صدم فيليب هاموند وزير الخارجية البريطاني حلفاءه العرب و السوريين عندما قال امام برلمان بلاده بالحرف الواحد : “لا نرغب في سقوط نظام بشار الاسد” ، واضاف : “لن نحصل على النتائج المرجوة اذا انهارت مؤسسات النظام ، فالنتيجة المطلوبة هي حصول تغيير سياسي في النظام ، و الحفاظ على البنية التحتية الاساسية للدولة، وتشكيل شرعية سياسية من قبل مجموعات معتدلة”، واكد ضرورة عدم تكرار الاخطاء في سوريا والعراق .
و كتب الاعلامي عبد الباري عطوان في افتتاحية صحيفته الالكترونية “رأي اليوم” قائلا : من يعرف طبيعة العلاقة الاستراتيجية الخاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية يدرك جيدا، ودون ادنى تفكير، ان وزير الخارجية البريطاني لا يمكن ان يقول ما قاله دون ان يكون حصل على الضوء الاخضر من الادارة الامريكية ، وتنسيق مباشر معها . و لو كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يريدون فعلا اسقاط النظام السوري ، لما اضطروا “مكرهين” على توقيع الاتفاق النووي مع ايران، ورفع الحصار عنها، والاعتراف بها كدولة نووية، وتطبيع العلاقات معها، ومن يعتقد غير ذلك لا يعرف امريكا والغرب ، ولا يفهم دروس العلاقات الدولية في العصرين القديم والحديث.
و اضاف عطوان : ان السياسات الامريكية تتغير وفق المصالح، وليس وفق الثأرات القبلية والاحقاد الشخصية، فقد حاولت الادارة الامريكية تغيير النظام في ايران عبر الحصار الخانق، والتهديدات بضربة عسكرية وفشلت، لان النظام الايراني ظل متماسكا وطور قدرات عسكرية ضخمة، ولعب ورقة الخيار النووي بدهاء كبير .
والادارة الامريكية عندما دعمت المعارضة السورية المسلحة ، لم تفعل ذلك حبا في الديمقراطية وحقوق الانسان، ولا رحمة بالشعب السوري، فمن يقتل مليون عراقي دون ان ترف له جفن، لا يمكن ان يأبه بمقتل 300 الف سوري، ومن يبارك تشريد ستة ملايين فلسطيني لا يمكن ان يحزن لتهجير خمسة ملايين سوري، امريكا جيشت العرب واموالهم واعلامهم في سورية للضغط على ايران، وعندما توصلت الى اتفاق معها تخلت عن حلفائها العرب، مثل مناديل “الكلينيكس″.
و اردف عطوان القول : من يريد الحفاظ على مؤسسات النظام ويتحدث عن ضرورة عدم تكرار الاخطاء في العراق وليبيا، يمهد للاعتراف بشرعية النظام السوري، وتطبيع العلاقات معه، واعادة المياه الى مجاريها، بصورة او بأخرى، تماما مثلما فعلوا مع ايران التي لم تعد دولة ارهابية بجرة قلم، وانما قوة اقليمية عظمى يجب التعاون معها في معظم ملفات المنطقة ان لم يكن كلها، لان البدائل العربية الاخرى مخجلة تتوسل الحماية الامريكية والاوروبية ليل نهار .
و اوضح عطوان هناك تطوران رئيسيان يؤكدان كل ما تقدم لا يجب تجاهلهما، اذا اردنا استقراء خريطة التحالفات المستقبلية في المنطقة :
– الاول : وصول ستيفان دي ميستورا المبعوث الاممي في الملف السوري الى العاصمة الايرانية طهران (الثلاثاء) ، واجتماعه مع السيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية الايراني ونائبه حسين امير عبد اللهيان لبحث تطورات الملف السوري، مشددا على ضرورة ايجاد حل سياسي، ويكفي الاشارة الى ان سلفه الاخضر الابراهيمي خسر وظيفته لانه تحدث عن حضور ايران لمؤتمر جنيف السوري .
– الثاني : تأكيد ضابط في قوات حماية الشعب الكردي، المتحالفة مع دمشق، لوكالة الصحافة الفرنسية عن وجود تنسيق بين الجيش السوري وقوات التحالف الامريكي، عبر وسيط كردي، وان طائرات سورية شوهدت خلال الايام القليلة الماضية وهي تحلق في شمال مدينة الحسكة في شمال شرق سورية بالتزامن مع وجود طائرات للتحالف الامريكي تقصف تجمعات “داعش” .
و اضاف : صحيح ان متحدثا باسم القيادة العسكرية الامريكية في الشرق الاوسط كورتيس كيلوغ نفى وجود هذا التنسيق ، ولكن الوقائع على الارض تكذبه ايضا، وتكذب ادارته وقادته، ولا ننسى في هذه العجالة اكذوبة اسلحة الدمار الشامل العراقية مع الفارق الكبير في المقارنة.
و اكد الاعلامي عطوان ان ايران ليست دولة فقط، وانما منظومة متكاملة، وسوريا احد اعمدة هذه المنظومة الابرز، وطالما انها خرجت من عنق زجاجة الحصار الامريكي، فمن الطبيعي، بل والمنطقي، ان تخرج معها سورياة، والنظام الحاكم فيها، الذي رفض كل المغريات المادية العربية، والتهديدات الامريكية، للخروج من هذه المنظومة، وتحمل حربا ضروسا استمرت اربع سنوات.
و لفت عوان الى ان امريكا تغير احصنتها، مثلما تغير اولوياتها، واولويتها الابرز حاليا لم تعد اسقاط النظام السوري، ليس لانها لا تريد بل لانها لم تستطع، وباتت تركز الآن على الخطر الاكبر في رأيها وهو “داعش” ، وتعتقد ان الجيش السوري ، هو الاقدر على القيام بالدور الحاسم في هذا الاطار، بعد ان فقدت الامل في جيوش حلفائها العرب، وتزايد ضعف قبضة الرئيس رجب طيب اردوغان على السلطة في انقرة.