الرئيسية / من / الشعر والادب / نصوص تراثية: يا نفس إيّاك والغفلة – الشيخ تقي الدين إبراهيم الكفعمي

نصوص تراثية: يا نفس إيّاك والغفلة – الشيخ تقي الدين إبراهيم الكفعمي

يا نفس! إنْ كنتِ في معصية الله ممّن يُعلم اطلاعه، فلقد اجترأت على أمر عظيم الشناعة، لِجَعْلكِ إيّاه أهونَ الناظرين، وأخفّ المطلعين، وإن كنت تظنّين أنّه لا يراكِ، فلقد كفرتِ بمولاكِ.يا نفس! أترينَ لو أنّ أحداً من جلسائكِ، أو عبيدكِ وإمائكِ، واجَهَكِ بما تمقتينَه، أو عامَلَكِ بما تكرهينه، لقلَّمتِ منه الأظفار، وأحلَلْتِ به دار البوار، فبأيّ جسارةٍ تتعرّضين لِمَقتِ الله وعذابهِ، وشدّةِ نكالهِ وعقابهِ؟ قرّبي إصبعكِ من الحميم، إنْ ألفاك البَطر عن النظر في عقابه الأليم.

يا نفس! ويحكِ، بل ويلكِ من العذاب، كأنكِ لا تؤمنين بيوم الحساب، أتظنّين أنّكِ إذا متِ انفلتِّ، وإذا حشرتِ رددتِ؟! هيهات هيهات، كل ما توعدين لآت.

لكان الموتُ راحةَ كلِّ حيّ

ولو أنّا إذا متنا تُركنا

ونُسأل بعده عن كلِّ شيّ

ولكنّا إذا مِتنا بُعثنا
يا نفس! إنّكِ تُقدمينَ على ما قدّمتِ، وتجازينَ على ما أسلفتِ، فلا تخدعنّكِ دنيا دنيّة، عن مراتب جنّاتٍ عليّة، فإنّ لكل حسنة ثواباً، ولكلّ سيّئة عقاباً، وإنّه لا بد لكِ في قبركِ من قرين، فإنْ كان صالحاً فبه تستأنسين، وإن كان طالحاً فمنه تستوحشين.

وسهمُ المنايا للخليقة راشِق

أتُرجى نجاةٌ من حياةٍ سقيمةٍ

ومن قبُحت أفعاله فهو زاهق

فمن حسُنت أفعاله فهو فائز

وتعرض عن إرشادها وتشاقق

لقد شَقِيَت نفسٌ تخالفُ ربَّها
يا نفس! ما هذه الحيرة، والسبيل واضح؟ وما هذه الغفلة والمُشير ناصح؟ إلى كَمْ تجمعين ولا تقنعين، ولوارثك تودعين؟!

يعالجه في هدمه ويسابق

وأنت كمن يبني بناء وغيره

ويعلم أن الدَّهر للنسج خارق

وينسج آمالاً طوالاً بعيدة
يا نفس!
أتفرحين بنعيمٍ زائلٍ، وسرورٍ راحل؟! غفلتِ وأغفلتِ، وعلِمت فأهملتِ، إلى متى مواظبتكِ على الذنوب، وأنت بعين علّام الغيوب؟ فجَمْعكِ في هذه الدنيا إلى تفريق، وسعتكِ إلى ضيق، فما هذه الطمأنينة وأنتِ مزعجة؟ وما هذا الولوج وأنتِ مخرجة؟!

ولا بد من يوم تُعقِك العوائق

أترجى نجاة بعد سبعين حجة

فلا بدّ ما يأتيه فيها الصواعق

ومَن طرقته الغاديات بويْلها
وليس أبناء السبعين، بأحقّ بالحذر من أبناء العشرين، لأنّ طالبها وهو الموت واحد، وليس عن الطلب براقد، واعملي لما أمامكِ من الهول، ودعي عنكِ زخرف القول.

يا نفس! أمّا رأيكِ فعازب، وأمّا رشدكِ فغائب، داؤكِ لا يُرجى له دواء، وأملكِ ليس له انتهاء، قد فُتنت بعملك، وخضتِ في بحار زلَلك، فقدّمي التوبة، قبل أن تبلغك النوبة، واعملي للخلاص، قبل الأخذ بالنواص.

 

شاهد أيضاً

الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني46

33)فمن يكون مراده أن تقبل منه فإحسانك بقبول ذلك الشيء منه ، وإن أردت أن ...