عقد رؤساء أركان الدول المشاركة في التحالف الإسلامي العسكري إجتماعهم الأول في مركز التحالف الإسلامي العسكري، في العاصمة السعودية الرياض، مكلّلين لقائهم بالاجتماع مع ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، كلا على حده.
الإجتماع تناول العديد من الملفات المتعلقة بتطوير سبل التعاون العسكري والامني بين الدول الاسلامية وفي مقدمتها مكافحة الارهاب والتطورات الاقليمية، فكيف يمكن قراءة أبعاد هذا الإجتماع الأول الذي إقتصر على الشكليات دون الخوض في التفاصيل؟
زُرعت بذور التحالف الإسلامي العسكري في خضام الفشل السعودي سواءً في سوريا أو اليمن الذي أنهى عامه الأول من العدوان بصلابة وشجاعة وضعت الرياض في عنق الزجاجة، عندها أدركت الرياض أنه لا بد من منظمات موازية لمجلس التعاون ومنظمة المؤتمر الإسلامي تلعب دوراً عسكريا وتعزز القدرات الإقليمية السعودية على غرارا المنظمتين المذكورتين (مجلس التعاون ومنظمة المؤتمر الإسلامي) اللتان تعزّزان الدور السعودي سياسياً وإقتصادياً.
خرج الإجتماع الأول للتحالف الإسلامي العسكري الذي أعلنته السعودية يوم الثلاثاء 15 ديسمبر/كانون الأول 2015، ويتشكل من 34 دولة لمحاربة ما يسمى الإرهاب في مناطق مختلفة بالعالم الإسلامي، خرج ظاهرياً بصورة تذكارية جمعت رؤساء الأركان مع الأمير السعودي بعد إجتماعهم الاول الذي يهدف “لتنسيق الجهود، ووضع اللبنات الأساسية، ومناقشة سبل التنفيذ للاستراتيجيات العسكرية والفكرية والمالية والإعلامية ،بهدف مواجهة الإرهاب، والتصدّي له “، وفي هذا السياق تجدر الإسارة إلى التالي:
أولاً: لم يقدّم المجتمعون تعريف جامع للإرهاب، فهل الإرهاب هو ما يضرب المنطقة وشعوبها كتنظيم داعش الإرهابي والكيان الإسرائيلي، أم أن الإرهاب هو ما تعتبره السعودية إرهاباً بسبب تعارضه مع مصالحها السياسية وأطماعها الإقتصادية كحزب الله والرئيس الأسد. في الواقع، لم يُفصح إثر الإجتماع عن أي شيئ يذكر سوى إستخدام شمّاعة الإرهاب الأمريكية من دون تحديد البوصلة “السعودية”.
ثانياً: إن غياب بعض الدول الإقليمية الرئيسية كالجمهورية الإسلامية الإيرانية يعرّي هذا التحالف على الصعيد الإسلامي، كما أن عدم تشجّع بعض الدول التي تعد من “صقور” هذا التحالف كمصر وتركيا وباكستان يعني عدم فاعليته السياسية والعسكرية. بعبارة آخرى، إن هذا التحالف وجه آخر للعملة التحالف العربي بقيادة السعودية، فإذا فشل هذا التحالف في مواجهة الشعب اليمني خلال العام الماضي، رغم أن اليمنيين لا يملكون من السلاح الإستراتيجي ما يكفي، فكيف يمكن لهذا التحالف أن يثبت فاعليته؟
ثالثاً: حاولت السعودية الحفاظ على أدواتها الإقليمية في تونس ومصر إثر ما يسمى بالربيع العربي، إلا أن فشلها في ذلك، وظهور الجماعات التكفيرية المدعومة سعودياً في سوريا واليمن، دفع بها لإستخدام مظلة التحالف العسكري الإسلامي علها تنجح من خلال هذه الخطوة بالحصول على دور إستراتيجي في المنطقة.
رابعاً: لا يمكن التغافل عن التهم التي تلّقتها السعودية بالإرهاب منذ بدء العدوان على اليمن، ولعل ظهور خط “مكافحة الإرهاب” في عناوين التحالف يأتي في هذه الإطار الذي يسعى لتلميع صورة الرياض. إن شعار محاربة الإرهاب من قبل التحالف العسكري الإسلامي الذي أعلن عنه الأمير السعودي محمد بن سلمان، يخدم في تلميع صورة الأخير لاسيّما أنه المتهم الأول في الجرائم المرتكبة في اليمن والتي تعدت جرائم الحرب ووصلت إلى الجرائم ضد الإنسانية.
خامساً: قال المستشار العسكري لوزير الدفاع السعودي العميد أحمد عسيري أن “دول التحالف تحرص على العمل ضمن المواثيق الدولية”، ومن هنا نسأل: أليست هذه المواثيق نفسها هي التي تقدم الشعب الفلسطيني كالجلاد والكيان الإسرائيلي بمثابة الضحية؟ أليست هذه المواثيق نفسها التي مدّت الكيان الإسرائيلي بالمال والسلاح منذ العام 1948 حتى يومنا هذا، ودافعت عنه سياسياً في مجلس الأمن؟ ألم تعد هذه المواثيق مسؤولة عن إراقة دماء المسلمين في البوسنة وصربيا وميانمار وأفغانستان والسودان وفلسطين والعراق ولبنان؟
إن الإجتماع الأول بمثابة لقاء التعارف الذي لن يثمر إقليمياً خاصّة أنه لم يتطرق إلى الأزمة السورية وموضوع حزب الله وبعض المواضع الحساسة كالعلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي قد تنسف هذا التحالف بإعتبار أن الدول الرئيسية فيه تربطها علاقات مميزة مع طهران كتركيا وباكستان.
الخلاصة تؤكد أن هذا التحالف يسعى لتحقيق المصالح السعودية، إلا أن الدول الفاعلة لن ترضى بذلك، كما أن الخوص في التفاصيل لاسيّما تعريف الإرهاب الذي تراه مصر مخالفاً لم تراه السعودية سيكون بداية لتشقّق هذا التحالف الكارتوني الذي سيختفي فجأة، تمامً كما ظهر.