الحديث عن جبهة المناطق الشرقية في سوريا، وتعقيدات ميدانها تبعاً لاختلاف الرايات الميليشياوية والتبعيات المتعددة لها، يجعل من البحث عن أسباب التدخل الأمريكي برياً وإن بأعداد قليلة في مناطق وجود ما يعرف بقوات سورية الديمقراطية مسألة تبحث أصلاً في أهمية هذه الجبهة على المستوى السياسي والاقتصادي بآن معاً.
فالواضح إن أمريكا تحاول من خلال هذا التواجد عرقلة إطلاق عملية عسكرية سورية في المنطقة، خاصة باتجاه الرقة، ويبدو أن واشنطن بدأت بتنفيذ الرغبة الإسرائيلية بتشكيل تحالف ميليشياوي بقيادة كردية وإشراف أمريكي للسيطرة على الرقة، على أن يكون هذا التحالف يحظى بالموافقة التركية، والمراد هنا السيطرة على أكبر معاقل التنظيم في سوريا قبيل الجولة القادمة من المحادثات السورية، والهدف من ذلك هو ترجيح كفة المعارضة ميدانياً على طاولة الحوار لتدعيم مواقفها، إلا أن ذلك أيضاً يتطلب ادخال العنصر الكردي في تشكيلة وفد الرياض الأمر الذي ترفضه الميليشيات المحظية برعاية سعودية كجيش الاسلام وتلك التي ترعاها الحكومة القطرية كميليشيا أحرار الشام،والسبب في هذا الرفض للوحدات من بقية الميليشيات برغم خصوع الطرفين للتوجيه الأمريكي، هو أن الدور المنوط بالوحدات يجبرها على ألا تقاتل تحت راية إسلامية ومحاولة الظهور بصفة المدافعين عن الحريات والعلمانية، الأمر الذي ترفضه بقية الميليشيات معتبرة الكرد من الملحدين، وهذا ذات المفهوم الذي يقاتل من خلاله تنظيم داعش الوحدات الكردية.
وفي أساس زيادة الدعم للوحدات الكردية من قبل الأمريكيين، تظهر الرغبة الأمريكية باستبدال تنظيم داعش الذي نشأ من رحم المخابرات الأمريكية ليكون أداة لتقسيم المنطقة، بالوحدات الكردية التي سلحت من الأمريكيين أيضاً، وإذا ما حلت هذه الوحدات مكان داعش في مناطق النفط والمناطق التي يتم من خلالها تهريب مقدرات الدولة السورية إلى الخارج، سيبقى مشروع تقسيم المنطقة قائم وبطريقة ترضي الرأي العام العالمي عن هذا التقسيم، فإن كان داعش وأمثاله مروفضين من قبل هذا المجتمع لكونه منظمة إرهابية، فإن الإعلام الغربي عمل على تصوير الوحدات وحلفائها من بقية الميليشيات على أنهم يقاتلون الإرهاب، وبالتالي سبكون مطلبهم بفدرلة مناطقهم قابلاً للنقاش من قبل المجموعة الدولية، وهذا ما سيبقي النفط السوري تحت سيطرة الأمريكي وإن تبدلت الأداة.
ولأن القوات السورية بدأت تحضر بشكل واضح للذهاب الشرق من عدة محاور أساسية، كان لابد من محاولة تعقيد الجبهة الشرقية بوجود أمريكي مباشر يمكن أن يحيد سلاح الجو السوري عن استهداف مناطق قريبة من وجود المقاتلين الأمريكيين، وعلى هذا سيكون أي مواجهة مع القوات الديمقراطية أو الوحدات الكردية على غرار ما حدث مؤخراً في القامشلي خطر من الناحية السياسية، فأي اتهام من الأمريكيين لدمشق بإصابة أو مقتل جندي أمريكي سيفتح باباً للمزاودات السياسية على دمشق ومحاولة إدانتها دولياً.
وبرغم هذا، فالمعلومات الواردة من المنطقة الشرقية تؤكد أن الجيش السوري يحضر لعمليته بعيداً عن ترهات السياسة الأمريكية وعراقيلها، ولأن القيادة السورية تدرك أن من أسباب إشعال حلب في هذا التوقيت عرقلة العمل ضد داعش في الشرق، فإنها تعمل للتحضير لكل معركة على حدى، وكسر طوق دير الزور سيكون أولى خطوات زلزلة مواقع داعش في شرقي سوريا.