تمكن الجيش السوري من تحرير مدينة “تدمر” التاريخية بالكامل بعد 10 أشهر من إحتلالها من قبل تنظيم “داعش” الإرهابي. وبذلك تكون الأرضية قد تهيأت لإستعادة “دير الزور” والتقدم باتجاه الحدود العراقية لتحرير المناطق القريبة منها من العصابات الإرهابية.
وتقوم وحدات الهندسة التابعة للجيش السوري في الوقت الحاضر بتطهير هذه المدينة التاريخية من الألغام والقذائف غير المنفجرة والعبوات الناسفة التي تركتها الجماعات الإرهابية التي كانت تحتل المدينة قبل تحريرها من قبل الجيش السوري.
وقد تم تحرير تدمر بالكامل في إطار خطة محكمة ودقيقة وسريعة نفذها الجيش السوري لتبدأ صفحة جديدة من القتال مع إرهابيي “داعش” للقضاء عليهم بشكل نهائي وطردهم من الأراضي السورية، خصوصاً من دير الزور والرقة باتجاه الحدود العراقية، في وقت تستعد فيه القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي للإنقضاض على هؤلاء الإرهابيين في هذه المنطقة.
وتبلغ مساحة الأراضي التي تمكن الجيش السوري من تحريرها من عصابات “داعش” في هذه العمليات أكثر من 105 كيلومتر مربع، وهي عبارة عن المناطق المحصورة بين سلسلة مرتفعات “الهايل” في غرب تدمر وبادية هذه المنطقة من جهة، والمدينة التاريخية في الجهة الجنوبية الشرقية من محافظة حمص من جهة أخرى.
وتمكن الجيش السوري خلال هذه العمليات من محاصرة جميع محاور هذه المنطقة في وقت واحد، وخاضت وحداته معارك ضارية ضد إرهابيي “داعش” في هذه المنطقة ذات الطبيعة الجغرافية المعقدة والمحيطة بمدينة تدمر.
فمن ناحية يضم المحور المتجه نحو مركز تدمر موانع طبيعية صعبة للغاية هي عبارة عن مجموعة من التلال والصحاري التي تتيح للجماعات الإرهابية الإختفاء ونصب الكمائن، ما إضطر الجيش السوري إلى فتح نيران أسلحته بصورة مكثفة على هذه المنطقة ومشاغلة الإرهابيين في مناطق عدّة في وقت واحد إلى أن تمكنت قواته من دحر الإرهابيين في جميع هذه المناطق.
وبعد سيطرة الجيش السوري بشكل كامل على سلسلة المرتفعات المحيطة بتدمر ومرتفعات “الهايل” وشبكة الكهرباء و”دار الحمراء” في مدخل المحور الجنوبي لتدمر، واصلت القوات السورية تقدمها باتجاه مركز المدينة إلى أن تمكنت من السيطرة على سلسلة مرتفعات “القصور” بشكل كامل.
كما سيطرت القوات السورية على برج “لسیر یاتیل” وقلعة تدمر، وتقدمت كذلك من المحور الجنوبي الغربي من المدينة بمساندة نيران المدفعية وسلاح الجو التابع للجيش إلى أن تمكنت من السيطرة على قصر “موزة” والوصول إلى ساحة الزراعة.
وتميزت عمليات الجيش بالسرعة والدقة العالية في هذه المنطقة ما أدى إلى إرتباك صفوف تنظيم “داعش” في عدّة محاور وفي وقت واحد، بالإضافة إلى الدور الكبير الذي لعبته كتائب المدفعية التابعة للجيش والتي تمكنت أيضاً من صب حمم نيرانها على مواقع “داعش” ما أدى إلى تدمير خطوطهم الدفاعية وقتل وجرح الكثير من الإرهابيين وأسر العديد منهم ونقلهم إلى منطقة “جبل بلعاس” الواقعة في شرق حماه. وحاول إرهابيو “داعش” وقف تقدم الجيش السوري خصوصاً في منطقتي “السخنة” و”الرصافة” إلاّ أنهم باءوا بالفشل.
ومن النتائج الأخرى التي تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من تحقيقها في هذه المعارك قطع خطوط إمداد الإرهابيين في القلمون الشرقي بشكل كامل ومحاصرة أعداد كبيرة منهم في هذه المنطقة التي تمثل نقطة إتصال رئيسية بين تدمر وبادية سوريا من جهة ومدينة الرقة المعقل الرئيسي لتنظيم “داعش” من جهة أخرى.
كما تمكنت وحدات الجيش السوري من إحكام سيطرتها على خطوط إمداد “داعش” في القلمون الغربي وقطعها بشكل كامل، وبهذا تكون الأرضية قد تهيأت لفك الحصار عن المدنيين المحاصرين من قبل “داعش” في أطراف دير الزور ومنطقة “الشولة”.
وتجدر الإشارة إلى أن عمليات الجيش السوري في هذه المنطقة من المقرر أن تتواصل باتجاه مدينة الرقة من أجل تحريرها بالكامل من إرهابيي “داعش”. كما يتم الإستعداد لخوض معركة شرسة وفاصلة ضد إرهابيي “داعش” في دير الزور من أجل طردهم نحو الحدود العراقية لتأمين الحماية للمناطق الواقعة في شرق حمص وإستعادة الحقول النفطية في شرق سوريا بعد تحريرها من تنظيم “داعش”.
ومن الجدير بالذكر أن مدينة تدمر التي تقع على بعد 215 كيلومتر شمال شرق العاصمة السورية دمشق تعتبر من المدن القديمة جداً والتي يرجع تاريخها إلى آلاف السنين وهي عاصمة “مملكة تدمر” التي كانت تنافس حضارة الإمبراطورية الرومانية القديمة، وكان يقصدها عدد كبير من السيّاح من مختلف أنحاء العالم قبل إندلاع الأزمة السورية منذ أكثر من خمس سنوات.
ويُعد تحرير تدمر نصراً كبيراً للجيش السوري وحلفائه. وتتيح السيطرة على المدينة، الواقعة في عقدة مواصلات وسط بادية الشام، للجيش السوري التقدم شمالاً باتجاه مدينة الرقة، أهم معاقل “داعش” في سوريا، كما يفتح الطريق أمام التقدم إلى دير الزور شمالاً، وإلى الغوطة الشرقية لريف دمشق، وريفي السويداء ودرعا جنوباً.
ويسهم هذا التطور المهم في عزل التواصل الجغرافي لـ”داعش” مع أرياف حمص وحماه غرباً، والحدود العراقية شرقاً، ويضيّق الخناق على التنظيم الإرهابي، ويقلص من مساحة سيطرته الجغرافية كثيراً. كما أن تحرير المدينة ينهي سيطرة “داعش” على عدد من حقول الغاز المهمة في محيط المدينة، ويبعد تهديداته المباشرة لجزء مهم من المطارات والقواعد العسكرية للجيش السوري في ريفي حمص الشرقي والشمالي الشرقي.