وها هو ممثل الطبقة الحاكمة السعودية اللواء المتقاعد ومستشار رئيس جهاز الاستخبارات السابق، أنور عشقي، يلتقي أحد كبار مستشاري رئيس الحكومة الإسرائيلية ومندوب ”إسرائيل” السابق لدى الأمم المتحدة، دوري غولد، خلال ندوة مشتركة استضافها «مجلس العلاقات الخارجية» في واشنطن.. والهدف من اللقاء مواجهة ايران، كما اعلن.
ولكن لقاء واشنطن لم يكن هو اللقاء الاول بين السعوديين والاسرائيليين، بل كما ذكرت وكالة بلومبرغ فان خمسة لقاءات سريّة جمعت بين ممثلين عن كل من “إسرائيل” والمملكة السعودية، فإن الاجتماعات الثنائية الخمسة ـ السرّية ـ عقدت منذ بداية العام 2014، واستضيفت بداية في الهند ثم في إيطاليا وتشيكيا.. الهدف من تلك اللقاءات كان واضحاً حسب الوكالة: النقاش بشأن «العدو» المشترك، المتمثل اليوم بإيران.
لم تعد هذه اللقاءات جديدة أو مستهجنة، ولكن الجديد في الندوة الأخيرة، كان الحدَّة التي اتّسمت بها المواقف السعودية تجاه إيران، خصوصاً أنّ ممثِّلها أعرب عن رغبة بلاده في “إسقاط” النظام الإيراني، فضلاً عن العمل على تحقيق السلام بين العرب والعدو الإسرائيلي.
لا يخفى على أحد في المنطقة أنَّ لكلّ من “إسرائيل” والسعودية مصالح مشتركة تتمثل في التصدي لإيران.. ولكن حتى يوم الخميس (الماضي )، بقيت «العلاقات الديبلوماسية» بين البلدين طيّ الكتمان، ولم يعلن عن لقاءات رسمية، إلا تلك التي خرجت إلى الإعلام.. والمفارقة المتوقَّعة هي أنّ الرسالة التي أراد الطرفان إيصالها كانت متطابقة: إيران تحاول الهيمنة على الشرق الأوسط، ويجب إيقافها.
الطبقة الحاكمة الجديدة في السعودية تهوى المغامرات، خلافا للمك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز الذي كان لا يحب المغامرات ويتخذ سياسة “حكيمة” في ادارة دفة الحكم في بلاده ومع جيرانه.
المغامرة السعودية في اليمن التي في منتصف شهرها الثالث، دون ان تكسب الحرب، بل قامت في هذه الفترة بقتل الاف المدنيين العزل وتدمير البنى التحتية في اليمن بسبب عدم توفر السلاح الثقيل لدى الحوثيين والجيش اليمني ليردوا على العدوان، قد شجعت السعوديين على التفكير بدخول مغامرات جديدة في المنطقة لعلهم يتوجون من قبل الاسرائيليين والامريكيين قادة للدول العربية وبذلك يصلون الى هدفهم النهائي وهو قيادة الامة العربية، وهذا هو نفس الطريق الذي سلكه قبلهم صدام حسين الذي نصب نفسه قائدا للامة العربية بعد عدوانه على ايران ظنا منه بانه سوف يهزم الاخرين ويتوج بطلا على العالم العربي..
وها هو احد اركان اعلامهم جمال خاشقجي يشير في مقال له في صحيفة الحياة بتاريخ 6 حزيران 2015 بان “عاصفة الحزم السعودية ليست مجرد عملية عسكرية سعودية عابرة ضد الحوثيين، انها سياسة سعودية تجمع بين الدبلوماسية والحرب لوقف ثم دفع النفوذ الايراني خارج شام السعودية ويمنها!”
اذن عاصفة الحزم تستهدف نفوذ ايران في المنطقة كما يقول الخاشقجي، وان المشار اليه يرجح ان تشن السعودية حربا على ايران مؤكدا بان الشعب السعودي سوف يؤيد هذا العدوان، ويستشهد الاعلامي السعودي بكلام هنري كيسنجر الذي يقول بان الصراع مع ايران بالنسبة الى السعودية وجودي لانه يشمل حسب كيسنجر استمرار المملكة وشرعية الدولة و”مستقبل الاسلام”.
ان الطبقة الحاكمة السعودية متعطشة للحرب وسفك الدماء ولم ترتو حتى الان من دماء الاف اليمنيين، بل تريد ان تدخل في معركة خاسرة جديدة ضد ايران بدفع من الامريكيين والاسرائيليين.. انها مغامرة جديدة للثنائي محمد بن نايف صديق الامريكيين، ومحمد بن سلمان الذي يريد ان يتوج قائدا عسكريا لجيوش “التحالف العربي”، ولكن هل ان ايران سوف تدخل في هذه الحرب الصبيانية المجنونة التي يريد الامريكيون والاسرائيليون شنها على ايران بايدي الامراء السعوديين وباموال النفط الخليجي ونيابة عنهما؟
بالطبع، ايران لن تتورط في حرب مع السعودية ولا مع غيرها من الدول، وهذه سياسة اعلنها المرشد الاعلى اية الله علي خامنئي والرئيس الايراني حسن روحاني، وهما قد اعلنا مرارا وتكرارا بان ايران لاتعتدي علي جيرانها، كما اعلنا بان البرنامج النووي الايراني لايستهدف الجيران، بل يخدم ايران والدول المجاورة لها. ولا اظن ان المرشد خامنئي والرئيس روحاني سوف ينسيان وعودهما، لان الحرب التي يريد السعوديون دخولها ليست في صالح ايران ولا في صالح السعودية، بل هي في صالح امريكا و”اسرائيل” اللتان تريدان توريط دول المنطقة في حروب مستمرة ومدمرة لا يخرج منها اي من الطرفين سالما ومنتصرا.
انها حرب حمقاء كحرب صدام حسين ضد ايران، لا اظن ان يتورط عاقل فيها، وعلي عقلاء السعودية ان يقفوا في وجه الطبقة الجديدة من الامراء الذين يريدون ان يورطوا بلدهم في حرب ثانية لم يتخلصوا بعد من ويلات الحرب الاولى على اليمن.