أشار القرآن إلى هذا المعنى بالنسبة إلى النبي الخاتم (صلّى الله عليه وآله) حيث قال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاَْقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا)( [462]) وقال: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)( [463]).
وهذا ما تؤيّده الروايات الواردة في المقام.
عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) في قوله: (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّموَاتِ وَالاَْرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) قال: «كشط له عن الارض ومن عليها، وعن السماء وما فيها، والملك الذي يحملها، والعرش ومن عليه، وفعل ذلك برسول الله صلّى الله عليه وآله، وأمير المؤمنين عليه السلام»( [464]).
عن ابن مسكان قال: قال أبو عبدالله الصادق (عليه السلام): (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّموَاتِ وَالاَْرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) قال: «كشط لابراهيم (عليه السلام) السموات السبع حتى نظر إلى ما فوق العرش، وكشط له الارض حتى رأى ما في الهواء، وفعل بمحمّد (صلّى الله عليه وآله) مثل ذلك، وإني لارى صاحبكم والائمّة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك»( [465]).
عن بريدة الاسلمي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا علي إنّ الله أشهدك معي سبعة مواطن ، حتى ذكر الموطن الثاني، أتاني جبرائيل فأسرى بي إلى السماء فقال: أين أخوك ؟ فقلت: ودّعته خلفي، قال: فقال: فادع الله يأتيك به، قال: فدعوت فإذا أنت معي، فكشط لي عن السموات السبع والارضين السبع، حتى رأيت سكّانها وعمّارها، وموضع كلّ ملك منها، فلم أرَ من ذلك شيئاً إلاّ وقد رأيتَه كما رأيتُه»( [466]).
وكيفما كان إذا وقف الانسان على حقيقة نفسه بهذا النحو أي عياناً وشهوداً، فقد انكشف له ملكوت نفسه، عند ذلك تنصرف نفسه عن كلّ شيء سوى الله، وتتوجّه إلى ربّها، وتنسى كلّ شيء وتذكر ربّها، حينئذ «يتبدّل إدراك النفس وشعورها، ويهاجر من موطن الشرك إلى موقف العبودية ومقام التوحيد، ولا يزال يعوّض شركاً من توحيد، وتوهّماً من تحقّق، وبُعداً من قرب، واستكباراً شيطانياً من تواضع رحماني، واستغناءً وهمياً من فقر عبودي أن أخذت بيدها العناية الالهية وساقها سائق التوفيق.
ونحن وإن كان لا يسعنا أن نفقه هذه المعاني حق الفقه لمكان إخلادنا إلى الارض، واشتغالنا ـ عن الغوص في أغوار هذه الحقائق التي يكشف عنها الدين ويشير إليها الكتاب الالهي ـ بما لا يغنينا من فضولات هذه الحياة الفانية التي لا يعرّفها الكلام الالهي في بيان إلاّ بأنّها لعب ولهو، كما قال تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ)( [467])، وقال: (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ)( [468]).
إلاّ أنّ الاعتبار الصحيح والبحث البالغ والتدبّر الوافي، يوصلنا إلى التصديق بكليّاتها إجمالاً، وان قصرنا عن إحصاء التفاصيل، والله الهادي»( [469]).
شاهد أيضاً
اليتيم في القرآن الكريم – عز الدين بحر العلوم
11- « يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن ...