تعددت الزيارات الغربية الى لبنان من بريطانيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ثم أخيراً فرنسا، كلّما جاء وغادر مسؤول غربي، ارتفع منسوب القلق عند القيادات اللبنانية من احتمال توطين السوريين. الأرقام شبه المؤكدة تشير الى وجود ما يقارب مليون وثمانمئة ألف نازح سوري، يضاف اليهم نحو 500 ألف فلسطيني أو أقل ربما بقليل، يصبح عدد النازحين في لبنان ما يقارب 40 بالمئة من عدد السكان. هذه السابقة في التاريخ لم تحدث في أي بلد آخر، النازح السوري الذي قذفته الحرب الى أتون التشرد والفقر والبحث عن لقمة العيش في ظروف قاهرة قد ينتظر أقرب فرصة للعودة الى بلاده خصوصاً اذا ما انتهت الحرب وبدأ بناء الاعمار الذي سوف يستوعب كل العمال السوريين وغيرهم. ولكن لا أحد حتى الآن يعلم متى تنتهي هذه الحرب ولا كيف.
تعلمنا في التاريخ البشري أنه كلما زادت المساعدات الغربية وتعددت الزيارات تحت ذرائع انسانية وكبر الغرام بنا، كلما ازداد معه منسوب القلق من خطط التوطين والتقسيم والتهجير وبيع دولنا في أسواق النخاسة الدولية. فالقلق بشأن النازحين السوريين اليوم يشبه الى حد بعيد ذلك القلق الذي أحاط بالنازحين الفلسطينيين قبل أكثر من ثلاثين عاماً.
قبل ذلك قيل أيضاً إن النزوح مؤقت فأصبحوا لاجئين، وها هم الفلسطينيون يعيشون في مخيمات الذل والقهر والأمراض. لا عمل مسموح لهم، ولا بناء منزل لائق ولا حتى الشمس والقمر تحت المباني المتهالكة، والأنكى من ذلك أن فقرهم وذلهم لا يكفيان، فيتقاتلون داخل المخيمات تارة وتارة من اليأس وأخرى من التدخلات الخارجية، والآن بسبب دخول تيارات تكفيرية وغيرها. اذاً ما هي حقيقة القلق اللبناني من التوطين وعن حقيقة مؤامرة قتل حق العودة السوري؟ وما هي اسباب انكفاء الدول العربية عن مساعدة النازحين السوريين بينما تفتح الدول الغربية الخزائن لتوطين السوريين؟
لنبدأ أولاً بتبيان الفرق بين النازح واللاجئ، قانونياً وبحسب الاتفاقية الموقعة عام 1951 اللاجئ هو من يعبر حدوداً دولية، أما النازح هو من يهاجر داخل وطنه أي المهجرون داخلياً، أما سياسياً واعلامياً ولأسباب متباينة وطائفية وخوف اللبنانيين وغيرهم من البلدان المستضيفين للسوريين (كالأردن) من التجربة الفلسطينية يعتبر اللاجئ السوري في لبنان والأردن نازحاً طارئاً “يجب أن يعود الى بلده حال انتهاء الحرب هناك.”
قتل حق العودة السوري
هذا الخوف ازداد أكثر في الآونة الاخيرة، حيث ارتفعت الأصوات مؤخراً في لبنان على لسان وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل وعلى لسان الجنرال عون حول امكانية توطين السوريين في لبنان، بناءاً على معلومات عن عرض فكرة غربية على مسؤولين لبنانيين حول امكانية توطين السوريين الموجودين في لبنان على أن يتكفل الغرب بتقديم الأموال اللازمة لتحمل أعبائهم، وعلى أن يأخذ عدداً منهم طائفياً الى البلدان الغربية (غير مسلم). هذا التخوف يؤكده بعض المحللين السياسيين بأن هناك رغبة غربية والتي تناهض النظام السوري أن يبقى أكبر عدد لأطول مدة من النازحين السوريين خارج سوريا، حتى اذا جرت الانتخابات يكون هناك تأثير على هؤلاء النازحين من أجل التصويت ضد النظام.
الغياب والحضور العربي
يأتي هولاند ويتكرم على السوريين بخمسين مليون يورو، وتأتي بريطانيا والأمم المتحدة ويحولون الدول المستضيفة للسوريين كلبنان الى مجتمعات متسولة، بينما العرب لم يقدموا شيئاً الى السوريين وان قمنا بالتدقيق خلال الخمس سنوات الماضية حول الدعم العربي للنازحين نرى الغياب الكامل الا عن شراء السلاح وتقديمه للجماعات المسلحة من أجل التخلص من النظام القائم في سوريا حيث تقدر قيمة السلاح الذي اشترته الدول العربية في السنوات الماضية ب 250 مليار دولار. بعض المحللين يقولون إن العرب حاضرون وبقوة، حيث يرون أنهم حاضرون فقط من أجل تمرير مصالح معينة، ولخدمة مخططات الدول الغربية (أمريكا)، حيث كثير من هذه الدول (السعودية، قطر..) وضعت في رأسها فكرة واحدة “اسقاط النظام” في سوريا، ولكنها لم تلتفت الى معاناة الشعب السوري وحاولت ضخ هذا الكم الهائل من الأسلحة التي لو وظفت في التنمية في نفس البلدان لخلقت حقائق ووقائع اجتماعية جديدة، وخلقت ديناميات اجتماعية واقتصادية أفضل. اذاً هناك حضور ولكن عدم عقلانية في تصويب الأمور كالسعودية التي يرأسها جيل جديد من الأمراء يتبع سياسة غالباً ما تكون مناقضة تماماً لما عرفت به الدبلوماسية السعودية من قبل.
كنت أريد أن أسأل عن دور الجامعة العربية فهي لا تستيقظ عادة الا لتشرع اجتياحاً دولياً من هنا وطرد دولة من هناك، اذاً لا داعي للحديث عنها، ولكن في اليوم وفي هذا الوقت والأوقات العصيبة بالنسبة للنازحين واللاجئين لا أحد ربما يريد أن يزعج جامعة الدول العربية، انما نريد أن نوقظ الضمائر النائمة في البلدان العربية التي تدعم تقاتل السوريين ولا تدعم توحدهم، وفي الخاتمة نقول لهم اتركونا نعيش في سلام.