الاعلان عن التقارب السعودي ـ الحمساوي والزیارة التي قام بها خالد مشعل الی الریاض والتي التقی خلالها اركان الحكم الجدید في السعودیة، شكل صدمة للقاهرة وازعاجا لطهران، رغم ان الاخیرة ابتعدت عن خط السیاسي الذي یقوده مشعل، منذ ان الوضع ابوالولید كل بیضاته في السلسلة القطریة – الاردنیة (ومن یقف وراءها) ورفع علم الانتداب علی سوریا بحثا عن الدیمقراطیة!
ساترك الحدیث عن العلاقة بین طهران وحماس لوقت آخر ـ قریب ان شاء الله ـ وساكتفي هنا بالحدیث عن تبعات الحدث علی العلاقات المصریة السعودیة.
رغم كل التاكیدات التي تصدر عن مسؤولین مصریین بعدم وجود خلافات بین القاهرة والریاض، وتطابق آراء النظامین حول القضایا الاقلیمیة والدولیة، لكن الواقع وما یرشح احیانا من مواقف الی الاعلام شيء آخر…
وما یصدر احیانا من مناوشات اعلامیة بین المصریین والسعودیین الذین یمتلك كل منهما جیشا اعلامیا ضخما، ذاتیا ووطنیا بالنسبة للاولی وهجینا بین المحلي والمرتزق بالنسبة للثانیة، یعبر عن خلافات حادة بین قیادة البلدین لا یجمعها سوی بضعة مواقف ومصالح مشتركة، تختصر في مصر بالدعم السعودي والخلیجي لما وقع في 30 یونیو/ حزیران 2013، خوفا من تداعیات الربیع العربي (الذي تحول الی ربیع اخواني) علی انظمة الحكم الخلیجیة…
فیما تبقی الاخیرة بحاجة لمصر بسبب ثقلها الحضاري والسكاني وقدراتها البشریة وتاریخها السیاسي، الذي كانت السعودیة في مواجهته وزمرة اعدائه في الغالب!
ویمكن اجمال الخلافات بین مصر والسعودیة في بعض النقاط الرئیسیة، وهي:
1. العلاقة مع الاخوان المسلمین، بكل تنظیماتهم المحلیة والاقلیمیة والدولیة، وهذا الامر یعتبر خط احمر بالنسبة للنظام في مصر الذي اطاح بحكومة محمد مرسي الاخوانیة، وقام بخطر التنظیم ووضعه علی قائمة الارهاب ومحاكمة قیاداته ورموزه.
وما یؤجج الخلاف بین السلطات المصریة التي تواجه حربا ارهابیة في الداخل تتهم بها السلطات جماعة الاخوان المسلمین والارهابیین الاخرین المتحالفین معهم، حسب وصف النظام، والسعودي هو التقارب الاخیر الذي جری بین حركة حماس التي تعتبر الفرع الفلسطیني للاخوان المسلمین والتي تتبع لقیادته الروحیة في قطر (یوسف القرضاوي)..
هذا التقارب الذي تحاول السعودیة من خلاله استغلال امكانیات الجماعة المنتشرة في العدید من البلدان، خاصة البلدان التي المستهدفة سعودیا، كالیمن وسوریا والعراق ولبنان… وقد رفضت ان القاهرة طرفا فیه باستثناء اليمن..
وهذا الموقف المصري مدعوم خلیجیا من الامارات التي تعتبر الاخوان اهم تهدید یواجهه نظامها ومجمل البلدان الخلیجیة.. وبالتالي فان القاهرة وابوظبي تبتعدان عن الریاض بسبب توجه الاخیرة نحو الاخوان وتركیا..
2. المشكلة المصریة مع الاخوان، جعلت القاهرة تعزف علی وتر مخالف للسعودیة وقطر فیما یتعلق بالوضع في سوریا، وهذه نقطة الخلاف الجوهریة الاخری، للحد الذي استبعدت فیه القاهرة الاخوان في سوریا من اجتماعات المعارضة عندها، بل ان القاهرة ترفض الحل العسكري وتؤكد علی الحل السلمي، في رؤیة هي اقرب الی الموقف الروسي والایراني، منه الی الموقف الامیركي والحلف (السعودي ـ القطري ـ التركي).
3. نفس الامر فیما یتعلق بالوضع في الیمن، فبالرغم من الدعم المصري والمشاركة في العدوان السعودي ضد الیمن، الا ان الخلافات بین الجانبین بدأت تطفح بعد عجز الرئيس الهارب (هادي) في اثبات وجود على الارض ولجوء السعودية الى حلفائها التقليديين، اي القاعدة والاصلاح..
والمعارضة المصرية تدور حول حزب التجمع من اجل الاصلاح (الاخوان المسلمین) الذي یعتبر مع شقیقته القاعدة القوی الرئیسیة المناوئة لحركة انصار الله والمؤتمر الشعبي العام.. وبدونهما (الاصلاح والقاعدة) لا وجود لمعارضة حقیقیة علی الارض..
وفي هذا المجال اشتد الخلاف مؤخرا بین الریاض والقاهرة بعد استقبال الاخیرة لمبعوث الرئیس الیمني الاسبق علي عبد الله صالح، ابو بكر القربي، والاتصالات التي تجربها القاهرة مع اطراف الازمة الیمنیة ومنهم حركة انصارالله.
ان التحالف السعودي الذي بدأ مع مصر والامارات والاردن، تحول الیوم نحو قطر وتركیا، وبدأ المحور المصري ـ الاماراتي یظهر بوضوح من خلال الموقف في لیبیا وسوریا، مع ان تصورات الاردن اقرب الیه ویمكن ان یشمل السودان ایضا لارتباط الاخیرة بالوضع المصري.
4. ما قامت به مصر مؤخرا من منع لكتب ابن تیمیة وابن عثیمین وابن عبد الوهاب وابن باز وسائر دعاة الوهابیة والتكفیر، یعبر عن وجه آخر عمیق للازمة بین المنظومتین.. بل ان الحدیث الذي یطلق من بعض رجال الازهر ضد الوهابیة والسلفیة وعن تجدید المناهج واعتماد الوسطیة وعدم تكفیر المسلمین، یری فیه كثیرون تقلیما للنفوذ السعودي التقلیدي المستند الی الجماعات السلفیة التي اضحت حواضن الارهاب ومفقسات المجرمین الذین یهددون الامن المصري الیوم.
ان ما یجمع الریاض والقاهرة الیوم، اضعف من شعرة معاویة، فلو كانت مصر مستقلة في قرارها الاقتصادي ویمكنها التعویض عن الدعم الخلیجي بالاعتماد علی ذاتها واتباع استراتیجیة اقتصادیة وطنیة، لاستطاعت لعب دور اكبر في محیطها الاقلیمي وقیادة المنظومة العربیة التي اصبحت مطیة البترودولار، بعد ان كان العرب یعني مصر وسوریا والعراق والجزائر، وبمستویات اقل الآخرین.
لكن هذه الحال غیر قابلة للاستمرار، والسبب هي انها غیر طبیعیة بالنسبة لمصر، فالموقف المصري كان دائما (باستثناء حقبة كامب دیفید) الاقرب لقوی التحرر ومناهضا للرجعیة وما نأمله هو ان تعود مصر الی موقعها.. لانها في حقيقة تستحق اكثر من ان تتحول وشعبها وحضارتها الی تبع لملوك الرمال..