الرئيسية / تقاريـــر / تحرير الأنبار – محمد عبد الجبار الشبوط

تحرير الأنبار – محمد عبد الجبار الشبوط

غالبا ما تولي المؤسسات التعليمية والاكاديمية جل اهتمامها للامتحانات باعتبار ان نتائجها هي معيار نجاح مهمتها ومسيرتها المنشودة بل تتبارى هذه المؤسسات لإحراز المعدلات الاعلى كي تثبت انها الأكفأ او الافضل قياسا بقريناتها دون السؤال عن نوع التعليم الذي مارسته هذه المؤسسات والنتائج العملية التي سيحققها خريجوها.

المسألة تبدو وكأنها واجب وظيفي نضع له معيارا صوريا لا غير، هذه الصورية مأخوذة بالتأكيد عن المنطق السائد في مجمل تعاملاتنا اذ يصل بنا الامر احيانا الى القول: اننا ضحايا هذا المنطق وصوريته التي تغيّب الجوهر لصالح العرض فليس المهم كثرة المستشفيات ولا نشاط الاطباء فيها انما المهم هل يخرج الناس اصحاء منها؟.
النتائج الواقعية هي المحك وكما يقال: الواقع أدل الادلة، والسؤال هنا هو: هل المعدلات العالية وحدها معيار نجاح التعليم لدينا ام النظر عمليا لإسهام المتعلمين في دفع عجلة التقدم وتقليل هامش الجهل والتخلف؟ للاجابة لا بد من الفصل بين الوظيفة والرسالة. لنعيد ترتيب السؤال: اذا كان التعليم ادى وظيفته المعهودة وأفرز طلبة ناجحين بمعدلات عالية هل سيحقق رسالته فعلا على ارض الواقع؟ هذه المساءلة لا تتوخى الفعاليات الاجرائية كالابنية المدرسية والامتحانات وغيرها بل تلامس فلسفة التعليم وجدواه في دول تتمدد فيها المدارس والاكاديميات ولكن دون جدوى.

المجتمع كما هو والانساق القارة تتعمق والاقتصاد في تراجع ولا شيء سوى ترديد دروس العلم وتحفيظها بقصد النسيان لا بقصد التراكم المعرفي الذي سيوفر فرصا للتقدم كما هو مأمول من العلم والمتعلمين ولإجلاء حجم التصدع لا بد من ايضاح جملة امور بعضها يتعلق بالعلوم التطبيقية وبعضها الآخر بالانسانيات ولا ننسى اطراف العملية التعليمية: الطالب والاستاذ والمنهج المقرر:
1- هل نستطيع ان نتخطى الهاجس النفعي في التعليم لنصل الى روح البحث العلمي الصرف، الطالب يتعلم بقصد النجاح للحصول على وظيفة وهو غالبا ما سيعمل في وظيفة لا علاقة لها بما تعلمه! والاستاذ يلقي درسه ليحصل على الاجور ليعتاش!. لا نريد ان نتعالى على الحاجات الاساسية للانسان وحقه في الحصول على عمل او تقاضي الاجر من جراء هذا العمل لكننا نقول: ان طغيان هذه النفعية الى حد امّحاء أي منحى رسالي شخصي يفرغ فكرة العلم والتعليم من أي شغف لتتحول الى ممارسة روتينية وبلا جدوى، لا ينتعش العلم الا بهذا الشغف ولا يعطي ثماره الا عندما يتوحد مع الرسالة الشخصية للانسان وبعكسه يتحول الى مفردات باردة لا تسمن
ولا تغني.
2- هل فكرنا بنوع المقررات والمناهج التي نتعاطاها تلبية وتماشيا مع متطلبات العصر ام هي كما هي دون ان تتأثر؟! اجد ان التلقين ما زال ينخر اغلبها ففي العلوم التطبيقية نجد نقصا واضحا في المختبرات التي تكمل الدرس النظري بتطبيقات عملية وفي العلوم الانسانية: الادب والدين والاجتماع والسياسة والاقتصاد نجد نقصا مماثلا في ثقافة السؤال وتنشيط الوعي النقدي الذي يعيد انتاج المقولات والمفاهيم لعزل التالف منها وتفعيل الجديد
والحادث.
3- في الدول التي مرت بأزمات وحروب غالبا ما يتقدم التعليم لترميم ما تصدع مجتمعيا واخلاقيا بقصد تقليل الضرر وتعويض ما فات، هل نحن الآن على هذه السكة؟ والسؤال هنا عن الأثر للاجتماعي للتعليم، وللاسف نقول: ان منسوب المجتمع بتصدعاته القارة اعلى من منسوب اكاديمياتنا ومدارسنا!، فالمدراس تتعلم من الشارع! والاكاديميات تخضع للأعراف بدل ان تكون منصات نور كاشف لتلف اغلب هذه الاعراف واستبدالها بما يلائم العصر من خلال اجيال الخريجين الذين ينبغي ان يشكلوا موجا صافيا في نهر المجتمع، هل تحقق ذلك ام ان هذا المجتمع يدفع بأمواجه الى الاكاديمية لتعود كما هي؟!. اين الاثر الاجتماعي لفعالية التعلم؟ اين التنوير؟ هل هذه المؤسسات على صلة بفكرة
التقدم؟.
نضع هذه الاسئلة جميعا بغية البحث عن معيار واقعي لنجاح التعليم او فشله، بل والسؤال مجددا: هل المعدلات العالية للمختبرين دليل نجاحنا علميا ام انها نجاح وظيفي ربما يتعلق بادارة الامتحانات لا غير؟ ليظل مقصد الرسالة الابعد غير داخل في حساباتنا. نحن نريد باختصار ان يكون منسوب العلم ومؤسساته اعلى من منسوب التخلف وهذا يحتاج الى حواضن بحثية جادة لا الى مدارس وساحات تصفر فيها ريح التكرار
والرتابة!.
بالتطبيق والبحث العلمي على صعيد العلوم الطبيعية وبشحذ السؤال على صعيد العلوم الانسانية وبتراكم الطرق على صخرة الجمود والتخلف نصل الى ما نصبو اليه، ما نبغيه بالضبط هو ان نحسن سلوك ونمط حياة الجماعة من خلال العلم والتعلم لا ان نظل كما نحن بجوار عدد لا يحصى من الجامعات والمدارس ليمر الوقت هدرا وتصبح كلها عملا روتينيا لا طائل من ورائه. نحن اليوم بحاجة جادة لإثارة سؤال التعليم وطنيا لأنه على صلة بالأزمة بل على صلة بصناعة التطرف التي تمر احيانا من عباءة درس علمي فاسد ومتلف يعيد انتاج العطل بدعوى معالجته زورا! خاصة في العلوم الانسانية التي تتصل بالدين والتاريخ والادب، اذ تمر التشوهات على حامل بلاغي وعاطفي يصعب تفاديه ومعالجته فيما
بعد.
خلاصة القول: ان التعليم الناجح ليس الدرجات العالية التي نتباهى بها غالبا بل هو شدة انعكاس العلم على الحياة العامة وأثره الحضاري على الجماعة التي نريد لها ان تتعلم بانتظار تجديد انساقها وابداع ما يحسن علاقتها بالمحيط والآخر.