ابصار العين في انصار الحسين عليه وعليهم السلام
21 مارس,2017
الاسلام والحياة
1,338 زيارة
حبيب بن مظهر
هو حبيب بن مظهر بن رئاب بن الأشتر بن جخوان بن فقعس بن طريف بن
عمرو بن قيس بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد ، أبو القاسم الأسدي الفقعسي .
كان صحابيا رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ذكره ابن الكلبي ( 2 ) ، وكان ابن عم ربيعة بن حوط بن
رئاب المكنى أبا ثور الشاعر الفارس .
قال أهل السير : إن حبيبا نزل الكوفة ، وصحب عليا ( عليه السلام ) في حروبه كلها ، وكان
من خاصته وحملة علومه .
وروى الكشي عن فضيل بن الزبير ( 1 ) قال : مر ميثم التمار على فرس له فاستقبله
حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد فتحادثا حتى اختلف عنقا فرسيهما ،
ثم قال حبيب : لكأني بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق ، قد صلب
في حب أهل بيت نبيه ، فتبقر بطنه على الخشبة . فقال ميثم : وإني لأعرف رجلا
أحمر له ضفيرتان ، يخرج لنصرة ابن بنت نبيه فيقتل ويجال برأسه في الكوفة . ثم
افترقا ، فقال أهل المجلس : ما رأينا أكذب من هذين . قال : فلم يفترق المجلس حتى
أقبل رشيد الهجري فطلبهما ، فقالوا : افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا . فقال رشيد :
رحم الله ميثما نسي ويزاد في عطاء الذي يجئ بالرأس مأة درهم . ثم أدبر ، فقال
القوم : هذا والله أكذبهم . قال : فما ذهبت الأيام والليالي حتى رأينا ميثما مصلوبا على
باب عمرو بن حريث . وجئ برأس حبيب قد قتل مع الحسين ( عليه السلام ) ، ورأينا كلما
قالوا ( 2 ) .
وذكر أهل السير : أن حبيبا كان ممن كاتب الحسين ( عليه السلام ) ( 3 ) .
قالوا : ولما ورد مسلم بن عقيل إلى الكوفة ونزل دار المختار وأخذت الشيعة
تختلف ( 4 ) إليه ، قام فيهم جماعة من الخطباء تقدمهم عابس الشاكري ، وثناه حبيب
فقام وقال لعابس بعد خطبته : رحمك الله لقد قضيت ما في نفسك بواجز من القول
وأنا والله الذي لا إله إلا هو لعلى مثل ما أنت عليه .
قالوا : وجعل حبيب ومسلم ( 1 ) يأخذان البيعة للحسين ( عليه السلام ) في الكوفة حتى إذا دخل
عبيد الله بن زياد الكوفة وخذل أهلها عن مسلم وفر أنصاره حبسهما عشائرهما
وأخفياهما ، فلما ورد الحسين كربلا خرجا إليه مختفيين يسيران الليل ويكمنان
النهار حتى وصلا إليه .
وروى ابن أبي طالب أن حبيبا لما وصل إلى الحسين ( عليه السلام ) ورأى قلة أنصاره
وكثرة محاربيه ، قال للحسين : إن ههنا حيا من بني أسد فلو أذنت لي لسرت إليهم
ودعوتهم إلى نصرتك ، لعل الله أن يهديهم ويدفع بهم عنك . فأذن له الحسين ( عليه السلام )
فسار إليهم حتى وافاهم فجلس في ناديهم ووعظهم ، وقال في كلامه : يا بني أسد ، قد
جئتكم بخير ما أتى به رائد قومه ، هذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن فاطمة
بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد نزل بين ظهرانيكم في عصابة من المؤمنين ، وقد أطافت به
أعداؤه ليقتلوه ، فأتيتكم لتمنعوه وتحفظوا حرمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيه ، فوالله لئن
نصرتموه ليعطينكم الله شرف الدنيا والآخرة ، وقد خصصتكم بهذه المكرمة ، لأنكم
قومي وبنو أبي وأقرب الناس مني رحما . فقام عبد الله بن بشير الأسدي وقال : شكر
الله سعيك يا أبا القاسم ، فوالله لجئتنا بمكرمة يستأثر بها المرء الأحب فالأحب ، أما
أنا فأول من أجاب ، وأجاب جماعة بنحو جوابه فنهدوا مع حبيب ، وانسل منهم
رجل فأخبر ابن سعد ، فأرسل الأزرق في خمسمائة فارس فعارضهم ليلا ومانعهم
فلم يمتنعوا فقاتلهم ، فلما علموا أن لا طاقة لهم بهم تراجعوا في ظلام الليل وتحملوا
عن منازلهم . وعاد حبيب إلى الحسين ( عليه السلام ) فأخبره بما كان . فقال ( عليه السلام ) : * ( وما
تشاؤون إلا أن يشاء الله ) * ولا حول ولا قوة إلا بالله ( 1 ) .
وذكر الطبري : أن عمر بن سعد لما أرسل إلى الحسين ( عليه السلام ) كثير بن عبد الله الشعبي
وعرفه أبو ثمامة الصائدي فأعاده أرسل بعده ( قرة بن قيس الحنظلي ) ( 2 ) فلما رآه
الحسين ( عليه السلام ) مقبلا قال : أتعرفون هذا ؟ فقال له حبيب : نعم ، هذا رجل تميمي من
حنظلة وهو ابن أختنا ، وقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا
المشهد ، قال : فجاء حتى سلم على الحسين ( عليه السلام ) وأبلغه رسالة عمر ، فأجابه
الحسين ( عليه السلام ) ، قال : ثم قال له حبيب : ويحك يا قرة أين ترجع ، إلى القوم الظالمين ؟
انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة وإيانا معك ، فقال له قرة : أرجع إلى
صاحبي بجواب رسالته وأرى رأبي ( 3 ) .
وذكر الطبري أيضا قال : لما نهد القوم إلى قتال الحسين ( عليه السلام ) قال له العباس :
يا أخي أتاك القوم ، قال : إذهب إليهم وقل لهم ما بدا لكم ؟ فركب العباس وتبعه جماعة
من أصحابه فيهم حبيب بن مظهر ، وزهير بن القين ، فسألهم العباس فقالوا : جاء أمر
الأمير بالنزول على حكمه أو المنازلة ، فقال لهم : لا تعجلوا حتى أخبر أبا عبد الله ثم
ألقاكم . فذهب إلى الحسين ( عليه السلام ) ووقف أصحابه ، فقال حبيب لزهير : كلم القوم إذا
شئت . فقال له زهير : أنت بدأت بهذا فكلمهم أنت . فقال لهم حبيب : معاشر القوم إنه
والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون على الله ، وقد قتلوا ذرية نبيه ، وعترته
وأهل بيته ، وعباد أهل هذا المصر المجتهدين بالأسحار ، والذاكرين الله كثيرا . فقال له
عزرة بن قيس : إنك لتزكي نفسك ما استطعت ( 1 ) . فأجابه زهير بما يأتي .
وروى أبو مخنف : أن الحسين ( عليه السلام ) لما وعظ القوم بخطبته التي يقول فيها : ” أما
بعد ، فانسبوني من أنا وانظروا ” إلى آخر ما قال . اعترضه شمر بن ذي الجوشن فقال :
هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول ، فقال حبيب : أشهد أنك تعبد الله على
سبعين حرفا ، وأنك لا تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك ، ثم عاد الحسين ( عليه السلام )
إلى خطبته ( 2 ) .
وذكر الطبري ( 3 ) وغيره ( 4 ) أن حبيبا كان على ميسرة الحسين ( عليه السلام ) وزهيرا على
الميمنة وأنه كان خفيف الإجابة لدعوة المبارز ، طلب سالم مولى زياد ويسار مولى
ابنه عبيد الله مبارزين وكان يسار مستنتل أمام سالم فخف إليه حبيب وبرير
فأجلسهما الحسين . وقام عبد الله بن عمير الكلبي فأذن له كما سيأتي .
قالوا : ولما صرع مسلم بن عوسجة مشى إليه الحسين ( عليه السلام ) ومعه حبيب ، فقال
حبيب عز علي مصرعك يا مسلم ، أبشر بالجنة . فقال له مسلم قولا ضعيفا : بشرك الله
بخير . فقال حبيب : لولا أني أعلم أني في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت
أن توصي إلي بكل ما أهمك حتى أحفظك في كل ذلك بما أنت له أهل من الدين
والقرابة . فقال له : بلى أوصيك بهذا رحمك الله ، وأومأ بيديه إلى الحسين ( عليه السلام ) أن
تموت دونه ، فقال حبيب : أفعل ورب الكعبة ( 5 ) .
قالوا : ولما استأذن الحسين ( عليه السلام ) لصلاة الظهر وطلب منهم المهلة لأداء الصلاة قال
له الحصين بن تميم : إنها لا تقبل منك ! فقال له حبيب : زعمت لا تقبل الصلاة من آل
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتقبل منك يا حمار ! فحمل الحصين وحمل عليه حبيب ، فضرب حبيب
وجه فرس الحصين بالسيف فشب به الفرس ووقع عنه فحمله أصحابه واستنقذوه ( 1 ) .
وجعل حبيب يحمل فيهم ليختطفه منهم وهو يقول :
أقسم لو كنا لكم أعدادا * أو شطركم وليتم أكتادا
يا شر قوم حسبا وآدا
ثم قاتل القوم فأخذ يحمل فيهم ويضرب بسيفه وهو يقول :
أنا حبيب وأبي مظهر * فارس هيجاء وحرب تسعر
أنتم أعد عدة وأكثر * ونحن أوفى منكم وأصبر
ونحن أعلى حجة وأظهر * حقا وأتقى منكم وأعذر
ولم يزل يقولها حتى قتل من القوم مقتلة عظيمة ، فحمل عليه بديل بن صريم
العقفاني فضربه بسيفه ، وحمل عليه آخر من تميم فطعنه برمحه فوقع ، فذهب ليقوم
فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف قسقط ، فنزل إليه التميمي فاحتز رأسه ،
فقال له الحصين : إني شريكك في قتله . فقال الآخر : والله ما قتله غيري . فقال
الحصين : أعطنيه أعلقه في عنق فرسي كيما يراه الناس ويعلموا أني شركت في
قتله ، ثم خذه أنت فامض به إلى عبيد الله بن زياد فلا حاجة لي فيما تعطاه على قتلك
إياه ، فأبى عليه فأصلح قومهما فيما بينهما على ذلك ، فدفع إليه رأس حبيب فجال به
في العسكر قد علقه بعنق فرسه ، ثم دفعه بعد ذلك إليه فأخذه فعلقه في لبان فرسه ،
ثم أقبل به إلى ابن زياد في القصر فبصر به ابن حبيب القاسم وهو يومئذ قد راهق ،
فأقبل مع الفارس لا يفارقه كلما دخل القصر دخل معه ، وإذا خرج خرج معه
فارتاب به ، فقال : ما لك يا بني تتبعني ؟ قال : لا شئ ، قال : بلى يا بني فأخبرني ، قال :
إن هذا رأس أبي أفتعطينيه حتى أدفنه ؟ قال : يا بني لا يرضى الأمير أن يدفن ، وأنا
أريد أن يثيبني الأمير على قتله ثوابا حسنا . فقال القاسم : لكن الله لا يثيبك على ذلك
إلا أسوأ الثواب ، أم والله لقد قتلته خيرا منك ، وبكى ثم فارقه ، ومكث القاسم حتى
إذا أدرك لم تكن له همة إلا اتباع أثر قاتل أبيه ليجد منه غرة فيقتله بأبيه ، فلما كان
زمان مصعب بن الزبير وغزا مصعب باجميرا دخل عسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في
فسطاطه ، فأقبل يختلف في طلبه والتماس غرته ، فدخل عليه وهو قائل نصف النهار
فضربه بسيفه حتى برد ( 1 ) .
وروى أبو مخنف : أنه لما قتل حبيب بن مظهر هد ذلك الحسين ( عليه السلام ) وقال : ” عند
الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي ” ( 2 ) .
وفي ذلك أقول :
إن يهد الحسين قتل حبيب * فلقد هد قتله كل ركن
بطل قد لقى جبال الأعادي * من حديد فردها كالعهن
لا يبالي بالجمع حيث توخى * فهو ينصب كانصباب المزن
أخذ الثأر قبل أن يقتلوه * سلفا من منية دون من
قتلوا منه للحسين حبيبا * جامعا في فعاله كل حسن
( ضبط الغريب )
مما وقع هذه الترجمة :
( مظهر ) : بضم الميم وفتح الظاء المعجمة بزنة محمد على الأشهر ، ويضبط بالطاء
المهملة في بعض الأصول ، ويمضى على الألسن وفي الكتب مظاهر ، وهو خلاف
المضبوط قديما .
( نهد ) : نهض . ( ظهرانيكم ) : يقال : هو بين ظهرانيكم وبين ظهريكم وبين أظهركم ،
فالأولى بفتح النون ولا تكسر ، والثانية بصورة التثنية كالأولى ، والثالثة بصورة
الجمع ، كل ذلك بمعنى في وسطكم وبين معظمكم .
( مستنتل ) : بالميم والسين والنون بين التائين المثناتين فوق بمعنى متقدم عليه .
( أكتادا ) : جمع كتد وهو : مجتمع الكتفين من الإنسان وغيره .
( آد ) : في قوله : ( حسبا وآدا ) : بمعنى القوة .
( العقفاني ) : بالعين المهملة والقاف والفاء نسبة إلى عقفان بضم العين حي من
خزاعة .
( باجميرا ) : بالباء المفردة والجيم المضمومة والميم المفتوحة والياء المثناة تحت
والراء المهملة والألف المقصورة ، موضع من أرض الموصل كان مصعب بن الزبير
يعسكر به في محاربة عبد الملك بن مروان حين يقصده من الشام أيام منازعتهما في
الخلافة .
2017-03-21