الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني35
18 مايو,2023
الاسلام والحياة, زاد الاخرة
1,198 زيارة
35
الباب العاشر: فيما يتبع الرضا بالقضاء من التوكل والتفويض والتسليم
اعلم أنّ الإنسان ما لم يسرح نظره في هذه الأبواب ، ويأخذ نصيبه منها لا يذوق حلاوة الإيمان ، وإن كان لأهل الإيمان فيها مراتب ومقامات ، على قدر تفاوتهم فيها تختلف مراتب قربهم إلى الله.
قال الله عزّ وجل : {يرفع الله الذي آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} . المجادلة/11 ..
ولقد أجاد القائل حيث يقول:
إلهي بكت للخوف منك عصابة—– وما كل من يبكي لديك له ذنب
ولكنـــهم للقرب منك تراهم —– مدامعهم تجري فيا حبذاالقرب
ومن أجل توقف الإيمان – الذي هو أعلى درجة من الإسلام – عند المقابلة على حصول هذه المقامات ، كذب الأعراب في دعواهم للإيمان ، حيث قال عزّ من قائل : {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان، في قلوبكم} . الحجرات/14..
فيا خجلتاه !.. ويا فضيحتاه !.. ممن يكذب في ذلك اليوم في دعواهم الإيمان ، وهو يسمى باسم المؤمن ، وتموّه عليه نفسه أنه من المؤمنين فما أحقه بقول القائل:
كذبتك نفسك لسن من اهل الهوى —– للعاشقين علائم ودلائل
وليتنا تنبهنا لقول القائل أيضا :
ان كنت تهوى القوم فاسلك طريقهم —– فما وصلوا الا بقطع العلائق
هذا ونحن نسمع الله يقول: { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } . المائدة/23..
ونسمعه يقول : { فلا وَرَبِّكَ لا يؤمنون حتى يُحَكِّمُوكَ فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } . النساء/65..
فإذا تحقق توقُّف الإيمان على التوكّل والتسليم ، وما في معناهما من التفويض ، فينبغي المبالغة والاجتهاد في تقوية ما هو مناط وصف الإيمان وعليه تدور رحاه.
إذ مدار هذا الحثّ العظيم في الكتاب العزيز والسنّة للمؤمنين على الإيمان ولوازمه التي ذكرناها ، حتى أنه عز وجل يقول :
{ يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا } إنما هو تحصيل القدر المعتد به من الإيمان ، بحيث يكون بمنزلة مستوى الخلقة الذي تنصرف إليه الإطلاقات ، ويظهر فيه ترتيب الثمرات.
فأما أقلّ ما يحصل به مسمى الإيمان ، فهو حاصل لهم فلا يكلف بتحصيلــه ، وأما على الأفراد فهو كمال زائد ، وهو غير محدود بحدّ ، فلا يليق أن ينفي اسم الإيمان بدونه.
فصار الحثّ العظيم على ترتيب المرتبة الوسطى ، التي هي بمنزلة مستوي الخلقة الذي هو الفرد المتيقّن في الامتثال للأوامر المطلقة فما دونه ، كأنه محل شكٍّ في الإرادة ، وما هو أعلى لو حصل فلا ريب أنه أكمل.
وهذه المرتبة الوسطى هي المعروفة باستجماع المرتبة الوسطى من هذه اللوازم .. فما
دونها من المراتب يطلق عليها الاسم نظراً إلى صدق الماهيــــة ، وينفي عنها نظراً إلى أنها ليست المرادة ، ومعظم القصد إلى ما فوقها.
فإذا قد تدبرت هذه الجملة ، فلا مناص عن تشمير الساعد، وبذل الجهد والهمّة في تحصيل القدر المعتد به من الإيمان ، بحيث يقطع بصدق اسمه عليه ولا يصح سلبه.
وعليه دلّ الصادق (ع) على ما رواه الكافي بقوله (ع) : إنكم لا تكونون صالحين حتى تَعرفوا ، ولا تعرفون حتى تَصدقوا ، ولا تصدقون حتى تسلّموا ، أبواباً أربعة لا يصلح أولها إلا بآخرها ، ضل أصحاب الثلاثة فتاهوا تيهاً بعيداً . الكافي: 2/39..
وكذلك نبّه أمير المؤمنين (ع) على ما في الكافي ، عن الصادق (ع) ، عن أبيه عن آبائه (ع) ، قال أمير المؤمنين (ع) : الإيمان أربعة أركان : التوكّل على الله ، والتفويض لأمر الله ، والرضا بقضاء الله، والتسليم لأمر الله عزّ وجلّ . الكافي : 2/47..
وكذلك بيّنه وشَرَحه مولانا موسى بن جعفر (ع) على ما في تحف العقول بقوله (ع) : ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطئه في رزقه ، ولا يتهمه في قضائه.
وسُئل عن اليقين ، فقال: يتوكّل على الله ، ويسلِّم لله ، ويرضى بقضاء الله، ويفوضّ أمره إلى الله . تحف العقول : 408..
وكذلك نبّه رسول الله (ص) على ما يلزم الإيمان والمعرفة من الأحوال والصفات ، وعلى ما فقد من درجة أولياء الله ، فقال على ما في الكافي عن الصادق (ع) عن جده النبي (ص) : من عرف الله وعظّمه منع فاه من الكلام، وبطنه من الطعام ، وعَفى [ في بعض المصادر : عنى ] نفسه بالصيام والقيام ، قالوا : بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله ، هؤلاء أولياء الله؟..
قال: إنّ أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكرا ، ونظروا فكان نظرهم عبرة ، ونطقوا فكان نطقهم حكمة ، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة ، لولا الآجال التي كتبت عليهم لم تقرّ أرواحهم في أجسادهم ، خوفاً من العذاب ، وشوقاً إلى الثواب . الكافي : 2/186..
وكذلك نبّه مولانا علي بن الحسين (ع) على ما يلزم الإيمان والمعرفة ، من الصفات التي للمؤمن والمعارف ، بقوله على ما رواه عنه الطبرسي في الاحتجاج شعراً:
من عرف الله فلم تغــنه —– معرفة الرب فذاك الشقي
ما يصنع المرء بعز الغني —– والعز كل العز للمتقي
ما ضر ذا الطاعة ما ناله —– في طاعة الله وماذا لقي
الاحتجاج : 317باختلاف ..
فأصل هذه الخيرات ، والذي عليه مدار الأمر في كل هذه المقدمات ، إنما هو دوام مراقبة الله في جميع الحالات ، بحيث لا يغيب عن نظرك ، كما أنك لا تغيب عن نظره. (1)
(1)إنّ ما ذكره المؤلف هنا هو نتيجة ما ورد في كتب الأخلاق ، وهو اللبّ اللباب الذي توصّل إليه الواصلون من أولياء الله تعالى فإنّ هذه المراقبة نتيجة للمجاهدة الأولية ، وهي بنفسها مقدمة لمراقبة أخرى شديدة ومستوعبة لكلّ شؤون الحياة فالعابد الذي لا مراقبة له ، كالذي يبذر البذرة هنا وهناك ، في كلّ أرضٍ خصبةٍ وسبخةٍ ، ولا يتعهدها بنفسه أو مستعيناً بغيره ، بالسقي والإنبات ولو أنه أحاط البذرة بالمراقبة والرعاية ، لاهتزت وربت وأنبتت من كلّ زوجٍ بهيج .( المحقق )
الاسلام . بحوث اسلامية الاسلام والحياة 2023-05-18