دلالة المقطع:
في هذا المقطع من الدعاء بيان للحالة التي ينبغي أن يكون عليها الداعي عند دعاءه وإقباله على الله؛ وهي:
1- الاعتراف بالتقصير والإسراف:
على الداعي أن يتوجّه إلى الله تعالى في دعائه بلسان الإقرار بالتقصير، ولسان حاله: أنبت إليك يا إلهي، ورجعت إليك، وأنا معترف بما قمت به من تقصير وإسراف: أمّا الاعتراف بالتقصير؛ فلأنّني كنت أمتلك القدرة على عدم الوقوع في المعصية، ولكنّني قصّرت. وأمّا الإسراف؛ فلكثرة الوقوع في الذنوب، ولكنّ ذلك كلّه لا يمنع من العودة والرجوع إلى الله:
قال تعالى:﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾12.
والتعبير في الآية: بعلى أنفسهم؛ يبيّن أنّ ذنوب الإنسان تعود كلّها إليه. وخطاب هذه الآية من علامات محبّة الله لعباده ورأفته بهم.
2- الاعتذار من الله والندم على ما اقترف:
لا يُراد بالاعتذار تبرير المعصية، بل الاعتراف بارتكابها؛ لأنّ الإنسان ليس لديه
________________________________________
10- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة”فَزَعَ”، ص501.
11- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة”فَزَعَ”، ص635.
12- الزمر: 53.
مبرّر لارتكاب المعاصي؛ بعد أن بيّن الله له كلّ شيء، وحذّره من المعاصي، وكشف له عن مخاطرها.
وأمّا الندم؛ فهو أوّل درجات التوبة، فلا توبة بلا ندم؛ وهو مؤاخذة النفس:
عن الإمام علي عليه السلام: “الندم أحد التوبتين”13.
وعنه عليه السلام أيضاًـ: “الندم على الذنب يمنع عن معاودته”14.
ولا شكّ في أنّ الندم في هذه الدنيا أفضل من الندم في الآخرة؛ لأنّه ينفع الإنسان بفتح مجال التدارك والرجوع أمامه؛ وهو غير مُتاح في الآخرة؛ لانقطاع العمل.
3- الانكسار أمام الله:
الانكسار حالة خضوع وخشوع واعتراف بالعجز والفشل والفقر والحاجة؛ وهي تظهر على الإنسان عندما تكون سِمَته الحزن والهمّ:
عن الإمام الصادق عليه السلام: “يصبح المؤمن حزيناً، ويمسي حزيناً، ولا يصلحه إلا ذاك”15.
وعندما ينكسر القلب يجد الإنسان ربّه. ولذا، ورد أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سُئِلَ أين الله، فقال: “عند المنكسرة قلوبهم”16.
4- الإقالة إلى الله:
وهو طلب الإقالة والعفو؛ أي أن يغفر له عثرته وذلّته؛ بأن لا يحاسبه على ما اقترفت يداه. وهذا هو معنى ما ورد في فقرة أخرى من دعاء كميل: “وأقلني عثرتي، واغفر لي زلّتي”.
________________________________________
13- النوري، حسين: مستدرك الوسائل، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط2، بيروت، 1408هـ.ق/ 1988م، ج12، أبواب جهاد النفس…، باب وجوب ستر الذنوب…، ح13674، ص118.
14- النوري، مستدرك الوسائل، م.س، ج12، أبواب جهاد النفس…، باب وجوب ستر الذنوب…، ح13674، ص118.
15- الراوندي، قطب الدين: سلوة الحزين(المعروف بـ “الدعوات”)، ط1، قم المقدّسة، مدرسة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ؛ مطبعة أمير، 1407هـ.ق، ص287.
16- الراوندي، الدعوات، م.س، ص120.