طالما تحدثت الحكومات العراقية السابقة الى دول الجوار والشرق وحتى الدول الغربية، ونصحتها بضرورة توحيد جهودها والعمل بسرعة من اجل تطويق المخاطر التي يمكن ان تهدد الامن والسلم الدوليين، وفي مقدمتها “الإرهاب العالمي”، نتيجة لتمدد التنظيمات الإرهابية، التي اعتبرت العراق بعد عام 2003 بيئة امنة وقاعدة الجهاد الرئيسية نحو العالم… بالمقابل غالبا ما اهملت هذه النداءات العراقية لاعتبارات كثيرة، ربما كان من بينها الدواعي السياسية والتنافسية المصلحية بين الخصوم في منطقة الشرق الأوسط شديدة الحساسية.
الربيع العربي عام 2011 كان بمثابة العاصفة التي هزت اهم الأنظمة التقليدية المستبدة، في مصر وليبيا وتونس واليمن وغيرها، وهي عاصفة شبيهة (الى حد ما) بتلك التي أدت الى إسقاط نظام صدام حسين في العراق، والتغيرات اللاحقة التي طرأت فيما بعد، والتي فتحت، بدورها، الباب واسعا، لتغيرات مهمة في الشرق الأوسط، لعل أهمها بروز تنظيم القاعدة في الشرق الاوسط وتهديده للمنطقة باسرها.
اما الربيع العربي فقد اوجد بيئة مناسبة للمزيد من التنظيمات المتطرفة، التي جاء معظمها كامتداد لتنظيم القاعدة المتطرف، وكان على رأسها تنظيم (داعش)، والذي نهج طرقا تقليدية وأخرى غير تقليدية في التوسع، خصوصا بعد عام 2013 وتوسعه الكبير في سوريا، وعام 2014 في العراق.
هذا الإهمال، المقصود في بعض جوانبه وغير المقصود في جوانب أخرى، من قبل “المجتمع الدولي”، لخطر التنظيمات الإرهابية عموما، وتنظيم داعش على وجه الخصوص، قد ولد انتشار “الفوضى الإرهابية” او “هوس” الارهاب في كل مكان من العالم، كما زاد من سقف “الطموح” الإرهابي، سيما وان “داعش” بعد ان سيطرت على جانبي الحدود العراقية والسورية، أصدرت “خارطة” جديدة للعالم امتلكت فيها الجهات الأربعة، بعد ان افترضت السيطرة على اوربا وأستراليا والامريكيتين وغيرهما من المناطق لإقامة “الخلافة الإسلامية” عليها.
ومع ان الولايات المتحدة الامريكية جمعت أكثر من (60) دولة تحت عنوان “التحالف الدولي” لمحاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا، إضافة الى ما تقوم به “روسيا” في سوريا منذ أشهر، واعلانها “التحالف الرباعي” الذي جمعها بالعراق وإيران وسوريا، وما أعلنت عن السعودية مؤخرا من “التحالف العسكري الإسلامي” على افتراض وجود (34) دولة تكافح الارهاب، الا ان اغلب هذه الجهود الإقليمية والدولية لا تعدو كونها مجرد جهودا “شكلية” لم تقدم الدور الحقيقي المطلوب منها، على الرغم من التحذيرات والتوقعات السابقة بانتقال عدوى الإرهاب اليها.
وحتى اليوم وانت تشاهد زيادة القناعة الدولية بخطر التنظيمات الإرهابية والفكر المتطرف الذي وصلت مضاعفاته الى اوربا والعالم الغربي، فإننا مازلنا نراقب “الصراعات الإقليمية” وحتى “الدولية” التي كانت وما زالت سببا مباشرا لتنامي ظاهرة الإرهاب والتطرف في الشرق الأوسط والعالم، بحثا عن النفوذ والهيمنة والمصالح الخاصة.
في عالم يعيش على المصالح الخاصة دون المصلحة العامة، فانه من الصعب ان تحقق التوازن المطلوب بين السلم والامن الدوليين من دون ان يستشعر الاخرين خطر الاضرار بهذه المعادلة الحساسة على شعوب العالم وليس على شعوب منطقة الشرق الأوسط لوحدها، لذلك عندما دقت “الدولة العراقية” ناقوس الخطر العالمي، في وقت كانت تكابد لوحدها الامرين من الإرهاب والتطرف، كان الاخرين يمارسون “الألعاب الهوائية” في استعرض لم يقدم او يؤخر شيء بل زاد الأمور سوء في معظم الأحيان.
لقد ذهبت الكثير من الفرص التي كان من شانها، لو استغلت بالشكل المنطقي، حل الكثير من العقد والتداعيات “الإرهابية” التي ما زلنا نعاني منها الى وقتنا الراهن، وما تبقى من (الفرص) قد يكون محدودا… لذلك ينبغي استغلالها بلا فوات للفرص قبل ان تكون العواقب وخيمة.
نقلاً عن موقع النبأ