يحتل تنظيم داعش الارهابي المرتبة الأولى من حيث القدرة الاقتصادية بين التنظيمات الارهابية المسلحة، ويعتمد التنظيم الارهابي بشكل أساسي في تمويل أنشطته الارهابية على الثروة النفطية في المناطق التي يسيطر عليها في كل من العراق وسوريا، وتحديداً الآبار النفطية في مدن الموصل وكركوك ودير الزور، في ظل تغاضٍ واضح من قبل التحالف الدولي والعديد من الدول المجاورة المستفيدة بشكل أو بآخر من هذا الوضع.
ولا يشكل النفط المصدر الاقتصادي الوحيد لهذا التنظيم الارهابي، بل يضاف إليه الموارد التي يحصل عليها التنظيم من فرض الضرائب على المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرته، والأموال العائدة من بيع الآثار المسروقة، وتجارة الأعضاء البشرية.
حجم القوة النفطية لداعش
تشير التقديرات إلى أن تنظيم داعش يقوم بتصدير ما قيمته ٣ ملايين دولار من النفط يومياً، أي ما يحقق له مليار دولار من الدخل سنوياً وذلك بالرغم من السعر البخس الذي يبيع به نفطه قياساً بالسعر العالمي، وتتوزع منشآته بشكل أساسي على الموصل وكركوك في العراق ودير الزور في سوريا، حيث يسيطر التنظيم حسب ما أوردت شبكة “CNN” الأمريكية على أربعة حقول نفطية بالموصل، أما في كركوك فيمتلك احتياطياً نفطياً أكبر، يقدر بـ ٨٠ ألف برميل يومياً، وقد ذكر موقع “باس نيوز” الكردي أن تنظيم داعش يصدر ١٠٠ شاحنة من النفط الخام يومياً من حقول حمرين وحدها جنوب كركوك. وفي سوريا يسيطر التنظيم الارهابي على ٦ من أصل ١٠ آبار نفطية تمتلكها سوريا.
ويواجه داعش صعوبات في تكرير النفط لتأمين حاجته الداخلية من مشتقاته، وبالرغم من سيطرته على مصفاتين للنفط شمال العراق، الأولى تقع بالقرب من حقل القيارة بطاقة ١٦ ألف برميل في اليوم، والثانية “كسك” شمال غربي الموصل، إلا أنها لا تكفي لسد حاجته الداخلية، لذلك شن التنظيم هجمات شرسة للسيطرة على مصفاة بيجي النفطية، الأمر الذي لم يتم له بسبب مقاومة الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي المساندة له.
إلا أن داعش عوّض عن عجزه هذا، من خلال تكرير النفط في مصافي غير شرعية تابعة للأكراد، حيث صرحت مجلة “دير شبيغل” الألمانية في وقت سابق أن: “النفط المهرّب يُكرر في مصافٍ كردية غير شرعية ومن ثم يباع بأسعار زهيدة على الرغم من ان الأكراد في حالة حرب مع تنظيم داعش”.
كيف يبيع تنظيم داعش الإرهابي نفطه؟
من المفارقة أن تنظيم داعش الارهابي الذي تعتبره دول العالم تهديداً خطيراً، وشكلت من أجل محاربته تحالفاً دولياً ضمّ أكثر من خمسين دولة، والذي من المفترض أن يكون معزولاً ومحاصراً، يتمكن من تصدير كميات كبيرة من النفط، دون أن يكون له أي منافذ أو موانئ بحرية..!! فكيف يقوم بتصدير نفطه هذا، ومن هم الذين يشترونه؟!
وعندما صرحت سفيرة الاتحاد الأوروبي في العراق “جانا هيباسكوفا”، أمام أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي بأن “بعض الدول الأعضاء في الاتّحاد الأوروبي يشترون هذا النفط”، أثار هذا التصريح ضجة كبيرة في بروكسل. فكيف وصل نفط داعش إلى أوروبا؟!
لاشك أن كلمة السر وراء هذا الأمر، هو ميناء جيهان التركي، والذي يعتبر مركزاً صناعياً هاماً للنفط في تركيا، ويمر عبره نفط الدول الخليجية أيضاً، وقد صرّحت النائبة البرتغالية في البرلمان الأوروبي “أنا غومز” لصحيفة Mediapart: “هناك بلا شكّ دول أعضاء في الاتّحاد الأوروبي تشتري هذا النفط من تركيا دون أن تعلم من أين يأتي تحديدًا.”
ويبيع تنظيم داعش نفطه في السوق السوداء معتمداً على شبكة من التجار غير الشرعيين (غالبيتهم من الأتراك) الذين يتولون نقل النفط إلى الدول المجاورة سواء إلى تركيا، أو المناطق الكردية أو الأردن عبر محافظة الأنبار العراقية.
تركيا أكبر زبائن النفط الداعشي
يتدفق النفط بكميات كبيرة من مناطق سيطرة داعش إلى تركيا بصورة مفضوحة وشبه علنية، في ظل تغاضٍ واضح من الدولة التركية، وقد أثار هذا التغاضي موجة انتقادات واسعة سواء من قبل جهات تركية داخلية و دول مجاورة كالعراق وإيران.
وأكد علي أديب أوغلو، البرلماني التركي المعارض، أن داعش يربح ٨٠٠ مليون دولار من بيع النفط لتركيا، فيما أعلن مستشار الأمن القومي السابق للدولة العراقية موفق الربيعي، أن تنظيم داعش باع نفط العراق عبر السوق السوداء لتجار اتراك، داعياً الحكومة الى اتخاذ الاجراءات المناسبة والضغط على الجانب التركي لملاحقة التجار الذين يتعاملون مع داعش.
من جهة أخرى حذر النائب الايراني إبراهيم آقا محمدي، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، من محاولة تركيا شراء نفط العراق من تنظيم داعش الإرهابي، وقال: ان “محاولات الحكومة التركية لشراء نفط العراق من تنظيم داعش بثلث سعر الأسواق العالمية يسبب أضراراً كبيرة على العلاقات التركية مع الدول الغنية بالنفط”.
تواطؤ اقليمي ودولي
يشير مراقبون إلى تواطؤ من قبل حكومة حزب العدالة والتنمية في تسهيل مرور النفط الداعشي عبر أراضيها، وذلك بغية تحقيق هدفين، الأول: الحصول على نفط رخيص نسبياً خاصة في ظل ارتفاع اسعار المحروقات في تركيا، والثاني: دعم تنظيم داعش والحفاظ عليه قوياً من أجل استخدامه لإضعاف خصومها سواء النظام السوري أو حزب العمال الكردستاني الذي تتخوف تركيا من أن يعلن دولته على حدودها الجنوبية.
ويتساءل مراقبون حول سبب عدم ممارسة ضغوط دولية على تركيا لإيقاف شراء النفط من داعش، وبالتالي قطع شريان التمويل على أنشطة داعش الارهابية التي شهدت امتداداً واسعاً في الأشهر القليلة الماضية ابتداء من السعودية والكويت وصولاً إلى تونس وفرنسا.
كما يغيب التحالف الدولي عن ممارسة أي دور فاعل أو مؤثر في منع تصدير داعش للنفط، إذ أن مصافي النفط التي يستخدمها داعش لتكرير النفط، ماتزال تعمل بصورة منتظمة دون أن تتعرض للقصف من طائرات التحالف، ويتساءل البعض كيف يمكن للأقمار الصناعية الأمريكية المتطورة، أن تعجز عن رصد عبور ١٠٠ شاحنة نفط يومياً من حقول حمرين النفطية؟!
هذه التساؤلات تسلّط الضوء على عدم جدية دول التحالف الدولي وأمريكا في ضرب تنظيم داعش الارهابي، الأمر الذي يؤكد سياسة أمريكا والدول الغربية في استغلال داعش لنشر الفوضى في الدول العربية والاسلامية، واستنزاف طاقاتها، وتحويلها إلى دول فاشلة، بما يحقق السيطرة لأمريكا والكيان الاسرائيلي على المنطقة.
ومن ناحية أخرى لاشك بأن أمريكا والدول الغربية هي من أكبر المستفيدين من تنامي قوة داعش، الذي اسهم حسب استطلاعات رأي في أوروبا وأمريكا، بتغيير المزاج الغربي تجاه الاسلام، وانتشار حالة الاسلام فوبيا، بدل حالة الانجذاب إلى الاسلام التي كانت سائدة في الدول الغربية حتى أمد قريب.
نقلاً عن موقع الوقت