الزحف الهائل نحو کربلاء الاباء للحشود الملیونیة من عشاق اهل بیت الرسالة هو مشروع مهدوی و یؤسس واقعا لکل فرد ینتظر الإمام القائم المهدی من آل محمد عجل الله تعالى فرجه الشریف ، کما هو مشروع لإعداد و تربیة الامة للانتظار الموعود ، یستمد روحه من العلاقة بکعبة الاحرار و قبلة الثوار الإمام الحسین ، لما یمثله هذا المشروع من امتداد للقضیة الحسینیة من إیثار وتضحیة وعطاء وصبر والعمل لما تفرزه من معطیات على واقع المنتظرین .
وقد أخذت هذه الظاهرة أصداء دولیة کبرى حتى شملت هذا العام أکثر من 60 بلدا ، وباتت تعکس الواقع الحسینی والإسلامی الحقیقی لا کما یدعی المدعین للإسلام التکفیریین الإرهابیین البعیدین کل البعد عن الدین ، لتؤهل المجتمعات الى مشروع دولة العدل الإلهی لما فی هذه الزیارة من معطیات داخل المجتمعات الأخرى حیث تستمد کل تلک الآثار والعطاء والشموخ والإباء من التجمع الملیونی الذی هو واقع لحضارة جدیدة و مشروع دولة العدل الالهی المنتظر .
و فی کل سنة تهل علینا ذکرى الاربعین ، لتجسد ملحمة خالدة جدیدة من ملاحم العشق الحسینی ، وهی ملحمة عظیمة وعالیة المضامین والتی تمثل قمة العشق الحسینی ، وهذا العشق لیس خاصاً بالموالین لال محمد فقط بل أصبح عشقا یمتد لیعم کل البشریة جمعاء ، و لتصبح رایة الأمام الحسین (ع) تلتف حولها کل الطوائف والمذاهب والأدیان و لتغدو هذه الرایة السامیة والشریفة رایة إنسانیة توحد العالم کله من مشرقه إلى مغربه و من شماله إلى جنوبه و لیرتفع الصوت الحسینی الهادر وکل شعاراته ومقولاته فی العالم أجمع و لتتخذ هذه الشعارات والمقولات دلیلا ومنهج عمل لکل إنسان یؤمن بقیم ومنطق العدالة والحق ولتصبح شعارات إنسانیة ترفع من قبل المظلوم على کل ظالم ومتجبر وطاغی ولتمثل أعلى قیم الانتصار لقیم العدالة والحق على قیم الظلم والباطل.
ومن هنا کانت زیارة “الأربعین” زیارة إیمانیة سامیة نورانیة المضامین فی کل قیمها النورانیة وکانت تمثل لکل زائر مؤمن إضافات وإفاضات آلهیة عظیمة تعطیه زخماً عالیاً فی التزود بالأیمان والتوحید وهی مسألة مهمة یجب أن یتزود منها العبد المؤمن فی وقتنا الحاضر فی ضوء ما یواجهه المسلم وکل العباد من تحدیات ترید به النیل من أیمان العبد وحرفه عن وجهة دیننا الحنیف الدین المحمدی الذی لا لبس فیه ولا غموض وهو دین الحق والإنسانیة لتصبح زیارة الأربعین هذه محطة توقف مهمة للمؤمنین فی التزود بالنفحات الإیمانیة والتمسك بالعروة الوثقى والتی لا انفصام لها من خلال زیارة الأربعین ولتصبح غایة الوصول إلى الضریح الشریف لأبی الأحرار سیدی ومولای أبی عبد الله الحسین(ع) وأخیه أبی الفضل العباس(ع) ومسیر السبایا لأهل بیت النبوة وما ارتکبت فیه من مآسی وفواجع لهذه الذریة الطیبة لأشرف خلق الله هی (عبِرة وعبَرة)وتذکر مسیر مواکب الأباء لذراری أهل بیت الرسول وما لاقوه من ظلم وأجحاف بحق هذا البیت السامی ، کما تذکر بکل المواقف الخالدة والشجاعة لعقیلة الطالبیین الحوراء زینب بنت علی بن ابی طالب (ع).
و سمیت هذه الزیارة بـ”الأربعین” ، لأنها جاءت بعد مرور أربعین یوما على استشهاد الأمام الحسین علیه السلام فی العاشر من شهر محرم الحرام سنة 61 للهجرة النبویة . کما أنها توافق فی یوم العشرین من صفر ، وهو الیوم الذی ورد فیه الصحابی الجلیل جابر بن عبد الله الأنصاری على کربلاء لزیارة الأمام الحسین ، فکان أول من زاره ، و هو الیوم الذی وافق رجوع السبایا من الشام مع الأمام السجاد علی بن الحسین علیهما السلام ویسمى أیضا یوم رد الرؤوس إلى الأبدان فی کربلاء .
و ورد عن الأمام الباقر علیه السلام ذکر فضل زیارة الحسین ع حیث قال لأحد خواصه : لو یعلم الناس ما فی زیارة الحسین علیه السلام من فضل لماتوا شوقا, وتقطعت أنفسهم علیه حسرات . قلت وما فیه ؟.. قال : من زاره شوقا ألیه کتب الله له ألف حجة متقبلة و ألف عمرة مبرورة و اجر ألف شهید من شهداء بدر و اجر ألف صائم … الحدیث وفیه ثواب جزیل . وفی آخره : انه ینادی مناد : هولاء زوار الحسین شوقا ألیه .
نستشف من هذه الروایات وغیرها من الروایات الحث على الزیارة وزرع الشوق فی الأنفس و التأکید علیها و تعریف بفضل الذی لو عرفوه لماتوا شوقا ، و هذا یؤسس إلى ظاهرة لم تسبق من قبل فی عشاق الحسین فی المشی نحو قبر الأمام الحسین علیه السلام ، وقد بدت واضحة بعد مرور سنین تلت سقوط نظام المقبور صدام ، و حققت فی السنوات القلیلة الماضیة أرقاما ملیونیة ، حیرت العقول .
أن هذه الزیارة هی مهد حضارة جدیدة فی العالم لم ولن یعرف العالم مثیلها, فتلك الجموع الملیونیة تسیر على الأقدام من داخل العراق و خارجه نحو قبر الإمام الحسین علیه السلام لزیارة الأربعین.
بعد هذا نقول : لتکن هذه الملحمة الخالدة لزیارة الأربعین ، نقطة مضیئة تشع بتألقها على مدى التاریخ ولتمثل محطة مهمة من المحطات الإیمانیة فی الفکر الإنسانی ولتشکل بؤرة من بؤر وحدة الفکر الإنسانی بمختلف أطیافه وأفکاره ولتبقى منطلقا و محطة مهمة من محطات المحافظة على دیننا الحنیف الذی أراد الطلقاء من بنی أمیة و بنی العباس ومن جاء من بعدهم عبر تاریخنا القدیم والحاضر .
أن ینالوا منه و یحرفوه عن مساره و یشوهوا ذلك الدین العظیم الذی أتى به خیر خلق الله نبینا الأکرم محمد (ص) برسالة محمدیة سامیة وعظیمة المعانی فی الإنسانیة والفکر لذا حاول کل أعداء الله و أهل بیت النبوة من سلالات مجرمة محو هذه الرسالة بالقتل والذبح والسبی وممارسة أعلى قیم الأجرام والوحشیة بکل خسة ولؤم وقذارة لکن یأبى الله الا إن یتم نوره ولو کره الکافرون.
ومن هنا کانت وقفة بطلة کربلاء زینب الحوراء(ع) فی مجلس الطاغیة یزید بن معاویة ابن ابی سفیان تجاه هذا الظلم و الطغیان لهذا الحاکم المتجبر ، لتقول مقولتها الشهیرة { کد کیدك ، و اسْعَ سعَیك .. فوالله لا تمحو ذِکرَنا ، ولا تُمیتَ وحینا، ولا یرحض عنك عارها الى یوم القیامة . وهل رأیك إلاّ فَنَد ، وأیامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد، یوم ینادی المنادی: ألا لعنةُ الله على الظالمین …} .
و صدقت عقیلة الطالبیین فیما قالته .. ها نحن نجد بعد أکثر من 14 قرناً فی بقاء هذا الذکر الخالد للأمام الحسین و آل محمد ، لیصبحوا شموسا مضیئة فی سماء الحق والعدل تشع بضیائها مجداً وعزاً وشموخ .. فیما باتت سیرة بنی أمیة ویزید وکل الذین ناصبوا العداء لنهضة الحسین فی أسفل السافلین واصبحوا رموزا لقیم الظلم والطغیان والکفر ولکل ما یعادی الإنسانیة.
لقد بقیت « فاجعة کربلاء » ، و ستبقى خالدة إلى یوم القیامة عند کلّ مجتمع یمتاز بالوعی والإدراك، وفهم المفاهیم والقیم الإنسانیة ، و کلّما إزدادت البشر نُضجاً وفَهماً أقبلت على دراسة وتحلیل هذه الفاجعة بصورة أوسع ، والتفکیر حولها بشکل أشمل، والکتابة عنها بتفصیل أکثر . وقد شاء الله تعالى أن یبقى هذا الملفّ مفتوحاً ، ویتجدّد فتحه فی کل عام !! ومن هنا نجد إن “مشایة الأربعین” لهذه الزیارة الخالدة فی ازدیاد رغم محاولات کل الطواغیت وعلى مر التاریخ إطفاء جذوة هذه الزیارة من خلال الارهاب وقمع الزوار و قتلهم والتمثیل بهم بأسالیب تخلو من إی مضامین إنسانیة وبشریة .