الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / توجيهات أخلاقية 17- نموذج معركة أُحُد

توجيهات أخلاقية 17- نموذج معركة أُحُد

 “كيف يُقعِد الذنب الإنسان؟ مثلاً في معركة أُحُد تحوّل الانتصار إلى هزيمة بسبب التقصير الجماعيّ للمسلمين. أي أنّ المسلمين انتصروا في البداية، لكنّ الرماة الّذين يُفترض أنْ يبقوا عند شقّ الجبل ليحفظوا ظهر الجبهة من النفوذ والتسلُّل، طمعوا بالغنائم وتركوا متاريسهم وتوجّهوا نحو الساحة، فالتفّ العدوّ من الخلف ونفّذ هجومه، فمزّق المسلمين وكانت هزيمة أُحُد بسبب ذلك. وقد تحدّثت عشرة أو اثنتا عشرة آية من سورة آل عمران عن قضيّة الهزيمة تلك، لأنّ المسلمين كانوا يعيشون اضطراباً شديداً بسبب تلك الهزيمة، وكانت ثقيلة عليهم كثيراً، فجاءت آيات القرآن تلك لتهبهم الاطمئنان وتهديهم، ولتُفهمهم سبب هزيمتهم وسبب ذلك الضعف، إلى أن يصل إلى الآية الشريفة: “إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا”10 ، أي ما رأيتموه في معركة أُحُد من استدبار بعضكم للعدوّ وتسبّب بالهزيمة

9- أخلاق ومعنويت (فارسي)، ص165.

10-سورة آل عمران، الآية: 155.

 

 كانت له أسبابه ومقدّماته، فكان هؤلاء يُعانون من ضعفٍ داخليٍّ، فقد أزلّهم الشيطان بمساعدة الأعمال الّتي كانوا قد ارتكبوها من قبل، أي إنّ ذنوبهم السابقة قد تظهر آثارها في الجبهة، في الجبهة العسكريّة أو السياسيّة أو عند مواجهة العدوّ أو عند ممارسة البناء أو في ممارسة التعليم والتربية، وحيث تجب الاستقامة، وحيث يجب الفهم والإدراك الدقيق، وحيث يجب أنْ يكون الإنسان كالفولاذ يقطع ويتقدّم ولا تقف الموانع بوجهه. طبعاً تلك هي الذنوب الّتي لم تمحها التوبة النصوح والاستغفار الحقيقيّ.

 

في نفس السورة هناك آية أخرى تُبيّن هذا المعنى بصورة أخرى. القرآن يُريد أنْ يقول لا عجب أنّكم تلقّيتم الهزيمة وواجهتم مشكلة في جبهة الحرب، فمثل هذه الأمور تحصل، وقد حصلت من قبل، فيقول: “وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ”11 أي ما الّذي دهاكم وأصابكم من تزلزل وأشعَرَ بعضكم بالضعف واليأس بسبب هزيمتكم في معركة أُحُد؟ فالأنبياء السابقون قد تعرّضوا لحوادث أيضاً في ساحة الحرب لكنّهم لم يضعفوا ويهنوا بسبب ما أصابهم، ثُمّ يقول: “وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا…”12.

 

أي إنّ أصحاب الأنبياء كانوا إذا واجهوا المصائب في الحروب والحوادث المختلفة، كانوا يتوجّهون إلى الدعاء إلى الله ويقولون: “رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا”، وهذا يدلّ على أنّ الحوادث والمصائب ناتجة أساساً عن الذنوب الّتي يحتطبها الإنسان. تلك هي قضيّة الذنوب”13.

11- سورة آل عمران، الآية: 146.

12-سورة آل عمران، الآية: 147.

13- خلاق ومعنويت (فارسي)، ص165.

 

شاهد أيضاً

نهج البلاغة – خطب الإمام علي (عليه السلام)

(باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام)  (ومواعظه ويدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله) ...