بينما لا يزال الكيان الصهيوني لا يعير أي إهتمام لمعظم الأنظمة العربية، و لا يخشى من جيوشها التي تهدر سنويا عشرات المليارات من الدولارات لشراء الأسلحة الأمريكية والغربية، بات هذا الكيان يحسب ألف حساب لأي خطوة يريد الاقدام عليها حين ما يتعلق الأمر بلبنان وذلك بسبب خوفه من حزب الله.
وافادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء أن القناة الأولى الرسميّة في التلفزيون الإسرائيليّ كشفت، عن أنّ سلاح البحرية الإسرائيليّ نفّذ قبل أيام مناورة حاكت حربًا في الساحة البحريّة ضد حزب الله وصواريخه الدقيقة والبعيدة المدى، ضمن سيناريو للاستخبارات الإسرائيلية يُقدّر بأنّ المواجهة المقبلة ستشمل فرض الحزب حصارًا بحريًا على “إسرائيل”، عبر مهاجمة السفن التجاريّة المتوجهة من الموانئ الإسرائيلية وإليها، وضرب حقول الغاز ومنشآته التي تُعَدّ ثروة إسرائيلية إستراتيجيّة، كما أكّدت المصادر العسكريّة والأمنيّة للتلفزيون العبريّ.
ضابط رفيع المستوى في البحرية الإسرائيلية أبلغ القناة الأولى العبرية أنّ حزب الله درس ما جرى في عملية “الجرف الصامد” في قطاع غزة في صيف العام 2014، مُشدّدًا على أنّ حزب الله سيتعمد تفعيل قدراته الهجومية بناءً على هذه الدراسة، وذلك بعد أنْ طورّ قدراته الصاروخية والمدفعية من كل الأنواع. وقال أيضًا، إنّ تقدير الاستخبارات يرى أنّ هذا الحصار سيكون واحدة من مفاجآت الحرب، في اليوم الأول من المواجهة المقبلة. وأضاف التلفزيون الإسرائيليّ، نقلاً عن المصدر عينه، إنّ “كارثة سفينة ساعر 5” في حرب لبنان الثانية عام 2006، أدّت إلى تغيير الوعي في سلاح البحريّة، وبات لدى قادة هذا السلاح وضباطه فهم خاص لضرورة حماية السفن والزوارق البحرية عبر وسائل دفاعية متطورة.
لكن رغم كل الاستعدادات والجاهزية والمناورات التي تنفذ بين حين وآخر، إلّا أنّ الخشية من كوارث جديدة تلحق بالبحرية الإسرائيلية في الحرب المقبلة لا تزال قائمة، وهي ضمن سيناريوهات التقدير الاستخبارية حول هذه الحرب، خصوصًا أنّه من غير المعروف ما إذا كان حزب الله يملك بالفعل صواريخ متطورة من طراز “ياخونت” الروسي الصنع، والتي من شأنها أنْ تشكل تهديدًا مباشرًا ضدّ السفن والزوارق الحربية للبحرية الإسرائيلية.
يُشار إلى أنّ وسائل الإعلام العبرية كشفت قبل شهرين أنّ سلاح البحرية قاصر عن حماية المنشآت الغازية والنفطية في عرض البحر، في حال اندلاع الحرب مع حزب الله. وفي السياق عينه، أعلنت “إسرائيل” أنّها منعت البدء بعمليات التنقيب عن النفط والغاز، في حقل غازي محاذٍ للحدود المائية للبنان، لمنع الوقوع في مغامرة وانفجار مع الجانب اللبناني.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” أشارت، إلى أن الحكومة الإسرائيليّة أصدرت قرارًا يقضي بمنع شركتي “نوبل إنرجي” الأمريكيّة و”ديليك” الإسرائيليّة، صاحبتي امتياز التنقيب واستخراج النفط والغاز في “إسرائيل”، من التنقيب عن الغاز في حقل “الون دي”، الذي قالت إنّه يتداخل في جزء منه مع الخريطة المائية المعلنة من قبل لبنان، رغم أنّ الحقل، بحسب الخريطة الإسرائيلية، يكاد يقع بشكل كامل ضمن الحدود المائية لإسرائيل.
ولفتت الصحيفة، نقلاً عن مصادر سياسيّة في تل أبيب، إلى أنّ قرار المنع جاء رغم طلب الشركتين البدء بالتنقيب، ورغم إدراك الجانب الإسرائيليّ إمكانية أنْ يقرر اللبنانيون التنقيب أولاً عن الغاز في المنطقة نفسها، محاولين في لبنان امتلاك كل الغاز الموجود في الحقل. والواضح لدى “إسرائيل” أنّ حزب الله ينظر إلى الاعتداء على ثروته الغازية والنفطية تمامًا كما ينظر إلى احتلال الأرض اللبنانية، وهي تدرك أن ردّ فعله سيكون متناسبًا مع الاعتداء، وسيعمل على الحؤول دونه. الامتناع والمنع يأتيان في سياق هذا الإدراك، وهو أحد مبادئ الردع الذي تُقرّ به تل أبيب مقابل حزب الله. كذلك فإنّه أحد تبعات قدرة ردع سلاح حزب الله حتى من دون تفعيله، ما دامت القدرة وإرادة تفعيلها موجودتين لدى قيادة حزب الله.
وبحسب الصحيفة العبريّة فإنّ حقل “الون دي” ليس بمنأى عن منطقة الخلاف بين “إسرائيل” ولبنان، وإذا جاءت عمليات التنقيب إيجابية ووجدت كميات من الغاز في الحقل، كما تشير الدراسات، فسيشعل ذلك صراعًا مع اللبنانيين، وهذا هو السبب الذي منعت بموجبه عمليات البدء بالتنقيب، على حدّ تعبير المصادر الإسرائيليّة، التي وُصفت بالرفيعة.
علاوة على ذلك، يأتي القرار الإسرائيليّ، للمفارقة، بعد كلمة الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في الذكرى العاشرة لحرب تموز 2006، وتأكيده على عامل الردع في مواجهة “إسرائيل” وأطماعها.
وقد وردت في الكلمة إشارات واضحة إلى نيّة صدّ أيّ اعتداءٍ إسرائيليّ لسرقة الغاز والنفط اللبنانيين، ويبدو أن الإسرائيليين فهموا الرسالة جيدًا. هذا الواقع وهذه النتيجة يُثيران الافتخار، فمن الممكن فهم امتناع “إسرائيل” عن الإضرار بالمصالح المصرية، حرصًا على اتفاقية كامب ديفيد والتنسيق الأمني غير المسبوق مع الجانب المصري في وجه التهديدات.
كذلك، يمكن فهم امتناع “إسرائيل” عن حلّ السلطة الفلسطينية، رغم إذلالها المتواصل، لأنّ تل أبيب بحاجة إلى أجهزتها الأمنية لصدّ الفلسطينيين ضد الاحتلال، ويمكن فهم حرص “إسرائيل” على النظام الأردني ربطًا بوظيفته الحمائية للدولة العبريّة، لكن تجاه لبنان، امتناع “إسرائيل” عن الإضرار بمصالحه هو نتيجة فقط، وفقط، لقدرة الردع العسكريّة.
المصدر: رأي اليوم