مفاهيم محوريّة:
1. خصائص العذاب الأخروي:
• عذاب أليم.
• عذاب طويل المدّة.
1. تنوّع العذاب في جنّهم:
• الجيران هم أعداء الله.
• مفارقة أولياء الله.
• الحرمان من لقاء الله.
• الحرمان من الكرم الإلهي.
شرح المفردات:
أضجّ: أصلها ضَجَّ: “الضادّ والجيم: أصل صحيح يدلّ على صياح بضجر”1.
________________________________________
1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة”ضَجَّ”، ص359.
صيّرتني: أصلها صَيَرَ: “الصاد والياء والراء: أصل صحيح؛ وهو المآل والمرجع”2.
صبرت: أصلها صَبَرَ: “الصاد والباء والراء: أصول ثلاثة، الأوّل: الحبس، والثاني: أعالي الشيء، والثالث: جنس من الحجارة”3. و”الصَّبْرُ: حبس النّفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عمّا يقتضيان حبسها عنه، فَالصَّبْرُ لفظ عامّ، وربّما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان حبس النّفس لمصيبة سمّي صبراً لا غير، ويُضَادُّه الجزع، وإن كان في محاربة سمّي شجاعة، ويضادّه الجبن، وإن كان في نائبة مضجرة سمّي رحب الصّدر، ويضادّه الضّجر، وإن كان في إمساك الكلام سمّي كتماناً، ويضادّه المذل، وقد سمّى الله تعالى كلّ ذلك صبراً، ونبّه عليه بقوله:﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء﴾(البقرة: 177)”4.
رجائي: أصلها رَجَى: “الراء والجيم والحرف المعتلّ: أصلان متباينان يدلّ أحدهما: على الأمل، والآخر: على ناحية الشيء. فالأوّل: الرجاء؛ وهو الأمل. يقال رجوت الأمر أرجوه رجاء. ثمّ يتّسع في ذلك، فربّما عُبِّرَ عن الخوف بالرجاء. قال الله تعالى: ﴿مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾؛ أي لا تخافون له عظمة”5.
دلالة المقطع:
1- خصائص العذاب الأخروي:
يشير مقطع هذا الدعاء إلى خصوصيّتين من خصائص هذا العذاب الأخروي، وهما:
أ- عذاب أليم:
إنّ عذاب الآخرة لا يمكن أن تقاس به عذابات هذه الدنيا إطلاقاً:
________________________________________
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة”صَيَرَ”، ص325.
3- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة”صَبَرَ”، ص329.
4- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة”صَبَرَ”، 474.
5- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة”رَجَى”، ص494.
روي عن الإمام الصادق عن أبيه، عن جدّه عن أبيه عليهم السلام: “قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:… فكيف أستطيع الصبر على نار؛ لو قَذَفَت بشرره إلى الأرض؛ لأحرقت نبتها، ولو اعتصمت نفس بقلّة؛ لأنضجها وهج النار في قلتها”6.
وعن الإمام الباقر عليه السلام: “إنّ أهل النار يتعاوون فيها؛ كما يتعاوى الكلاب والذئاب؛ ممّا يَلقَون من ألم(أليم) العذاب… كليلة أبصارهم، صمّ، بكم، عمي، مسودّة وجوههم، خاسئين فيها، نادمين”7.
ب- عذاب طويل المدّة:
إنّ بلاء النار بلاء يطول ولا يُقاس على الإطلاق بعذابات هذه الدنيا؛ لأنّها تنتهي بالموت الذي يحلّ بالإنسان، وتُقدَّر بعمر هذا الإنسان فقط، وأمّا في الآخرة فـ ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾، حيث يجأر الإنسان ويصيح طالباً الموت؛ لكي يتخلّص من العذاب، ولكن يأتيه الجواب: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ﴾8.
2- تنوّع العذاب في جهنّم:
عندما تقود زبانيّة جهنّم الإنسان الذي حُكِمَ عليه في محكمة العدل الإلهية بالنار، ويُلقَى به فيها؛ فإنّه سوف يواجه نوعين من العذاب، أحدهما: العذاب الجسماني الحاصل؛ باحتراق جلده وعظمه بنار جهنّم: ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾9، ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾
________________________________________
6- ابن بابويه، محمد بن علي بن الحسين: الأمالي، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، ط1، قم المقدّسة، 1417هـ.ق، المجلس90، ح7، ص818-819.
7- ابن بابويه، الأمالي، م.س، المجلس82، ح14، ص651.
8- الزخرف: 77.
9- التوبة: 35.
حَكِيمًا﴾10، والآخر: هو العذاب النفسي والمعنوي المتمثِّل بمظاهر عديدة: ﴿الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ﴾11.
ويشير هذا المقطع من الدعاء لبعض معالم هذا العذاب المعنوي:
أ- مجاورة أعداء الله:
يتبرّأ الإنسان من أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الدنيا، حيث يعيش الكره لهم، ويدعو عليهم في الليل والنهار، ولا يطيق حتى ذكر اسمهم، ولا يتصوَّر أن يعيش معهم في مكان واحد.
ولكنّه، في يوم القيامة؛ عندما يُحكَم به إلى جهنّم؛ يُحكَم عليه بالاجتماع معهم، ويشارك أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وآله وسلم نار جهنم؛ فيتعذّب كما يتعذّبون. وأيّ ألم نفسي يسبّبه ذلك؛ أن يرى هؤلاء الذين كان يراهم في الدنيا أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ وهم بالفعل كذلك، ولكنّه بسوء فعله أصبح جاراً لهم في نار جهنّم؟!
قال الله تعالى مصوِّراً حالة الخصومة بين أهل جهنم:﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴾12.
ب- مفارقة أولياء الله:
إنّ الإنسان يأنس بمَنْ يُحِبّ، والمؤمن يتمنّى في هذه الدنيا أن يجتمع مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآل محمد عليهم السلام في الآخرة، وأن يُحشَر معهم، ولكنّ أصحاب الذنوب سوف يُكتَب عليهم بمفارقة ما يُحبّون؛ لأنّهم حيث يُحكَم بهم إلى جهنّم؛ فلن يروا آل محمد عليهم السلام ولن يجتمعوا بهم، بل إنّ الحسرة على فراقهم ستضيف عذاباً إلى عذابهم.
________________________________________
10- النساء: 56.
11- الهمزة: 7-8.
12- ص: 62-64.