عقل طالبان الذي هدم المعابد و الآثار في أفغانستان منذ فترة هو نفس العقل الذي أستهدف المتنبي في تفجير شارع المتنبي منذ فترة في سوريا أيضا .، و فطر أو حاكمها الذي أراد شراء الأهرامات المصرية أو كراءها لا يختلف عقله عن عقول طالبان و الإخوان و السلفيين التكفيريين ،
فكل هذه الأطراف تعيش حالة من الهذيان و الإسفاف و الغرور لأنها تعتقد أن صيد الحجر أو تدميره هي عملية ستنسف التاريخ الإنساني من الوجدان أو ستعطى شرعية للإرهاب الوهابي السلفي الذي يحاول بكل الطرق أن يفرض نفسه كمرجع و كمنهج عمل و كخارطة طريق للأجيال المقبلة.
لم يدمر الإسلام في بدايته الدعوية التراث الإنساني في كل البلاد التي رأت وجه الإسلام الحقيقي ، و لم تكن غاية الإسلام كمشروع التعسف على الحضارة الإنسانية للشعوب ، بل بالعكس فان الحروب الصليبية هي من دمرت التراث الإسلامي و هي من دمرت بيوت العبادة في الأندلس و هي من دمرت بالأمس القريب المعمار العراقي ، و يواصل طابورها الخامس من الجماعات الإرهابية الوهابية بإسناد من المخابرات الصهيونية تدمير ما تبقى في العراق في حملة محمومة على التاريخ العراقي لم يسبق لها مثيل ، ولان المؤسسة الدينية السعودية التي ترعى الإرهاب في العالم العربي لا تؤمن أصلا بالإبداع و الثقافة الإنسانية و لا يهمها من صنيعها و مشروعها إلا ما يجب أن يتم من تدمير للعقل و للتراث و للإبداع فقد لاحت في الأفق العربي عمليات التهديم للآثار و المعمار و كل ما يرمز للحضارة الإنسانية في جميع تجلياتها الإبداعية .
نحن إذن أمام عقل متخلف أكثر جاهلية من العهد الجاهلي إن صح التعبير ، و عندما نتساءل مع أنفسنا ماذا قدمت المؤسسة الدينية في السعودية و كغيرها في الدول العربية عموما للإنسانية من مناهج و نمط حياة متفتحة فان الحصيلة سلبية للغاية و تكاد تثير الاشمئزاز لان الهم الأول للفكر الوهابي السلفي في المنطقة العربية هو نشر ثقافة دموية تسمى ” أقتل على الهوية “،رفض الحضارة الإنسانية في جميع صورها ، تكفير الآخر و الاعتداء عليه ، التعرض للأبرياء بالسوء ، ضرب المفاهيم الدينية و خاصة ثقافة التسامح الإسلامية، مهاجمة الرأي المخالف إلى حدود الاستهداف بالقتل ، حصر دور المرأة العربية في حدود ضيقة لا تتجاوز القيام بالدور الجنسي ، الدفع نحو النزاعات الطائفية ، العقائدية ، فرض حالة من الكراهية بين الأقليات العربية ، تهميش دور العلم و الباحثين ، الضغط لإعطاء هامش واسع للمؤسسة الدينية حتى تصبح شبيهة بمحاكم التفتيش في العصور الوسطى ، فرض رقابة صارمة على تنقل الأفكار و حرية التعبير .
هذا هو الإرهاب في أسوأ صورته ، هؤلاء هم الإرهابيون أعداء التاريخ و الحضارة و الدين ، يريدون قبر الثقافة و الاعتداء على الوجدان و كل المضامين التي تشع من هذا التراث الذي يرمز إلى التنوع و ازدهار عصر العلوم الإسلامية ، هم يمحون الرموز الثقافية الإبداعية لان المؤسسة الدينية لا تعيش إلا على فكر ظلامي كهنوتي على غاية من التصحر الإبداعي ، فمن يرفض التاريخ لا يمكن أن يكون سطرا في هذا التاريخ أو مبشرا بتاريخ بل هو مشروع لهدم التاريخ المتمثل في كتاب أو تمثال أو نحوت أو معلقات أو لوحات ، لان المؤسسة الدينية ليس لها انتماء للإسلام أو للمفاهيم الإسلامية و لا تؤمن أصلا بالتنوع و الإبداع فهي تصنع مشاهد مأسوية تنقلها وسائل الإعلام العالمية لتقول عن الإسلام ما ليس فيه و لتلبس الدين لبوس الباطل ، و عندما يشاهد العالم تفجير التماثيل الإبداعية بموازاة أشلاء الأبرياء و نيران تأكل ما تبقى من الحجر و الإنسان فبالتأكيد هناك شعور لدى هذه المؤسسة الدموية بالانتصار على الحضارة و ربح معركة مهمة من معارك نشر الظلام و البؤس الفكري في عقول الأمة العربية الطامعة الطامحة إلى التحرر من جبروت هذه الفئة الضالة .
من يكون وراء جرائم نشر ثقافة الدم و الهدم و الكراهية ، من يدفع و يمول و يقف على هذه المجموعات الإرهابية الجبانة التي تقطع أوصال الحياة البشرية و الإبداعية ، بل لماذا تكرس الجماعات الإرهابية الوهابية كل وقتها و جهدها و أموالها و بوصلتها لتدمير الحياة بكل تفاصيلها على الساحة العربية فقط و لا تلتفت تماما إلى مواجهة ما يقع في فلسطين أو على الأقل إلى نشر ثقافة التسامح و إعلاء مفهوم العمل حتى تدفع إلى تقدم الأمة بدل هدم مقوماتها الحضارية ، ثم لماذا لا تقف الأقلام و العقول لفضح هذا الدور العبثي الخبيث الذي تقوم به المؤسسة الدينية العربية لصالح المشروع الصهيوني الصليبي ، بل لماذا يبقى البعض خائفا مذعورا من التعرض إلى هذا البوليس الفكري الفاسد على اعتبار ذلك نوعا من المساس بالمقدس في حين أن هذه الفئة المتطرفة لها مشروع واضح للقتل و الإرهاب معه لا تعرف أية نوازع دينية أو سلوكيات أخلاقية و لا أية معان حضارية ، لماذا نصر على إدانة خجولة مائعة في وجه مشروع صهيوني يدمر مستقبل هذه الأمة ، في وجه مشروع صناعة الموت الجماعي الذي يدبره عقل الموت الوهابي ، و الأهم ماذا بقى للعرب من مصيبة لم يصمتوا عليها ، كل ذلك باسم “ابعد عن الشر و غنيلو ” .