الرئيسية / تقاريـــر / القناة الإسرائيلية الثانية تتابع معركة الموصل: كيف باتت تل أبيب مُضطرة للنزول الى الميدان؟!

القناة الإسرائيلية الثانية تتابع معركة الموصل: كيف باتت تل أبيب مُضطرة للنزول الى الميدان؟!

الوقت – شكلت معركة الموصل محور اهتمام العديد من الدول والأطراف. في حين يمكن ملاحظة حجم اهتمام الإعلام الإسرائيلي بالمعركة، وهو ما يعكس أهميةً يوليها الطرف الإسرائيلي لمجريات الأحداث هناك. فالإعلام الإسرائيلي يعتبر من وسائل الإعلام الموجهة والتابعة للسلطات الحاكمة في تل أبيب، وهو يتابع عن كثب العديد من الملفات، والتي يمكن من خلالها إدراك أولويات القيادة الإسرائيلية وإن على المستوى الحالي. وفيما يخص معركة الموصل بدا الإهتمام الإسرائيلي واضحاً، وهو الأمر الذي يحتاج لوقفة تحليلية. فماذا في الأهمية العامة لمعركة الموصل وأسباب اهتمام الأطراف بها؟ وكيف أكسبت العملية نفسها أهمية؟ وكيف يمكن توصيف التعاطي الإعلامي الإسرائيلي مع العملية؟ وما هي بعض أسباب ذلك والأهداف والدلالات؟

عملية الموصل وأسباب اهتمام الأطراف بها

لا بد أولاً من التمهيد عبر التعريف بكيفية تعاطي الأطراف مع معركة الموصل. وهو ما يفرض لِحاظ حقيقتين أساسيتين:

الحقيقة الأولى: تعتبر الموصل من الناحية الجغرافية صلة وصلٍ بين العراق وسوريا وتركيا بالإضافة الى إقليم كردستان. وبالتالي فإن لهذه الجغرافيا أهمية تكمن في أن النتائج المتصلة بها، لا تتعلق فقط بطرف العراق، بل ستمتد بتأثيرها على الأطراف الأخرى المعنية بشكل مباشر وهي سوريا وتركيا والإقليم الكردي، ومن خلفهم الجهات التي ترى مصالحها على أساس مصالح الحلفاء أو الخصوم أو الأعداء في السياسة الدولية. مما يجعل العملية، بخصوصيتها، محط إهتمام أصحاب العلاقة المباشرة بالنتائج الى جانب أصحاب العلاقة غير المباشرة وهي الأطراف الدولية المعنية بالملف، وتحديداً إيران وروسيا وأمريكا الى جانب الكيان الإسرائيلي الذي يُعتبر طرفاً يتأثر بالنتائج.

الحقيقة الثانية: ربطاً بما تقدم، لا بد من التأكيد على أن المصالح الدولية اليوم باتت تتعلق وترتبط ببعضها، مما يجعل الأمن القومي لأي بلدٍ فاعلٍ على الصعيد الإقليمي والدولي أمراً يتصل بمصالح الأطراف الأخرى. لكن سلوك الدول والأطراف، يختلف فيما بينها، حيث يبدو واضحاً أن الأسلوب الذي تعتمده السياسة الأمريكية وحلفاؤها يختلف في مقاربة الأمور عن سلوك روسيا. كما أن المبادئ التي تنطلق منها إيران، تختلف عملياً مع كافة الأطراف الدولية. لنقول إن احتدام المصالح لا يعني أن منطلقات الأطراف واحدة. فيما باتت معركة الموصل معركة مهمة ومفصلية، يَنظر لها كلُّ طرفٍ من خلال منظوره لكيفية تحصين أمنه القومي، مع لِحاظ الفوارق والإختلاف في الأهداف والتكتيكات.

كيف أكسبت المعركة نفسها أهمية؟

عدد من المسائل التي ترتبط بالمعركة بشكل مباشر، تُكسبها أهمية نوجزها عبر ذكر التالي:

أولاً: تُعتبر مدينة الموصل والتي أعلن أبو بكر البغدادي منها ولادة دولة الخلافة مركز الثقل بالنسبة لتنظيم داعش الإرهابي. مما جعلها معركة مفصلية تتعلق بوجود داعش وليس فقط بجغرافية نفوذه العسكرية.

ثانياً: بدا واضحاً أن معركة الموصل كشفت نوايا الأطراف خصوصا تلك التي تدَّعى الحرب على الإرهاب كأمريكا وحلفائها ومن بينهم الكيان الإسرائيلي، والأطراف الأخرى التي تسعى فعلاً للقضاء على الإرهاب كروسيا وإيران وحلفائهم. مما جعل تكتيكات التعاطي مع العملية صعبة وبحاجة لدراسة.

ثالثاً: إن مجريات المعركة وما نتج عنها، على الصعيد السياسي والعسكري، أعاد خلط الأوراق. خصوصاً لناحية الحشد العسكري العراقي الكبير، والذي بلغ قرابة 90 ألف مقاتل من كافة الفصائل العسكرية. مما أكسب العملية أهمية. الى جانب أن خسارة التنظيم الإرهابي لما يقارب 800 كم من الأراضي التي كان يُسيطر عليها منذ بدء المعركة حتى الآن، جعل تفاصيل المعركة تدخل حسابات الجميع.

رابعاً: بات مشروع القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، محط اهتمام الغرب وتحديداً الجانب الأوروبي والذي يجب اعطاؤه مساحة مُتميزة عن أمريكا في هذا الخصوص. وهو الأمر الذي جعل لعملية الموصل أهمية، تكمن في سعي الغرب للقضاء على الإرهاب ليس حرصاً على مصلحة العراق بل منعاً لتصدير الإرهابيين إليه.

خامساً: إن مسألة الفشل في إدارة الإرهاب والتي عملت أمريكا وحلفاؤها العرب عليها بالإضافة الى تل أبيب، أوجدت واقعاً من الخوف تجاه هذه الجماعات. وهو ما يدفع الطرف الإسرائيلي، لترقُّب معركة الموصل بشكل مباشر، خوفاً من انتقال هذه الجماعات الى سوريا وتشكيلها تهديداً للجانب الإسرائيلي بعد أن باتت عدو الجميع المشترك وهو ما أكدته دراسة لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي تناولت الحديث عن تمدد الجماعات التكفيرية وأثرها على الحدود الفلسطينية السورية المشتركة.

التعاطي الإسرائيلي الإعلامي الحالي مع عملية الموصل

بعد أن بيَّنا منطلقات الأطراف في التعاطي والنظر لعملية الموصل، لا بد من الوقوف عند كيفية التعاطي الإسرائيلي، وأسباب إيلائه العملية أهمية كبيرة. وهنا نُشير للتالي:

أولاً: على الرغم من كثرة الأزمات في المنطقة، وتحديداً أزمات ما سُمي بالربيع العربي، لم تكن هذه الملفات حديث الإعلام الإسرائيلي كما يجري اليوم مع معركة الموصل. حيث نجد أن التغطية للمعركة مباشرة ومن داخل المناطق الكردية، وليس عبر نقل أخبار الأحداث فقط.

ثانياً: يؤكد المتابعون للإعلام والصحافة الإسرائيلية أن التوصيف الإسرائيلي للمعركة، لا يقل عن اعتبارها بأنها تُحدد مستقبل العراق سياسياً، ودوره الإقليمي في الشرق الأوسط.

الأسباب، الأهداف

أولاً: يمكن ملاحظة العديد من الأسباب التي تقف خلف الإهتمام الإسرائيلي. نذكر منها:

السعي لتفكيك العراق: وهو الأمر الذي شكَّل محور تصريحات وتخطيط المسؤولين الإسرائيليين. حيث أكدت وثيقة نشرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن شيمون بيريز أشار للطرف الأمريكي عن نيته دعم السياسات والمساعي الهادفة لتقسيم العراق، وهو ما يحتاج لدعم الأكراد ومنحهم الإنفصال! وقد أشار أفيغدور ليبرمان منذ فترة الى أن مستقبل العراق سيشهد تقسيماً تدعم فيه تل أبيب إقامة الدولة الكردية. وبالتالي فإن ارتباط معركة الموصل بمستقبل الأكراد يُعتبر أحد أسباب الإهتمام الإسرائيلي.

الإهتمام بالحليف الكردي: كما أشرنا أعلاه فإن المشروع التقسيمي للعراق لا يمكن أن يحصل إلا عبر دعم الأكراد. وهو الأمر الذي يطرح للنقاش العلاقة الإسرائيلية الكردية والتي بدأت أواخر العام 2008 وتواصلت عبر التعاون النفطي القائم، مع الإشارة الى أن ما يزيد عن 70% من واردات النفط الإسرائيلية تأتي من إقليم كردستان في العراق.

ثانياً: لجهة الأهداف يمكن الوقوف عند التالي:

تقسيم جغرافيا أقوى الأطراف العربية وتحديداً العراق وسوريا: إن من ضمن أهداف الكيان الإسرائيلي العمل على إضعاف الدول العربية التي ما تزال ضمن محور الممانعة أو المقاومة ضد الإحتلال، وهو ما يشمل حتماً العراق وسوريا. لذلك فإن العمل على تقسيم العراق وسوريا، سيُضعف هذه الدول، وسيُغرق قدراتها العسكرية عبر استنزاف جيوشها في معارك داخلية.

دعم الأطراف المنفتحة على العلاقة مع الكيان الإسرائيلي: إن العمل على تقوية العلاقات مع الأطراف التي تصفها تل أبيب والسياسة الأمريكية بالإعتدال هو من أهم أهداف الإحتلال الإسرائيلي. الأمر الذي يتماشى مع ضرورة حماية مصالح هذه الأطراف. وهو ما يجعل أي معركة مفصلية كالموصل، محط اهتمام تل أبيب. كما أن الطرف الإسرائيلي بات في موقع المُضطر للعمل على حماية الأطراف المنفتحة على العلاقة معه.

دلالات مهمة وخاتمة

لا شك أن معركة الموصل المحتدمة تمثل أهمية للعديد من الأطراف والدول. لكن اهتمام الكيان الإسرائيلي، يعني الكثير من الدلالات. حيث لم يعد بمقدور تل أبيب الإعتماد على السياسة الأمريكية لتأمين مصالحها. بل بات النزول الى الميدان أمراً ضرورياً. فالصراعات المعقدة لم تعد تسمح بالبقاء بعيداً عن مجريات الأحداث، كما أن الوضع الأمريكي لم يعد يسمح بالإعتماد على واشنطن لتأمين مستقبل الكيان الإسرائيلي بالمفهوم الصهيوني. في حين تستشعر القيادة الإسرائيلية أن المخاطر أصبحت أكثر من الفرص،  ونقاط القوة لا بد أنها أقل من نقاط الضعف. لنقول إن الحضور الإعلامي الميداني الإسرائيلي في معركة الموصل، لن ينفع الأهداف والأسباب الإسرائيلية. وإن أهم ما كشفه ذلك، هو: كيف باتت تل أبيب مُضطرة للنزول الى الميدان؟!

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...