لم يكن الفشل الاسرائيلي الذي جسَّده الاتفاق النووي بين الدول العظمى وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، مع الجمهورية الاسلامية في ايران، سوى تتويج لمسار تراكمي من مراحل الفشل التي مرت بها “الدولة العبرية”. وتحولت كل محطة من محطات البرنامج النووي، إلى كباش بين ايران واميركا ومعها إسرائيل. بداية تجسد الفشل المزدوج لكل من واشنطن وتل ابيب، بفشلهما في ردع ايران عن الانطلاق ومواصلة تطوير برنامجها النووي وصولا إلى انتزاع شرعية دولية لواقع تحولها إلى دولة نووية.
واتبعوا لهذه الغاية العديد من الاساليب من التهويل بتوجيه ضربات عسكرية تستهدف منشآتها النووية، أو شن حرب عليها… إلى فرض العقوبات عليها.. ومع ذلك واصلت ايران مشوارها النووي وصولا إلى ما وصلت اليه.
ايضا، نجحت ايران في تخطي محاولات تخريب برنامجها النووي وعرقلة تقدمها. واعتمد اعداء ايران لتحقيق هذه الغاية العديد من الطرق، من اغتيال العلماء النوويين.. إلى إرسال الفيروسات لتخريب الأجهزة التابعة للبرنامج نفسه.. إلى فرض حصار علمي عليها بهدف منعها من الاستفادة من أي خبرة أو مواد خارجية.. لكن ايران واصلت تقدمها وحققت انجازات فاجأت الصديق والعدو في هذا المجال.
مع اصرار ايران على مواصلة تطوير برنامجها النووي، وفشل محاولة الردع والتخريب، لم تجرؤ إسرائيل عن المبادرة إلى شن هجمات موضعية تستهدف المنشآت النووية، وهو ما يتعارض مع الاستراتيجية التي اعتمدتها تاريخيا في مقابل محاولات دول عربية التزود بقدرات غير تقليدية وحتى استراتيجية تقليدية.
وتطبيقا لاستراتيجية المنع والاحباط، قامت إسرائيل باغتيال العلماء الالمان في خمسينيات القرن الماضي في مصر.. وهاجمت المفاعل النووي العراقي في حزيران 1981 من الجو ودمرته، والامر نفسه فعلته مع منشأة دير الزور السورية، في العام 2007..
أما في مواجهة إيران فتراجعت اسرائيل عند لحظة الحقيقة والمنعطفات المفصلية المتصلة بتطور البرنامج النووي، واعتمدت سياسة حافة الهاوية كبديل عن خيار الاستهداف العسكري المباشر.
ايضا، فشلت إسرائيل في اقناع أو استدراج الولايات المتحدة لاحتضان وتبني هذا الخيار العسكري. والسبب النهائي يعود إلى قوة ردع محور المقاومة الذي استطاع ان يزرع في وعي صناع القرار في تل ابيب وواشنطن، أن اي اعتداء يستهدف المنشآت النووية سيؤدي إلى رد متدحرج يطال عمق إسرائيل والمصالح الاميركية في المنطقة.. وهو آخر ما كانت تريده الولايات المتحدة في ظل الوضع الاقتصادي العالمي الذي تمر به.
والفشل الابرز الاضافي الذي واجهته إسرائيل أنها لم تستطع أن تؤثر بشكل جوهري في السقف الذي تتبناه الولايات المتحدة في مفاوضاتها مع الجمهورية الاسلامية في ايران.
وكرست من اجل ذلك كل قدراتها الدبلوماسية ونفوذها السياسي المتمثل باللوبي الإسرائيلي. مع ذلك الصيغة التي تم التوصل اليها في الاتفاق النووي كانت بعيدة عما كانت تطمح اليه ولو على قاعدة التعايش مع الخيار السيء تجنباً للخيار الأسوأ. ونبع الرفض الاسرائيلي للاتفاق من مستويين. الأول يتعلق بالمضمون النووي.
والثاني يتعلق بالتنازلات التي راهنت إسرائيل على انتزاعها من ايران وتتصل بوجودها وامنها وبمواقفها ودعمها لقوى المقاومة، كثمن تدفعه ايران مقابل الاعتراف بشرعية برنامجها النووي. لكن الخطوط الحمراء التي رسمها سماحة الامام علي الخامنئي حالت دون مساومة من هذا النوع، وهكذا تحول الاتفاق إلى محطة مفصلية في حركة الصراع بين الجمهورية الاسلامية وبين الولايات المتحدة ومعها إسرائيل. والى منعطف استراتيجي كشف وعزَّز معادلة الردع الاقليمية التي يتمتع بها محور المقاومة.
نقلاً عن موقع العهد