20
عليه بآياته ودلالاته ، فالعقول تثبته ، وقلوب المؤمنين مطمئنة به غير شاكة فيه ولا منكرة له .
واني لأعجب ممن يستدل بصفات المخلوق على صفة الخالق ، وكيف يصح الاستدلال بصفات من له مثل ، على صفات من لا مثل له ولا نظير!؟
واللهّ تعالى يصدق هذا القول بقوله تعالى 🙁 ليس كمثله شيء )(1)
** واعلم أن حقيقة المعرفة عقد الضميرفي القلب ، بإخراج ذات اللّه عن كل موهوم ومهجوس ومحسوس ، وطرق الحق واضحة، وعلاماته لائحة، وعيون القلوب مفتوحة، ولكن أعماها غشاوة الهوى، وضعف البصائر، وجماد القرائح ، وترك الطلب ، ولو استشعروا الخوف قوموا به العوج ، وسلكوا الطريق الابلج .
ودواء القلوب وجلاؤها في خمسة أشياء: قراءة القرآن المجيد بالتدبر، وخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرع في السحر، ومجالسة الصالحين . وأعظم مقامات العارفين : القيام بالأوامر، والثقة بالمضمون ، ومراعاة الأسرار بالسلامة، والتخلي من الدنيا، فإذا حصلت هذه الصفات ، ضاقت على صاحبها الأرض بما رحبت ، كما قال اللّه : (ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم )(2) ومن ألزم نفسه آداب الكتاب ، وسنة نبينا محمد صلى اللّه عليه وآله ، وسنن الأئمة من أهل بيته عليهم السلام ، نوراللّه قلبه بنور الايمان ، ومكن له بالبرهان ، وجعل على وجهه وأفعاله شاهد الحق . ولا مقام أشرف من متابعة اللّه الحبيب واحبائه من أنبيائه ، وائمته من أوليائه ، في أوامرهم ونواهيهم ، ومن ادعى المحبة لهم وهوعلى خلاف ذلك ، فانما يستهزىء بنفسه و يغمزها.
* * *
____________
1 – الشورى 42 : 11 .
2 – التوبة 9 : 118 .
===============
ومن كلام الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في التوحيد:
رواه عنه محمد بن زيد الطبري ، قال : كنت قائما عند علي بن موسى الرضا عليهما السلام بخراسان ، وحوله جماعة من بني هاشم وغيرهم ، وهويتكلم في توحيد اللّه تعالى، فقال :
اول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفته توحيده ، ونظام توحيده نفي التحديد عنه ، لشهادة العقول بأن كل محدود مخلوق ، وشهادة كل مخلوق أن له خالقاً ليس بمخلوق ، الممتنع من الحدث هوالقديم في الأزل ، ليس اللّه عبد من نعت ذاته ، ولا إياه وحد من اكتنهه ، ولا حققه من مثَّله ، ولا به صدق من نهّاه ، ولا [صمد](1) صمده من أشارإليه بشيء من الحواس ، ولا إياه عنى من شبّهه ، ولا له عرف من بَعَّضه ، ولا إياه أراد من توهمه ، كل معروف بنفسه مصنوع ،(2) وكل قائم في سواه معلول .
بصنع اللّه يستدل عليه ، وبالعقول تعتقد معرفته سبحانه ، وبالفطرة تثبت حجته ، خلق الخلق بينه وبينهم حجابُ مباينته اياهم ومفارقتهم له، وابتداؤه لهم دليلهم على أن لا ابتداء له ، لعجزكل مبتدأ منهم عن ابتداء مثله ، فاسماؤه تعالى تعبير، و أفعاله سبحانه تفهيم ، قد جهل اللّه سبحانه من حده ، وقد تعداه من اشتمله ، وقد أخطأه من اكتنهه (3) .
من قال :(كيف) فقد شبهه ، ومن قال : (أين) فقد حصره ، ومن قال : (فيم) فقد وعاه ، ومن قال : (علام) فقد شبهه ، ومن قال : (متى) فقد وقته (4)، ومن قال :(لم) فقد علله (5)، ومن قال : (فيم ) فقد ضمنه ، ومن قال : (إلام ) فقد نهاه ، ومن قال : (حَتّام ) فقد غياه ، ومن غياه فقد جَزّأه ، ومن جَزَّأه فقد ألحد فيه .
لايتغير اللّه تعالى بتغاير المخلوق ، ولا يتحدد بتحديد المحدود، واحد لابتأويل عدد، ظاهر لابتأويل مباشرة، متجلِ لاباستهلال رؤية، باطن لابمزايلة، قريب
____________
1 – أثبتناه من أمالي المفيد.
2 – في الأصل : موضوع ، وما أثبتناه من أمالي المفيد.
3 – في الأصل: اكتنفه ، وما أثبتناه من أمالي المفيد.
4 – في الأصل زيادة مكررة : ومن قال فيم فقد وعاه .
5 – في الأصل زيادة مكررة: ومن قال متى فقد وقته.
===============
لا بمداناة، لطيف لابتجسيم ، موجود لاعن عدم ، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بفكر، مدبر لابعزيمة، شاءِ لابهمة، مدرك لابحاسة، سميع لابآلة، بصير لابأداة، لا تصحبه الأوقات ، ولا تضمه الأماكن ، ولا تأخذه السِّنات ، ولا تحده الصفات ، ولا تقيده الأدوات .
سبق الأوقات كونُه ، والعدَم وجودُه ، والابتداءَ أزله ، وبمشابهته بين الأشياء عالم أن لاشبه له ، وبمضادّته بين الأضداد علم أن لاضد له ، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لاقرين له ، ضاد النور بالظلمة، والظل بالحرور، مؤلف بين متدانياتها(1)، مفرق بين متبايناتها، بتفريقها دل على مفرقها، وبتأليفها دل على مؤلفها.
قال سبحانه : (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون )(2).
له معنى الربوبية إذ لامربوب ، وحقيقة الالهية إذ لامألوه ، ومعنى العالم إذ لامعلوم ، ليس منذ خلق استحق معنى الخالق ، ولا من حيث احدث استفاد معنى المحدث ، لا تنائيه (منذ) ولاتدنيه (قد) ولا تحجبه (لعل) ولا توقته (متى) ولا تشتمله (حين ) ولا تقاربه (مع )، كلما في الخلق من اثرغير(3) موجود به ، وكل ما أمكن فيه ممتنع من صانعه ، لاتجري عليه الحركة والسكون ، وكيف يجري عليه ما هواجراه ! أو يعود فيه ما هو أبداه !؟ إذاً لتفاوتت دلالته ، وامتنع من الأزل معناه ، ولما كان البارىء،غيرالمبرأ (4) ولو وجد له وراء لوجد له أمام ، ولو التمس له التمام لزمه النقصان ، كيف يستحق الأزل من لايمتنع من الحدث !؟ وكيف ينشىء الأشياء من لايمتنع من الإنشاء !؟ لوتعلقت به المعاني لقامت فيه اية المصنوع ، ولتحول من كونه دالاً إلى كونه مدلولاً عليه ، ليس في محال القول حجة، ولا في المسألة عنه جواب ، لا إله إلاّ هوالعلي العظيم (5).
____________
1 – في الأصل : متعاقباتها، وما أثبتناه من أمالي المفيد.
2 – الذاريات 51: 49 .
3 – في الأصل : عين ، وما أثبتناه من أمالي المفيد.
4 – في الأصل : المبري ، وما أثبتناه من أمالي الطوسي .
5 – رواه المفيد في أماليه : 253 | 3 ، 4 والطوسي في أماليه 1 : 22.