بين صلاتي المغرب والعشاء، مع أنه لا أثر حينها للسحاب وعدمه فيه ؟!
إذن فهذا التأويل وغيره من التأويلات، خلاف ظاهر الروايات، وخلاف صريح الخبر القائل :” إن ابن عباس استمر في خطبته حتى بدت النجوم، ولم يبال بصياح الناس : الصلاة .. الصلاة، ثم ردّ ابن عباس على التميمي بقوله : أتعلمني بالسنة ؟! لا أم لك ! رأيت رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء ” ثم تصديق أبي هريرة لمقالة ابن عباس .
وعليه : فإن هذه التأويلات غير معقولة ولا مقبولة عندنا، وكذا غير مقبولة عند كبار علمائكم أيضا، إذ أنهم علقوا عليها : بأنها خلاف ظاهر الروايات .
فهذا شيخ الإسلام الانصاري في كتابه (تحفة الباري في شرح صحيح البخاري في باب صلاة الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء آخر ص 292 في الجزء الثاني) وكذا العلامة القسطلاني في كتابه (إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري في ص293 من االجزء الثاني) وكذا غيرهما من شراح صحيح البخاري، وكثير من محققي علمائكم، قالوا : هذه التأويلات على خلاف ظاهر الروايات، وإن التقيد بالتفريق بين الصلاتين ترجيح بلا مرجح وتخصيص بلا مخصص .
النواب : إذن فمن أين جاء هذا الاختلاف الذي فرق بين الأخوة المسلمين إلى فرقتين متخاصمتين، ينظر بعضهم إلى الآخر بنظر البغض والعداء، ويقدح بعضهم في عبادة البعض الآخر ؟!
قلت :
أولا : بما أنك قلت بأن المسلمين صاروا فريقين متعاديين، أوجب عليّ الوقوف قليلا عند كلمة : متعاديين، لنرى معا هل العداء ـ كما قلت ـ كان من الطرفين، أو من طرف واحد ؟
وهنا لا بد لي ـ وأنا واحد من الشيعة ـ ان أقول دفاعا عن الشيعة ـ أتباع أهل البيت عليهم السلام، وإزاحة لهذه الشبهة عنهم : بأنّا نحن معاشر الشيعة، لا ننظر إلى أحد من علماء العامة وعوامهم بعين التحقير والعداء، بل نعدهم إخواننا في الدين .
وذلك بعكس ما ينظره بعض العامة إلينا تماما، إذ أنهم يرون أن الشيعة أعداءهم، فيتعاملون معهم معاملة العدو لعدوه، ولم تأتهم هذه النظرة بالنسبة إلى شيعة آل محمد (ص)، وأتباع مذهب أهل بيت رسولهم الكريم، إلا بسبب التقوّلات والأباطيل التي نشرت ضدهم بواسطة الخوارج والنواصب وبني أمية وأتباعهم من أعداء النبي (ص) وأعداء آله الكرام (ص) وبسبب الاستعمار ـ في يومنا هذا ـ الذي هو ألد أعداء الإسلام والمسلمين، والذي يخشى على منافعه ومطامعه من وحدة المسلمين واجتماعهم .
ومع الأسف الشديد فإن هذه التضليلات العدوانية أثّرت في قلوب وأفكار بعض أهل السنة، حتى نسبونا على الكفر والشرك !
ويا ليت شعري هل فكروا في أنهم بأي دليل ذهبوا إلى هذا المذهب وفرقوا بين المسلمين ؟!
ألم يفكروا في نهي الله تعالى المسلمين عن التفرقة بقوله:(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) (29) ؟
ثم أليس الله عز وجل، وحده لا شريك له، ربنا جميعا، والإسلام ديننا، والقرآن كتابنا، والنبي الكريم محمد (ص) خاتم النبيين وسيد المرسلين نبينا، وقوله وفعله وتقريره سنتنا، وحلاله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، وأن الحق ما حققه، والباطل ما أبطله، ونوالي أولياءه، ونعادي أعداءه، والكعبة مطافنا وقبلتنا جميعا، والصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، والزكاة الواجبة وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، فرائضنا، والعمل بجميع الأحكام والواجبات والمستحبات وترك الكبائر والمعاصي والذنوب مرامنا ؟
ألستم معنا في هذا كله ؟
أم أن شرعنا أو شرعكم، وإسلامنا وإسلامكم غير ما بيناه من الدين المبين ؟؟!
وأنا على علم ويقين بأنكم توافقوننا في كل ما ذكرناه، وإن كان بيننا وبينكم شيء من الخلاف فهو كالخلاف الموجود فيما بينكم وبين مذاهبكم، فنحن وأنتم في الإسلام سواء (كل آمن بالله وملائكتهوكتبهورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) (30) .
إذن فلماذا صار بعض العامة ينسبوننا إلى ما لا يرضى به الله ورسوله، ويبغون الفرقة بيننا وبينهم، وينظرون إلينا بنظر العداوة والبغضاء ؟! وهذا ما يتربصه بنا أعداء الإسلام ويريده لنا الشيطان، شياطين الإنس والجن، قال تعالى في ذلك : (…. شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول … ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه ….)(31) .
وقال تعالى : (إنما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ….)(32) . فتارة يوقع الشيطان العداوة والبغضاء بين المسلمين بواسطة الخمر والميسر، وتارة بواسطة التسويلات والأوهام التي يلقيها في قلوبهم عبر التهم والأباطيل التي ينشرها شياطين الإنس في أوساطهم .