الرئيسية / تقاريـــر / اللغز شرق الأوسطي – اميلي لانداو

اللغز شرق الأوسطي – اميلي لانداو

كان امتناع إدارة أوباما عن الرد على النشاطات الإيرانية مريح جداً بالنسبة لها – ليس كنافذة لإحداث تغيير في العلاقات الثنائية بل كتعبير عن ضعف أميركي يمكن استغلاله للدفع باتجاه تحقيق أهداف إيران وتعزيز مكانتها الإقليمية. وفي كل مرة كانت الإدارة الأميركية لا ترد فيها على الاستفزاز الإيراني، كانت قدرة الردع الإيرانية تتعزز، وكانت القدرة المقابلة للولايات المتحدة الأميركية تتعرض لضربة جديدة.
تغيير الاتجاه في النهج المتبع حيال إيران هو أمر مرحب به، رغم أنه لا يزال من المبكر تحديد آمال نجاحه على المدى البعيد
بالنسبة لإدارة أوباما، لم تكن المفاوضات مع إيران حول القضية النووية – والاتفاق الذي تم التوصل إليه – لم تكن قضية نووية وحسب. فعلى الرغم من تصريحاته الواضحة حول نيته معالجة القضية النووية فقط إلا أن الرئيس السابق أوباما كان يريد الأكثر دائماً. فهو أراد أن يُظهر لإيران أنه مستعد للتعاون وللحلول الوسط، إلى جانب إظهار الاحترام لها، بدون وضع إيران أمام ماضيها الإشكالي في المجال النووي.
وقد كان يُنظر بالفعل إلى الاتفاق النووي، من قبل الإدارة، على أنه إنجاز مضاعف – تحقيق هدفين رئيسيين على صعيد السياسة الخارجية: منع التسلح النووي، ومد يد السلام إلى أعداء الولايات المتحدة الأميركية. وعلى الرغم من أن الاتفاق إشكالي جداً، وعلى الرغم من أنه لم تكن هناك أية إشارة على التغيير المأمول في العلاقات بين الدولتين، إلا أن الإدارة أصرت منذ لحظة التوصل إلى الاتفاق على أن تتعامل مع إيران وكأنها قد غيرت توجهها. وحتى عندما واصلت إيران التصرف بعدوانية في المنطقة، واستفزت الولايات المتحدة الأميركية، فقد عارضت الإدارة التصرف على نحو قد يعكر الأجواء ويدفع إيران إلى فقدان الثقة، وحتى إلى التخلي عن الاتفاق. وكان من المأمول أن تُظهر إيران امتنانها على ذلك وترد بما يتناسب معه. إلا أن إيران لم تتعاون مع هذه الخطة.
ولم يبشر الاتفاق النووي بتغيير في المصالح الإيرانية في السياق النووي، أو في نواياها على المدى البعيد. فقد أوضح القائد الأعلى أن النظام ليس معنياً بإبداء أي تعاون مع الولايات المتحدة الأميركية خارج ما هو مطلوب في الاتفاق النووي. وكان امتناع إدارة أوباما عن الرد على النشاطات الإيرانية مريح جداً بالنسبة لها – ليس كنافذة لإحداث تغيير في العلاقات الثنائية بل كتعبير عن ضعف أميركي يمكن استغلاله للدفع باتجاه تحقيق أهداف إيران وتعزيز مكانتها الإقليمية.
وفي كل مرة كانت الإدارة الأميركية لا ترد فيها على الاستفزاز الإيراني، كانت قدرة الردع الإيرانية تتعزز، وكانت القدرة المقابلة للولايات المتحدة الأميركية تتعرض لضربة جديدة. “تحت التحذير”سيعقد معهد أبحاث الأمن القومي يوم غد ندوة تحت عنوان “إيران في عصر إستراتيجي جديد في الشرق الأوسط”. والتحدي الذي تواجهه إدارة ترامب يتمثل بإعادة الردع المفقود. وكان الامتحان الأول قد حدث قبل أقل من أسبوعين من اليوم الذي أدى فيه الرئيس يمين القسم، وذلك عندما أجرت إيران تجربة أخرى على صاروخ باليستي  قادر على حمل رأس نووي. وقد جاء رد الإدارة على هذه التجربة سريعاً وقاطعاً، وأشار إلى حدوث تغيير حاد فى النهج. إذ فُرضت عقوبات، وتم أيضاً نقل رسالة إلى إيران مفادها أنها موجودة “تحت التحذير”، وأنه ليس في نية الإدارة أن تتجاهل أكثر من ذلك أفعالها الاستفزازية.
وعندما كُتبت في الصحافة الإيرانية المقالات التي حذرت من أي فعل قد يوفر للرئيس الجديد “الذريعة” لشن هجوم، كان من الواضح أن الرسالة الردعية قد وصلت. وعلى الرغم من أن الإدارة قد عملت على النحو المطلوب، إلا أنه قد تم توجيه النقد لها داخل الولايات المتحدة الأميركية بدعوى أن خطابها ناري. إلا أن الرد على دولة عدوانية ومستفزة مثل إيران يتطلب إعلاناً للنوايا وإظهاراً للإصرار. وبالذات، فإن التهديد غير الصريح للإدارة قد بعث برسالة ردع بدون أي حماس.
وأساس الردع يتمثل في أن إيران لا تعرف ما هي العملية الاستفزازية، من جانبها، التي قد تستجر رداً أميركياً، وبذلك تتقوض ثقتها بالنفس. وهذه نتيجة مرغوبة. ليس هناك، بطبيعة الحال، أية إستراتيجية تخلو من المخاطر. ومن الواضح أن إيران تستطيع الاستمرار بالاستفزاز، وأن توصل الأمور إلى حد المواجهة الحقيقية. إلا أن البديل المتمثل بعدم فعل أي شيء سيمكّن إيران، بل حتى أنه سيشجعها، على التمادي في قوتها أكثر وأكثر.
وفي نهاية المطاف سيكون من الصعب وقفها بدون مواجهة، مع احتمال حدوث ضرر كبير لا يمكن تقديره. أو أن تحصل على سلاح نووي، ولا يكون بالإمكان عندها وقفها نهائياً. إن تغيير الاتجاه في النهج المتبع حيال إيران هو أمر مرحب به، رغم أنه لا يزال من المبكر تحديد آمال نجاحه على المدى البعيد. والنجاح يقتضي أن يبقى انتباه الرئيس منصباً على ضرورة وقف إيران. وستكون إدارة ترامب مضطرة، في هذا السياق، لاختبار بقية أجزاء اللغز (البازل) شرق الأوسطي، وبخاصة إدارة علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع روسيا.  
000000

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...