42)وإما أن يكون ممن يخشى عليه الميل إلى هذه الدنيا ، والرغبة لما فيها ، فتأتي رأفة الحكيم فتزعجه منها بأنواع الابتلاء ، حتى يتنفر منها ولا يركن إليها ، فإنها دار الظالمين.
وإما أن يكون ضعيف العمل ، قليل الطاعات ، فتأتي رأفة الحكيم الرحيم أن لا يحرمه ثواب الابتلاء بالمصائب ، وقد قال الصادق (ع) : لو يعلم المؤمن ما له من الأجـر في المصائب ، لتمنى أنـه قـُرّض بالمقـاريض. الكافي : 2/198 ..
وقال الصادق (ع) : من ابتلي من المؤمنين ببلاءٍ فصبر عليه ، كان له مثل أجر ألف شهيد . الكافي : 2/75 ..
وقال الصادق (ع) : إنه ليكون للعبد منـزلة عند الله عزّ وجلّ ، فما ينالهـا إلا بإحـدى خصلتين : إما بذهـاب مالـه ، أو ببلية في جسده . [ الكافي : 2/199 ] .. انتهى.
فالابتلاء إما أن يكون للمؤمنٍ مثوبة ورفع درجة ، أو عقوبة وكفّارة ، وكلاهما حسنٌ محبوبٌ عند العاقل.
أما الثواب فواضحٌ ، وأما العقاب فلما اشتملت عليه أخبار أهل البيت (ع) من أن الله أكرم من أن يجمع على عبده المؤمن عقوبتين ، فكلّ شيءٍٍ عاقبه عليه في الدنيا فلا يعاقبه عليه في الآخرة.
فإذا كان لا بدّ للمؤمن من الابتلاء فلا بدّ له من الصبر ، وقد خلق الله الصبر قبل أن يخلق البلاء ، ولولا ذلك لتفطّر قلب المؤمن كما تتفطّر البيضة على الصفا.
وفي الكافي عن علي (ع) قال : قال رسول الله (ص) : “الصبر ثلاثة : صبرٌ عند المصيبة ، وصبرٌ على الطاعة ، وصبرٌ عن المعصية.
فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها ، كتب الله له ثلثمائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض.
ومن صبر على الطاعة ، كتب الله له سبحانه ستمائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش.
ومن صبر عن المعصية ، كتب الله له تسعمائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش. الكافي : 2/75 ..
وفي الكافي أيضا عن الصادق (ع) : إنّا صبّرٌ وشيعتنا أصبرُ منّا.
قلت: جعلت فداك !..كيف صار شيعتكم أصبر منكم ؟..
قال له: لأنا نصبرُ على ما نعلمُ ، وهم يصبرون على ما لا يعلمون. [الكافي : 2/76 ] .. انتهى.
أنظر إلى رأفتهم !.. كيف شكر لشيعتهم ، ما يقع منهم من الصبر القليل على المصائب الجزئية بالنسبة إلى مصائبهم.
يريدون أن يلحقوا بهم شيعتهم ، كي لا ينقطعوا عنهم فيهلكوا ويضمحلوا ، فإنهم علموا أن لا نجاة لشيعتهم إلا بأن يحسبوهم منهم ، ويجعلوا أنفسهم مع شيعتهم صفةً واحدةً ، فحينئذ لا يمكن ردّ الجميع ، فلا بدّ من قبول الجميع.
أما إذا كان لكلّ واحدٍ حكمه ، هلكت شيعتهم لا محالة ، فصار أقصى همّتهم ، ونهاية مرادهم من شيعتهم ، أن يتشبّهوا بهم تشبّها صورياً ، كما قال أمير المؤمنين من أنّه : من تشبّه بقومٍ أوشك أن يكون منهم. نهج البلاغة : الحكمة (207).
ثم يتمّون ذلك بالشفاعة والدعاء ، ففي دعاء الصاحب – عجّل الله فرجه وجعلني فـداه – الذي سمعه السيد ابن طاووس يدعـو بـه لشيعتهم في السرداب المقدّس ما معنـاه ، وقـد غـاب عني بعض ألفاظـه:
اللهم !.. إنّ شيعتنا منا ، خُلقوا من فاضل طينـتـنا ، وعُجنوا بنور ولايتنا ، فولّنا أمورهم ، واغفر لهم ما فعلوه من ذنوبهم ، اتكالاً على محبتنا ، وإن خفّت موازينهم ، فثقّلها بفاضل حسناتنا. البحار : 35/303 باختلاف. (7)
(7)تأمل في عمق الرابطة العاطفية بين المعصوم في كل زمان ، وبين رعيته الذين يحشرون تحت لوائه.. ولا عجب في ذلك ، فإن الإمام متخلق بأخلاق الله تعالى في أقصى درجة ، تحتمله الحدود البشرية. ومن المعلوم ، إن صاحب الأمر (ع) في زمان الغيبة غير غافل عما يجري بأمة جده (ص) لأنه المعني بحوادث هذا العصر بكل مداراتها ، كما كان جده أمير المؤمنين (ع) متألما لما يجري في اليمامة أو الحجاز من بطون غرثى وأكباد حرّى.. ومن هنا لزم على المحب الصادق أن لا يزيده همّا إلى همّه .. بل يسعى للتخفيف عن همومه بالعمل بما يوجب رضاه من تفريج الكروب عن مواليه ، أضف إلى المبالغة في الدعاء له بالفرج إذ لا فرج لعامة الخلق إلا بظهوره (ع)..( المحقق )