بالورود والزغاريد ورصاص الفرح، استقبل السوريون أهلهم الخارجين من بلدتي الفوعة وكفريا، بعد حصارٍ دام عامينِ كاملين، حصارٌ تتناسب قسوته مع حجم الابتسامة البادية على وجوه الأهالي، وهم ينظرون من نافذة الحرية.
شوقٌ كبيرٌ في القلوب بانتظار نزول الأهالي من الحافلات، ليبدأ بعدها عناق الأحبة ترافقه دموع الفرح، وتلتقي الأمهات بأبنائها بعد لوعة دامت طويلاً.
حالاتٌ صحية صعبة وصلت مع أهالي الفوعة وكفريا إلى حلب، بعد تدمير جميع المشافي وفقدان الدواء من البلدتين ومنع دخول المعدات الطبية من قبل الإرهابيين، إضافة إلى وصول حالات حرجة ومزمنة كانت تنتظر في حصارها الموت المحتم.
فور دخول الأهالي إلى مراكز الإيواء المجهزة، تم تقديم المساعدات الطبية والأغذية اللازمة للجميع، لينعم الأطفال بقليل من الراحة بعد أن حرموا منها طويلاً كما روته لنا الأمهات.
وتصف لنا إحدى الأمهات بحرقةٍ معناة أطفالها أثناء الحصار وتقول: “أطفالنا كانوا ينامون يومياً جوعى، وعندما يبكي الطفل في الفوعة تقول له الأم: هيا نم يا صغيري، فيجيبها بأنه لا يستطيع النوم لأن بطنه تؤلمه”
تتابع الأم: ” يكون ألم بطنه بسبب الجوع، فلا ينام إلا على أثر البكاء بعد صفعه”.
وتضيف الأم: “إحدى جاراتي كانت مسرورة عندما حصلت على علبة “سيتامول” (دواء مسكّن للألم)، لتعطي أولادها جرعة عندما يشعرون بالألم بسبب الجوع، علّهم ينامون عندما تحت تأثير الجرعة، وترتاح بعدها من بكائه.
وتلاحظ مراسلة تسنيم تفاحة وبرتقالة في يد الطفل الصغير وتسأل الأم: كم مضى من الوقت ولم تأكلوا تفاحاً أو برتقالاً؟ فتجيب الأم: ” منذ بداية الحصار” تتابع الأم: ابني كان ينظر الآن إلى البرتقالة، ويسألني: ماما هل آكلها هكذا؟” فتسأل المراسلة ” كيف يعني “هكذا”؟ فتجيب الأم “يعني أن يأكلها مع قشرها، لأنه نسيها ولا يعرف ما هذه، فقد كان عمره سنتان عندما فرض علينا الحصار.”
أمنية وحيدة نقلها لنا الأهالي المحررين من الأسر؛ فكّ الحصار عمن تبقى في الداخل.
تقول إحدى الفتيات الخارجات من الفوعة متوسلة: “نتمنى عليكم أن تفكوا الحصار عن أهلنا في الفوعة لأن هناك مأساة حقيقية من الجوع والمرض وضرب القذائف، وأقول لكم أن فرحتنا لا تكتمل حتى يخرج شباب أهل الفوعة.”
امرأة طاعنة في السن تحكي لنا قصتها والدموع تملأ وجنتيها: “لقد تركت أهلي وجئت إلى هنا بسبب الظلم الذي يمارسونه (الإرهابيون) علينا، وأتمنى من الله أن ينصركم ويمكنكم من فتح الطريق لمن تبقى من الشباب، هذا فقط ما أتمناه من الله.”
وتضيف إحدى الأمهات: “لا يوجد طعام أو شراب، حتى العلاج فقدناه، وأطفالنا وشبابنا تموت تحت الأنقاض، نسلّم أمرنا إلى الله، ونطلب من شعبنا وجيشنا أن يحرر من تبقى بالفوعة وكفريا ونرجوا من الله أن يفرّج عن أهل الفوعة”
حديث بريء لطفلة كانت خارجة مع أمها، تسألها مراسلة تسنيم: ماذا كنت تأكلين في الفوعة؟ تجيب الطفلة بابتسامة تخفي وراءها الكثير من الألم: “لم يكن لدينا شيء لنأكله”، ولدى سؤالها عن أمنيتها لمن تبقى من أهلها قالت: أتمنى أن يخرجوا منصورين.