يقول العلامة الطباطبائي قدس سره: “إنه تعالى متصف بصفات كريمة يؤمن معها أن يستغش عباده المتوكلين عليه المسلمين له أمورهم، فإنه رؤوف بعباده رحيم غفور ودود كريم حكيم عليم، ويجمع الجميع إنه أرحم الراحمين، على أنه لا يغلب في أمره ولا يقهر في مشيئته، وأما الناس إذا امنوا على أمر واطمئنَّ إليهم في شيء فإنهم أسراء الأهواء وملاعب الهوسات النفسانية، ربما أخذتهم كرامة النفس وشيمة الوفاء وصفة الرحمة، فيحفظوا ما في اختيارهم أن يحفظوه ولا يخونوه، وربما خانوا ولم يحفظوا، على أنهم لا استقلال لهم في قدرة ولا استغناء لهم في قوة وإرادة”7.
التوكل والأسباب الطبيعية
وهل إن الاعتماد على اللَّه تعالى يعني ترك الأسباب الطبيعية في الحياة؟ وهل معنى ذلك أن لا يتعامل الإنسان مع الناس، وينزوي في زاوية بيته منعزلاً عن حركة الحياة ونشاطها؟
بالطبع لا، ليس المراد بالتوكل على اللَّه ترك الأسباب، فإن الإنسان عليه أن يسير وفقاً للأسباب التي وضعها اللَّه تعالى، ولكن مع هذا عليه أن يستشعر في نفسه أنه ضعيف ولا استقلال له في إدارة أموره، وأن الأسباب العادية باستقلالها لا تقوى على إيصاله إلى ما يبتغيه من المقاصد، بل عليه أن يلتجىء في أموره إلى وكيل يصلح شأنه ويدبر أمره أحسن تدبير، فذلك الوكيل هو اللَّه تعالى، العالِم بكل تفاصيل الكون، المطلع على عباده، مسبب الأسباب، ومقلِّب القلوب، القاهر الذي لا يقهره شيء، الغالب الذي لا يغلبه شيء، يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد.