أكدت الشاعرة اللبنانية أمل طنانة التي تنحدر من أصول سورية على أن المقاومة والشعر يتموقعان في خندق واحد لمكافحة الظلم والاستبداد، فالمقاومون يطلقون الرصاص في صدور الأعداء والشعراء يدكون مضاجعهم بالكلمة.
خاص بوكالة تسنيم الدولية للأنباء – لا ريب في أن كل يعرف كنه الشعر وحقيقته الأصيلة يدرك بأنه يعتبر الوجه الآخر للمقاومة، وأن الشعر الذي لا يدوي بكلمة الحق ولا يزعزع أركان الظلم والجور لا يعد شعراً ملتزماً ولا ينم عن ذوق أدبي رفيع، وخلال القرون الماضية بادر بعض الشعراء العرب إلى تحويل كلمتهم لرصاصة تصون كرامتهم وتنال من أعدائهم بهدف إعادة الأمجاد التي سلبت منهم على أيدي الحكام العملاء والجهلة، وقد بلغ هذا النمط الشعري ذروته بالنسبة إلى القضية الفلسطينية وأمسى محوراً لشعر المقاومة وأما في الآونة الأخيرة فقد اتصف هذا الشعر الأصيل بطابع جديد ليعم معظم النواحي العربية التي تعاني من كبت الطغاة وجور الرجعيين التكفيريين وداعميهم ولا سيما نظام آل سعود الظلامي.
إحدى الميزات التي يتصف بها شعر المقاومة الحديث هي انتعاش الدور النسوي فيه ومن أبرزهن آيات القرمزي من البحرين وأمل طنانه من لبنان، والأخيرة هي لبنانية تنحدر من أصول سورية وقد سخرت كلمتها دفاعاً عن الحق والمقاومة فهي شاعرة انطلقت بشعرها المقاوم دفاعاً عن طفل بريء وما زالت حتى اليوم سائرة في نفس هذا الطريق.
زارت هذه الشاعر المقاومة مكتب وكالة تسنيم الدولية للأنباء وكان لها حديث حول شعر المقاومة العربي في السنوات الماضية، ففي بادئ الأمر أشارت إلى مدى تأثير شعر المقاومة على واقع المقاومة في البلدان المضطهدة وأكدت على أنه حتى وإن لم يكن بقوة السلاح الآلي لكنه سبب في إضفاء قوة إضافية له.
وتطرّقت الشاعرة أمل طنانة إلى القيود التي تضعها بعض البلدان العربية على نشاطات شعراء المقاومة، ونوهت على أن بعضهم تعرضوا للتهديد ولا سيما في البحرين حيث تقوم سلطات آل خليفة بمضايقتهم بشكل مجحف للغاية، كما أعربت عن أسفها لمواقف نظام آل سعود الظلامي الذي حرمها من أداء مناسك الحج ومنع نشر مؤلفاتها في بلاد نجد والحجاز.
وأعربت السيدة أمل طنانة عن سرورها للقاء قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي معتبرة هذا اللقاء بأنه أحد مفاخر حياتها كما اعتبرت مواكبتها لعهد قيادة السيد حسن نصرالله لحزب الله في لبنان.
وفيما يلي نص الحوار:
تسنيم: الشعب الإيراني قد لا يعلم ما هي المجالات الثقافية والاشعار التي تتناولينها، لذلك نطلب من جنابك تقديم نبذة بسيطة عن بداية عملك الثقافي في مختلف المجالات!
طنانة: قبل كل شيء انه لشرف كبير لي بوجودي حاليا في طهران، حيث سأتمكن من التعرف على جمهور يحب التعرف على الشعر العربي. طبعا مع اختلاف اللغة كنت اتوقع انه سيكون من الصعوبة انا اوصل رسائلي الشعرية الى طهران، لكن مع مرور الوقت ومضي الزمان شعرت بان طهران حالها كحال اي مدينة عربية. في ايران ايضا هناك شعب ويشعر ويحس بالكلمة الجميلة ويهتم بها حتى اذا كانت بلغة اخرى.
تسنيم: حسب الدراسة التي قامت بها الوكالة حول اشعارك واعمالك الفنية رأينا ان مجمل اشعارك وأعمالك الفنية تدور حول المقاومة، فما هو السر في ذلك؟ أي لماذا اخترتي موضوع المقاومة في البحرين واليمن وسوريا و لبنان وفلسطين؟
طنانة: انا مولودة في دمشق، من بعدها كبرت في مدينة اسمها بنت جبيل بجنوب لبنان. سوريا ولبنان في ظرف خاص عانوا ومازالوا يعانون من العدو «الإسرائيلي». كل هذا كان ومنذ طفولتي.
حرب تشرين سنة 73 انا اعيها واتذكرها بشكل جيد. حينها كنت في عمر التسع سنوات. والدي كان من ضمن الذين شاركوا القتال ضد العدو «الإسرائيلي». انا اذكر القلق والخوف الذي كان موجودا في تلك الايام. وفي الوقت نفسه كان هناك التحدي والقوة والمقاومة امام هذا العدو من قبل الشعب. وحتى انني اتذكر انني حرمت من دخول مدينة بنت جبيل لمدة 25 عاما.
بعد ذلك وفي زمن الاحتلال استمريت في الحياة وانتقلنا الى لبنان. دخلت في مدارس من اجل الدراسة في لبنان حيث كان معظم اباء واخوان هؤلاء الطلاب من شهداء المقاومة. في كل يوم ونحن كنا في لبنان كان هناك عرس (تشييع) لشهيد. من بعد عام 2000 يعني تحرير الجنوب من المحتل الصهيوني من قبل قوات المقاومة انا استطعت دخول الجنوب و دخول بنت جبيل. كل هذه الفترة انا كنت ايضا في الجنوب ولكن في مدينة اسمها “الصرفند” وهي كانت ومازالت مدينة محررة.
لكن نحن لم نبتعد عن مدينة بنت جبيل ورغم الاحتلال اخترنا بان نكون بالقرب من مدينتنا.
طبعا وعلى العموم يجب الا ننسى بان العدوان «الإسرائيلي» خلال هذه الفترة كان بشكل يومي ومستمر ضد هذا الشعب والبلد في لبنان. والمقاومة ايضا كانت تقوم بعملها ضد هذا الاحتلال ايضا بشكل يومي. كل هذا هو قبل وحتى بعد عام 2000 ولكن بعد دحر الاحتلال الصهيوني من جنوب لبنان اصبح الامر و العدوان «الإسرائيلي» ضد لبنان بشكل مختلف.
وفي عام 2006 ايضا العدو الصهيوني قام بعدوان اخر ضد لبنان. وترك قنابل عنقودية بكميات كبيرة في جنوب لبنان ولفترات طويلة. هذه القنابل كل يوم كانت تنفجر وفي كل يوم كنا نسمع بانه شخص قد اصيب او استشهد نتيجة انفجار تلك القنابل ومخلفات الاسلحة والاعتدة الصهيونية في جنوب لبنان. كان يصاب او يستشهد اثر تفجير هذه القنابل في كل يوم عدد من المواطنين الابرياء من المدنيين العزل.
وبعدها بدأت الحرب الكونية ضد سوريا. هذه الحرب بدأت مع الاسف بتمويل عربي، هذا العدوان بدا من سنة 2011. يعني نحن لم نشعر بفترة هدوء او راحة او سلام في هذه المنطقة وابدا لم نشعر ولم نعيش فترة هدوء بهذه المنطقة ابدا.
الشباب في الجنوب اللبناني هم ساهموا في الدفاع عن سوريا وحتى الان دائما لدينا شهداء بشكل يومي ودائم ومازالت حتى يومنا هذا الحرب مستمرة والعدوان موجود.
“في مثل هذه الاجواء اذا لم اكتب عن المقاومة فعن اي شيء يجب ان اكتب؟”
تسنيم: عن ماذا دارت اول قصيدة كتبتها وكم كان عمرك آنذاك وفي اي ظروف الفتها؟ هل تتذكرين تلك القصيدة اليوم؟
طنانة: اول شعر كتبته كان لطفل فلسطيني! هذا الطفل كان من اهل فلسطين. نحن دائما وعندما كنا صغار دائما كنا نتابع اخبار فلسطين والقضية الفلسطينية. ودائما كنا نتابع عذاب هذا الشعب العظيم. انا اتحدث عن شعب فلسطين الذي كان يواجه العذاب بشكل يومي. هذا الطفل الفلسطيني كان ذاهب الي المدرسة وكان في هذه الاثناء يوجد هناك مقاومين وفدائيين فلسطينيين. قتل هذا الطفل الفلسطيني من دون اي ذنب وهو كان حامل حقيبته المدرسية. كان عمري في ذلك الزمان بحدود 13 عام. انا اليوم لا اذكر القصيدة ولكني اذكر باني كتبت قصيدة بحقه.
القصيدة كانت معبرة وجيدة بحيث قدمت القصيدة من خلال اذاعة دمشق في ذلك الزمان وتم بثها. القصيدة بعدها واجهت استحسان كبير من قبل المخاطبين.
تسنيم: قبل انتصار الثورة الاسلامية في ايران، بدأت الثورة من خلال الاشعار والقصائد الثورية وبعدها اصبح لدينا نهضة ونوع من القصائد بالأشعار والقصائد الثورية. باعتقادك كيف يمكن للشعر والفن ان يحدث تغييرا جذريا في الانظمة والحكومات؟
طنانة: لان الشعر والفن يدخلان في اماكن لا يمكن لاحد غيرهما ان يدخلها او ينفذان بداخله. الشعر والفن يدخلان في الحس الانساني ويسكنان في الوجدان. هذا الوجدان والاحساس الانساني هو يكفي الانسان من اجل القيام بأكبر اعمال التغيير والانقلاب والثورات. هنا نحن نتحدث عن قوة الارادة، القوة التي اذا لم تكن لا يحدث اي تغيير في اي مكان.
هذا المكان من العقل البشري والروح البشرية محضور الدخول اليه من قبل الامور الاخرى. وهنا فقط الشعر والقصائد والفن باستطاعتهما الدخول في مثل هذه الاماكن المحظورة. الوجدان هو اعمق مكان في الروح الانساني.
تسنيم: هل كان لديك معرفة مسبقة بالشعر الفارسي؟
طنانة: في تلك الفترة نحن كنا لا نسمع شيئا حيث كان في تلك الفترة نظام الشاه في ايران. بالمناسبة اقولها اني اذكر تلك الفترة. نحن كنا لا نحب مثل هذه الانظمة لان كان فيها سفارة اسرائيلية. كان دائما وبسبب قربنا من فلسطين كنا نشعر بان هذا العلم الصهيوني هو ليس بعلمنا. لكن بعد انتصار ثورة الامام الخميني قدس الله سره كل هذه الامور تغيرت. اذكر ان عمري كان حينها بحدود 19 عام، في تلك الايام يعني ايام انتصار الثوره الاسلامية الناس في دمشق كانوا يوزعون الحلويات في الشوارع. الجميع كانوا يؤيدون انتصار الثورة الاسلامية في ايران بنسبة 100%، كلهم كانوا مع الثورة الاسلامية. لذلك وفي تلك الفترة كنت لا اعرف اي احد من الشعراء في ايران بسبب صغر عمري.
بعدها اصبحنا نقرأ ونبحث ونطلع على الشعر والشعراء في ايران. بعدها بدأت الاشعار والقصائد والاعمال الايرانية تترجم وتدرس على شكل مناهج دراسية. الشعر الايراني علمني شيئا، وذلك انه حتي لو لم اتذكر اسماء الشعراء لكني تأثرت به و ادخلني الشعر الايراني الى عالم محظور . الايرانيين لديهم قدرة عالية في الشعر بحيث باستطاعتهم هز الروح والوجدان البشري في ان واحد.
انهم يدخلون الاماكن المحظورة في الانسان بسهولة. اشعارهم غير مباشرة لذلك اشعارهم ليست سهلة. الشعر الفارسي هو شعر صعب للغاية ولكنه في الوقت نفسه مؤثر جدا.
تسنيم: اكدت في كلامك بان للشعر تأثير عظيم على الانسان، هل يمكن ان يكون للشعر تأثير السلام وتأثير الرصاصة؟
طنانة: باعتقادي فان قيمه دم الجريح والدم الذي ينزف من الشهيد اغلى بكثير من قيمة القصيدة. لكن القصيدة هي شيء مهم جداً . لان الانسان الذي يقاتل يتعرض لظروف صعبه جداً. للقصيدة في بعض الأحيان ذلك التأثير حيث أن الخلفية الإيمانية والعقيدة هي التي تمهد الأرضية من اجل ان يكون للقصيدة تأثير واضح وعظيم.
القصيدة تجهز وتعد المزيد من الدعم و القوه من اجل المبارزة والنضال. يوجد شيء اريد ان اضيفه الي هذا الجواب و هو انه اليوم ايضا يسقط لدينا شهداء في لبنان. اهل الشهيد يتحدثون إلي ويقولون لي باننا نريد قصيدة عن الشهيد. اقوم بتأليف القصيدة و تلحن وتنشد في مجالس العزاء. انا أشعر بان هذه القصائد تعطي المزيد من الصبر لهذه العوائل. القصيدة عندما يسمعوها اولاد الشهيد يرتاحون الاهل عندما يستمعون الي القصيدة يشعرون بالراحة.
تسنيم: يعني تقصدين بانه و بهذه القصائد و الاشعار تسعين من اجل تقويه معنويات العوائل من اجل المقاومة ومواصلة النضال؟
طنانة: انا اسعي الى تحقيق ذلك و ان شاء الله يكون بهذه الصورة.
نهاية الجزء الأول
وسينشر الجزء الثاني قريبا