عاد الهدوء إلى بغداد بعد حالة الفوضى العارمة التي عمت أرجاءها بسبب ما قام به شبان عراقيون من التيار الصدري من دخول إلى مبنى البرلمان العراقي في المنطقة الخضراء وذلك بعد طلب السيد الصدر من أنصاره التظاهر سلميا ضغطا على مجلس النواب العراقي وذلك لاقرار التعديلات الوزارية التي يفترض أنها تؤسس لبدء مرحلة الاصلاحات وإنهاء حالة الفساد المستشري في البلاد.
وقد تمكنت القوى العراقية الفاعلة على الأرض وعلى رأسها الحشد الشعبي وبمساعدة سرايا السلام التابعة للتيار الصدري وبالتنسيق مع القوى الأمنية من إستعادة السيطرة على الأمن في مدينة بغداد وضبط حالة الاحتجاج داخل أروقة البرلمان العراقي وذلك بعد يوم طويل من الفوضى دخل على خطها بعض الأيدي العميلة التي تمكنت في لحظة ما من حرف وجهة المظاهرات الشعبية المليونية عن هدفها الحقيقي وحولتها إلى آلة تخريب بدل من الاصلاح المنشود.
سرعة في تدارك الموقف ووعي كبير للمخاطر التي تحدق بالبلاد، هذا ما أثبته الحشد الشعبي بما فيه سرايا السلام التابعة للتيار الصدري، حيث تمكنوا وبالتنسيق مع القوى الأمنية من التدخل فورا لانهاء حالة الفوضى وما حصل من احتجاجات داخل البرلمان، فاحتووا الغضب الشعبي بحزم لعلمهم أن ما يحصل لا يخدم العراق. وإنما يخدم أعداءه ممن يحيكون له المكائد ويريدونه دولة لا مقومات لها، فالاحتكام للشارع وفي هذه الظروف التي تمر بها بلاد الرافدين يساعد الأيدي الخارجية على اللعب بأحاسيس الشعب العراقي من خلال كلام حق لا يُراد منه إلا الباطل.
طبعا الجميع يوافق السيد مقتدى الصدر موقفه من زيارة نائب الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى العراق، حيث أن الأمريكيين والغرب كله ومن معهم من الحكام العرب لا يريدون الخير للعراق وأهله وإنما يريدون إعادته إلى التخلف والفوضى، ومرحلة الاقتتال الداخلي والتفجيرات ويسعون عبر عملائهم في الداخل إلى وضع العراقيل أمام العملية السياسية الاصلاحية القائمة. وجميع القوى الوطنية متفقة أيضا أن إضعاف الحكومة المركزية وتعطيل المؤسسات لا يخدم إلا الهدف الأمريكي لذلك لا بد من التمسك بالخيارات السلمية والسياسية وعدم الانجرار إلى أمور قد تحرف وجهة الحراك السياسي إلى ما لا تحمد عقباه.
وهنا لا بد من الاكبار بما قام به الحشد الشعبي وسرايا السلام من إستعادة المبادرة وضبط الأمور قبل أن تتفلت من عقالها، فلا يعود بمقدور أحد التحكم بالشارع. ولا بد هنا من التأكيد على الدور الكبير للحشد الشعبي بكافة أطرافه في المساعدة بدفع العملية السياسية الاصلاحية، فالحشد الشعبي يملك ميزة أنه عابر للطوائف والأحزاب العراقية، ومن هنا لا يمكن بل لا يجوز إختصار دوره في الشق الأمني العسكري المتمثل بقتال التنظيمات الارهابية التي تحتل العراق، بل للحشد الشعبي دور أساسي ومحوري في تصويب العملية السياسية والوقوف في وجه المؤمرات الناعمة أيضا (اذا صح التعبير) التي تحاك ضد العراق. ودوره هذا يقوم به رغم أنف أمريكا وكل من معها، فليست أمريكا ولا جو بايدن من يحدد الأدوار والأحجام في العراق، بل القدرة الشعبية والتعبوية هي التي تحدد ذلك.
والأهم اليوم يبقى معالجة هذا الخطأ بالطريقة الصحيحة وعدم جر البلاد إلى فوضى لا مصلحة للعراق وأهله بها، خاصة أن التهديد الأكبر اليوم هو الارهاب الذي يحتل مناطق واسعة من العراق، إرهاب مدعوم وموجه من دول وأطراف معروفة ومحددة لا تريد للعراق خيرا وتسعى للزج بطابورها الخامس في أي أزمة يمكن اللعب على حبالها.
طبعا لا نقصد أن معالجة الخطأ يكون بانهاء الاحتجاجات فقط، وحتما ليس المقصود إنهاء الحراك السياسي الداعي لكبح جماح الفساد المستشري بل على العكس لا يمكن أن تستقر الأمور إلا من خلال انهاء هذه الظاهرة التي تتآكل المؤسسات، لذلك لا بد على الساسة العراقيين اغتنام الفرصة وقلب السحر على الساحر، فالجميع متفق على ضرورة الاصلاح، فبدل الانجرار وراء الخلافات يجب توحيد الكلمة ضد الفساد بكل أنواعه. والاسراع في استكمال الخطوات السياسية اللازمة لبناء العراق الجديد.