تتمة-
البحث الثاني
حقيقة السر المستودع في فاطمة ( عليها السلام )
ومنها قول الأئمة المعصومين من أهل بيت النبي – صلوات الله عليهم أجمعين – وهو أنه
مروي برواية صحيحة عن أحدهم ( عليهم السلام ) قال : ” أن أمرنا صعب مستصعب ، لا يحتمله
إلا ملك مقرب ، أو نبي مرسل ، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ” ، وقال : ” خالطوا
الناس بما يعرفون ودعوهم بما ينكرون ، ولا تحملوا على أنفسكم وعلينا ، أن أمرنا
صعب مستصعب ، لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل ، أو مؤمن امتحن الله قلبه
للإيمان ” ( 1 ) .
وروى محمد بن عبد الجبار عن الحسين بن الحسين اللؤلؤي عن محمد بن الهيثم ، عن
أبيه ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : ” سمعت أبا جعفر ” يعني الإمام الباقر ” – يقول : أمرنا
صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب ، أو نبي مرسل ، أو مؤمن امتحن الله قلبه
للإيمان . ثم قال : يا أبا حمزة ! ألست تعلم أن من الملائكة مقربا وغير مقرب ؟ ومن
النبيين مرسلا ، وغير مرسل ؟ وفي المؤمنين ممتحنا وغير ممتحن ؟ قال : قلت بلى ؟ ألا
ترى صعوبة أمرنا ؟ إن الله تعالى أختار له من الملائكة المقرب ومن النبيين المرسل
ومن المؤمنين الممتحن ” .
وروى محمد بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن جابر عن أبي
عبد الله يعني الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) – أنه قال : ” أمرنا سر مستور في سر ، وسر
مستسر ، وسر لا يفيده إلا سر وسر على سر ، مقنع بسر ” وروي أيضا أنه قال : ” أمرنا
سر مستور في سر ، مقنع بالميثاق : من هتكه أذله الله ” ( 1 ) . وروى ابن محبوب ، عن
مرازم ، قال ” قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ” أمرنا هو الحق وحق الحق ، وهو الظاهر ،
وباطن الباطن ، وهو السر ، وسر السر ، والسر المستتر ، وسر مقنع بسر ” . وإلى كتمان
هذا السر ، أشار بقوله ( عليه السلام ) : ” التقية ديني ودين آبائي ، فمن لا تقية له ، لا دين له ” ( 2 )
يعني : الاتقاء والاحتراز من إفشاء الأسرار الإلهية ، ” ديني ودين آبائي ” من الأنبياء
والأولياء ( عليهم السلام ) ” فمن لا تقية له ” في إخفائها ” لا دين له ” ، وإلى هذا أشار علماؤنا في
كتبهم وقالوا : التقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج الإمام القائم الذي به يظهر
الدين كله ويكون من المشرق إلى المغرب على ملة واحدة كما كان الشأن في زمان
آدم ( عليه السلام ) ، فمن تركها ” يعني التقية ” قبل خروجه فقد خرج من دين الإمامية ، وخالف
الله تعالى ورسوله والأئمة ( عليهم السلام ) وهذا الكلام منقول من ” اعتقادات ابن بابويه ( رحمه الله ) ” .
وروى عمران بن موسى عن محمد بن علي وغيره ، عن هارون بن مسلم عن مسعدة
بن صدقة عن جعفر عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : ” ذكر علي ( عليه السلام ) التقية في يوم عيد ” .
قال والله لو علم أبو ذر ماذا في قلب سلمان ، لقتله ! ” ، ولقد آخي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )
بينهما ، فما ظنك بسائر الخلق ؟ ” أن علم العلماء صعب مستصعب ، لا يحتمله إلا ملك
مقرب أو نبي مرسل ، أو عبد مؤمن ، امتحن الله قلبه للإيمان . قال : ” وإنما صار سلمان
من العلماء ، لأنه أمرؤ منا أهل البيت ” . فلذلك نسبته إلينا ( 3 ) . وإلى هذا كله أشار
الإمام المعصوم زين العابدين ( عليه السلام ) في أبيات منسوبة إليه ، وهو قوله :
أني لأكتم من علمي جواهره * كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدمنا فيها أبو حسن * مع الحسين ووصى بها قبلها الحسنا
يا رب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي : أنت ممن يعبد الوثنا !
ولاستحل رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا
وعلى هذا الأساس نجد أن الأئمة من آل محمد – ( صلى الله عليه وآله وسلم ) – كانوا يحملون الأسرار
الربانية التي أفاضها الباري عليهم منذ أن خلقهم أنوارا وجعلهم بعرشه محدقين وإلى
أن من بهم علينا ، ولكن لا يظهرون هذه الأسرار إلا لمن وجدوه أهلا لحمل الأمانة ،
ومستودعا لها ، وإلى هذا الأمر – أعني حمل الأسرار – ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة
لأئمة المؤمنين ( عليهم السلام ) ما نصه : ( . . . السلام على محال معرفة الله ومساكن بركة الله
ومعادن حكمة الله وحفظة سر الله . . . اصطفاكم بعلمه ، وارتضاكم لغيبه ، واختاركم
لسره . . . وأنصارا لدينه ، وحفظة لسره . . . ومستودعا لحكمته . . . ) .
وغير ذلك من الأقوال والزيارات الواردة والتي تصفهم ( عليهم السلام ) بأنهم المستودع لسر الله ،
وأن هذه الأسرار لا يعطوها إلا إلى أهلها وإلى ذلك أشار الحديث المروي عن أبي
بصير قال : ” قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : يا أبا محمد ، إن عندنا والله سرا من سر الله وعلما من
علم الله ، والله لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ،
والله ما كلف الله ذلك ، أحدا غيرنا ولا استعبد بذلك أحدا غيرنا ، وأن عندنا سرا من
سر الله ، وعلما من علم الله أمرنا بتبليغه فبلغنا عن الله عز وجل ما أمرنا بتبليغه ، فلم
نجد موضعا ولا أهلا ولا حمالة يحتملونه حتى خلق الله لذلك أقواما ، خلقوا من طينة
خلق منها محمد وآله وذريته ( عليهم السلام ) ، ومن نور خلق الله منه محمدا وذريته وضعهم
بفضل صنع رحمته التي صنع منها محمدا وذريته ، فبلغنا عن الله ما أمرنا بتبليغه فقبلوه
واحتملوا ذلك ” فبلغهم ذلك عنا فقبلوه واحتملوه ” وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى
معرفتنا ، وحديثنا فلولا أنهم من هذا لما كانوا كذلك ، لا والله ما احتملوه ، ثم قال : إن
الله خلق أقواما لجهنم والنار ، فأمرنا أن نبلغهم كما بلغناهم ، واشمأزوا من ذلك ونفرت
قلوبهم وردوه علينا ولم يحتملوه ، وكذبوا به وقالوا ساحر كذاب ، فطبع الله على قلوبهم
وأنساهم ذلك ، ثم أطلق الله لسانهم ببعض الحق فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة ،
ليكون ذلك دفعا عن أوليائه وأهل طاعته ، ولولا ذلك ما عبد الله في أرضه ، فأمرنا
بالكف عنهم والستر والكتمان ، فاكتموا عمن أمر الله بالكف عنه واستروا عمن أمر الله
بالستر والكتمان عنه ، قال : ثم رفع يده وبكى وقال : اللهم إن هؤلاء لشرذمة قليلون ،
فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم ولا تسلط عليهم عدوا لك فتفجعنا بهم ، فإنك إن
أفجعتنا بهم لم تعبد أبدا في أرضك وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما ( 1 ) ” .