الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / حول حياة الإمام محمد بن علي عليهما السلام

حول حياة الإمام محمد بن علي عليهما السلام

سلسلة أحسن القصص
(7)

رِحلَةُ عِبرَ كِتابٍ
حول حياة الإمام محمد بن علي عليهما السلام

مُقدّمة

الحمدُ لله وسلامُهُ على عبادِهِ الّذينَ اصطَفى مُحَمّدٍ وَآلِهِ الأئمّةِ المَعصُومينَ المَيامِينَ .

تَجْتَمِعُ فِي حَياةِ المَعصُومِينَ عليهم السلام .. محاسن الفَضائِلِ وَمَكارِمُ الأخلاقِ ، فَهُمْ الهُداةُ لِلبَشَرِيَّةِ ، والدُّعاةُ إلى الخَيْرِ حَيثُ اجتَباهُمُ الله واصطَفاهُمْ لِيَكُونُوا قُدْوَةً وأسوَةً حَسَنَةً ، وَقَدْ حَفَلَتْ سِيْرَتُهُمْ بِالقَصَصِ الرَوائِعِ الّتي تَدُلّ عَلى أهمّيَةِ القِيَمِ والمُثُل الرّفِيعَةِ فِي حَياةِ الأمَمِ .

وَلمّا كَانتْ سِيرتُهُم المُشرقَةُ قَدْ غَطّتْ صَفَحاتٍ طَويلةٍ مِمّا كُتِبَ عَنْهُمْ ، لِذلِكَ فَقَدْ شَرَعَتْ مُؤسَسَةُ الإمامِ عليِّ عليه السلام بإصْدارِ سِلْسِلَةٍ تَتَناسَبُ فِي أسلوب عرضها مع مستوى الناشئين باختيار مناسبة معينة من حياتهم وطرحها على شكل قصة تعميماً للفائدة العلمية وتشويقاً لأبنائنا الكرام في المزيد من المعرفة والعطاء الروحي لتراثنا الإسلامي الخالد .

داعين المولى العلي القدير أن يوفقنا إلى ما فيه خدمة آثارة السيرة المطهرة .
إنه

رحلةٌ عِبْرَ كِتْاب

كُنْتُ أَقْرأُ كِتاباً.. وَبَيْنَما أَنا أُقلِّبُ صَفَحاتِهِ.. شَعَرْتُ كَأَنّي أَدْخُلُ مَدِينةً قَدِيمَةً.. يَبْدو عَلَيها مِنْ خِلالِ مَظاهِرِها أَنّها مَدِينَةٌ إِسلامِيّةٌ.. فَالكَثِيرُ مِنَ الرِجالِ الّذِينَ كانُوا يَمُرُّونَ مِنْ أَمامِي يَرْتَدُونَ الزيَّ الاِِسلامِيَّ.. هِيَ إِذَنْ مَدينَةٌ إسلامِيّةٌ.. وَلكِنْ هُناكَ بَعضُ المَظاهِرِ الاَُخرى تَتَناقَضُ مَعَ هذا المبدأِ.. فَأَنا أَرى بَعْضَ الرِجالِ وَهُمْ يَمرُّونَ مِنْ أَمامِي سُكارى يَتَرَنَّحُونَ في مَسِيرِهُمْ..

وَتَتَعالى مِنْ أَفواهِهِمْ قَهْقَهاتُ ضَحِكٍ عاليةٌ.. وكَلماتٌ لا يُمْكِنُ أنْ تُقالُ فِي أَماكِنَ عامَّةٍ.. فَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ النِساءِ.. وَيَتَناوَلُونَ بالتَفْصِيلِ مَفاتِنَهُنَّ.. وَأَسْمَعُ مِنْ أَماكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ أَصواتَ مُوسِيقى وغِناءٍ.. وَبَيْنَما أَنا أُواصِلُ سَيْرِي وَإِذا بِي أَجِدُ نَفْسِي أَمامَ شابٍّ يَرْتَدِي الزيَّ الاِِسلاميَّ.. تَأَمَّلْتُ وَجْهَهُ وَهُوَ يَسِيرُ بِاتِّجاهِي.. كانَ يَبْدُو عَليهِ أَنَّهُ شَابٌّ مُؤَدّبٌ


     وَعَلى خُلُقٍ جَيّدٍ.. صارَ الشابُّ بالقُربِ مِنّي فَسلّمْتُ عَلَيهِ.. فَتَوَقَّفَ وَقَدْ ارتَسَمَتْ عَلى شَفَتَيْهِ ابْتِسامَةٌ لَطيفةٌ جِدّاً. وَهُوَ يقولُ لِي : ـ وعَليكَ السَلامُ ياأَخي ورحمةُ اللهِ وَبَركاتُهُ.. يَبْدُو أَنَّكَ غَريبٌ.. مَظْهَرُ مَلابِسِكَ يَدُلُّ عَلى ذلِكَ..

ـ نَعَمْ أَنا كَذلِكَ.. وَلكِنْ هذا لَيسَ مُهِمّاً يا أَخِي.. أُريدُ أن أَسأَلَكَ عَنْ هذِه المَدِينَةِ..

فَهْيَ مِنْ خِلالِ طرازِ بُيُوتِها.. وَملابِسِ رِجالِها.. يَبْدو أَنّها مَدِينَةٌ إِسلاميّةٌ.. وَلكِنِّي أُشاهِدُ بَعضَ المَظاهِرِ الّتِي تَتَناقَضُ مَعَ الاِِسْلامِ.. فَما هُوَ السَبَبُ فِي هذا.. ؟
فَجْأةً.. وَإذا بالشابِّ يَبْدو عَلْيهِ الحُزْنُ.. وَأَخَذَتِ الدُمُوعُ تَسِيلُ مِنْ عَيْنَيهِ وَهُوَ يُرَدِّدُ : ـ إِنَّهُمْ الاَُمَوِيُّونَ.. الاَُمَويُّونَ أَباحُوا لاََِنْفُسِهِمْ ما يَحْلُو لَهُمْ فِي ظِلِّ حُكْمِهِمِ..

ـ الاَُمَويُّونَ.. ؟! أَما زَالوا يَحْكُمُونَ.. ؟

قَالَ الشابُّ وَهُوَ يُجَفِّفُ دُمُوعَهُ : ـ هَلْ تَعرِفُهُمُ.. ؟

ـ لَقَدْ عَرَفْتُ عَنْهُمْ الكَثِيرَ.. وأَنا أَقرأُ عَنْ حَياةِ أَهْلِ البَيْتِ عليهم السلام . وَعَلى خُلُقٍ جَيّدٍ.. صارَ الشابُّ بالقُربِ مِنّي فَسلّمْتُ عَلَيهِ.. فَتَوَقَّفَ وَقَدْ ارتَسَمَتْ عَلى شَفَتَيْهِ ابْتِسامَةٌ لَطيفةٌ جِدّاً. وَهُوَ يقولُ لِي : ـ وعَليكَ السَلامُ ياأَخي ورحمةُ اللهِ وَبَركاتُهُ.. يَبْدُو أَنَّكَ غَريبٌ.. مَظْهَرُ مَلابِسِكَ يَدُلُّ عَلى ذلِكَ..

ـ نَعَمْ أَنا كَذلِكَ.. وَلكِنْ هذا لَيسَ مُهِمّاً يا أَخِي.. أُريدُ أن أَسأَلَكَ عَنْ هذِه المَدِينَةِ..

فَهْيَ مِنْ خِلالِ طرازِ بُيُوتِها.. وَملابِسِ رِجالِها.. يَبْدو أَنّها مَدِينَةٌ إِسلاميّةٌ.. وَلكِنِّي أُشاهِدُ بَعضَ المَظاهِرِ الّتِي تَتَناقَضُ مَعَ الاِِسْلامِ.. فَما هُوَ السَبَبُ فِي هذا.. ؟
فَجْأةً.. وَإذا بالشابِّ يَبْدو عَلْيهِ الحُزْنُ.. وَأَخَذَتِ الدُمُوعُ تَسِيلُ مِنْ عَيْنَيهِ وَهُوَ يُرَدِّدُ : ـ إِنَّهُمْ الاَُمَوِيُّونَ.. الاَُمَويُّونَ أَباحُوا لاََِنْفُسِهِمْ ما يَحْلُو لَهُمْ فِي ظِلِّ حُكْمِهِمِ..

ـ الاَُمَويُّونَ.. ؟! أَما زَالوا يَحْكُمُونَ.. ؟

قَالَ الشابُّ وَهُوَ يُجَفِّفُ دُمُوعَهُ : ـ هَلْ تَعرِفُهُمُ.. ؟

ـ لَقَدْ عَرَفْتُ عَنْهُمْ الكَثِيرَ.. وأَنا أَقرأُ عَنْ حَياةِ أَهْلِ البَيْتِ عليهم السلام .      ـ يا أَخي.. أنْتَ الآنَ فِي زَمنِ الاِمامِ مُحَمَّدٍ بنِ عليٍّ الباقِرِ عليه السلام وَها هُمْ الاَُمَويُّونَ مَازالوا يُمارِسُونَ الرَذِيلَةَ بِكُلِّ أَشْكالِها ومَظاهِرِها.. مُعْلِنِينَ الفسقَ والفجورَ في قُصورِهِمْ ونَوادِيهِمْ وأَيْنَما حَلُّوا..

انفَجَرَتْ عَيْنا الشابِّ بِالدُمُوعِ مِنْ جَدِيدٍ.. وَخَنَقَتْهُ العَبْرَةُ وَهُوَ يُحاوِلُ مُواصَلَةَ كَلامِهِ..

فَحَزِنْتُ كَثيراً لِحالِهِ.. وَبادَرْتُهُ بِالكلامِ مُحاوِلاً التَخْفِيفَ عَنْهُ : ـ هَوِّنْ عَليكَ يا أَخي..
ـ يا أَخي إنَّ مِنْ المُؤْسِفِ جِدّاً مَا يَجْرِي فِي قُصورِ هؤلاءِ الاَُمَويّين وَقَدْ أَثَّرَ عَلى الكَثيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَأَصْبَحُوا يُمارِسونَ جَمِيعَ المُنْكَراتِ.. ويَبْحَثُونَ عَنْ مَلَذّاتِ العَيْشِ وَمُغرِياتِ الدُنيا.. مَاذا يُمْكِنُ أَنْ نَفْعَلَ.. ؟ لَقَدِ اخْتارَ الحُكّامُ الاَُمَويُّونَ لِبِناءِ دَوْلَتِهِمْ شَتّى أَساليبَ العُنْفِ والظُلْمِ وَالاضْطِهادِ.. فَقَتَلُوا الاََبرياءَ والصُلَحاءَ.. وَبذَّرُوا أَمْوالَ المُسلِمِينَ فِي سَبيلِ عُرُوشِهِمْ وشَهَواتِهِمْ.. وَقَدْ ذَهَبَ العَلَوِيُّونَ وَشِيعَتُهُمْ ضَحِيّةً لِتِلْكَ السِياسةِ الخَرْقاءِ.. لاَ لِشَيْءٍ إِلاّ لاَِنَّهُمْ يَتَمَتَّعُونَ بِما يَشُدُّهُمْ إلى الناسِ.. وَيُؤَهِّلُهُمْ لِخِلافَةِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله .

ـ إِنّي عَرفْتُ عَنْ هؤلاءِ أَنَّهُمْ بَلَغُوا أَقْصى الحُدودِ فِي القَسْوَةِ عَلى أَهْلِ البَيْتِ عليهم السلام وَعلى شِيعَتِهِمْ..

وأَسْرَفُوا فِي إِراقةِ الدِماءِ وَشِراءِ الذِمَمِ.. بِالاََمْوالِ حَتّى صَارَتِ الحَياةُ مَشْحُونَةً بالظُلْمِ والفَسَادِ..

ـ وَالناسُ مَازَالُوا مُسْتَمِرِّينَ فِي خِذْلانِ أَهْلِ البَيْتِ عليهم السلام في ساعاتِ مِحْنَتِهِمْ وَهُمْ يُحاوِلونَ رَفْعَ الظُلْمِ عَنِ الضُعَفَاءِ والمَساكِينِ.. وَإنْقاذِ الاِِسلاَمِ مِنْ هذا المَصِيرِ الّذِي يُهدِّدُهُ مَعَ اسْتِمْرارِ الحُكّامِ فِي طُغْيانِهِمْ.. لَقَدْ حَدَثَ انقِلابٌ فِي التَفْكِيرِ وَفِي جَمِيعِ أَسبابِ الحياةِ.. بَرَزَتْ أَلوانٌ مِنَ النَزَعاتِ والاتّجاهاتِ تَجُرُّ وَراءها الاِِلْحادَ والزَنْدَقَةَ.. وكُلُّ هذا الّذي طَرَأَ عَلى الفِكْرِ الاِِسلاميِّ امْتَدَّ حَتّى أَصْبَحَ يُهَدِّدُ العقِيدَةَ الاِِسلامِيَّةَ فِي جَوْهَرِها.. وَهؤلاءِ الّذِينَ أَثارُوا تِلْكَ الاََفكارَ وَمَهَّدُوا لَها هُمْ أُناسٌ لاعِلاقَةَ لَهُمْ بِالاِِسلامِ.. جَرُّوا المُسلِمينَ وجَعَلُوهُمْ يَحْمِلُونَ أَفكارَهُمْ..
وَماذا كانَ دورُ الاِِمامِ الباقرِ عليه السلام إِزاءَ هذِهِ الظُروفِ..؟ فَإِنّي قَرَأْتُ عَنْهُ. وَعَرفْتُ أَنَّهُ خَلِيفةُ أَبيهِ عَليٍّ بنِ الحُسينِ عليهما السلام وَوَصِيّهِ القائِمِ بِالاِِمَامَةِ مِنْ بَعْدِهِ.. وَقَدْ بَرَزَ عَلى جَمِيعِ إِخْوَتِهِ بِالفَضْلِ والعِلْمِ والزُهْدِ والسُؤْدَدِ.. وَكَانَ أَنْبَهُهُمْ ذِكْراً . وأَجلُّهُمْ عِنْدَ العامّةِ والخَاصَّةِ.. وأَعظَمُهُمْ قَدْراً.. فَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ وُلْدِ الحَسَنِ والحُسَينِ عليهما السلام بِقَدْرِ مَا ظَهَرَ مِنَ الاِمامِ الباقرِ عليه السلام فِي مَجالِ العُلومِ والآثارِ والسُنّةِ والتَفْسِيرِ وَسائِرِ الفُنُونِ.. لِذلِكَ لُقِّبَ بِالباقِرِ لِتَبَقُّرِهِ بالعِلْمِ أَيْ إنَّهُ تَوَسَّعَ فِيهِ وَعَرَفَ جَمِيعَ مَبادِئِهِ وأُصولِهِ.. وَبِما أَنَّهُ أَحدُ الاََئِمَّةِ الاثْنَيْ عَشَرَ لِذلَكِ أَنا أَسأَلُكَ عَنْ دَورِهِ فِي هذِهِ الظُروفِ..
ـ فِي هذا الجَوِّ المَشْحُونِ بِالصِراعِ العَقائِديِّ.. وَجَدَ الإِمامُ مُحَمَّدُ الباقِرُ عليه السلام أَنّ مَصْلَحَةَ الاِِسلامِ تَفْرُضُ عَلَيهِ أنْ يَنْصَرِفَ إلى الدِفاعِ عَنْ العَقيدةِ ونَشْرِ تَعاليمِ الاِسلامِ.. فَالتَفَّ حَوْلَهُ الآلافُ مِمَّنْ يَطْلُبُونَ العِلْمَ والحَدِيثَ مِنْ شِيعَتِهِ وَغَيرِهِمْ.. وَصارَ عليه السلام يَجْتَمِعُ بِهِمْ عَلى شَكْلِ حلقاتٍ في مَسْجدِ المَدِينَةِ.. وقَدْ أَطْلَقَ بَعضُهُمْ عَلى هذِهِ الحلقاتِ اسْمَ الجامِعَةِ لاََِنَّها تَجْمَعُ بَيْنَ الحِينِ والآخَرِ المِئاتَ مِنْ مُخْتَلَفِ الاََقطارِ لِدِراسَةِ الفِقْهِ والحَدِيثِ والفَلْسَفَةِ والتَفْسِيرِ واللُغَةِ وَغَيرِ ذلِكَ مِنْ مُخْتَلَفِ العُلومِ.. وَقَدْ أَرْسَلَتْ بَعْضُ المُدُنِ مِثْلُ الكُوفَةِ.. والبَصْرَةِ.. وَواسِطِ ..

وَالحِجازِ إِلى هذِهِ الجامِعَةِ أَفلاذَ أَكْبادِها.. وَهيَ الآنَ عَلى وَشَكِ أَنْ يَتَخَرَّجَ مِنْها كِبارُ العُلَماءِ والُمحدِّثِينَ والرُواةِ..

ـ مَنْ هُوَ الحاكِمُ الاَُمويُّ فِي زَمَنِكُمْ هذا.. ؟

ـ الحاكُمُ الآنَ هُوَ عَبْدُالمَلِكِ بْنُ مَروانَ.. وَقَدْ حَاوَلَ هذا أَنْ يَكونَ أَقلَّ عُنْفاً مِنْ أَسلافِهِ مَعَ العَلَوِيّينَ.. فَكَتَبَ إلى عامِلِهِ فِي الحِجازِ كِتاباً جَاءَ فِيهِ :ـ (جَنِّبْنِي دماءَ آلِ أَبي طالبٍ) وَقَدْ تَصوّرنا فِي بِدايةِ الاََمْرِ أنَّهُ أَدْرَكَ مَدى الاسْتياءِ الّذي خَلَّفَتْهُ سِياسةُ مُعاوِيةَ وَوَلَدِهِ يَزيدَ.. وَما تَرَتَّبَ عَلَيْها مِنَ الانتِفاضاتِ فِي مُخْتَلَفِ أنْحاءِ الدَوْلَةِ.. وَلكِنْ مَا ظَهَرَ بَعْدَ ذلِكَ هُوَ أَنَّ لِعَبْدِالمَلِكِ بنِ مَروانَ مُنافِساً فِي الحِجازِ يُدْعى ابنُ الزُبيرِ.. وَقَدْ كانَتْ لَهُ أَطماعٌ اتَّسَعَتْ إلى العِراقِ وغَيرِهِ مِنَ المناطِقِ.. وَبَعْدَ أَنْ تَمَكَّنَ عَبْدُالمَلِكِ مِنَ القَضاءِ على خَصْمِهِ.. كَتَبَ إلى عُمّالِهِ فَأَمَرَهُمْ بِالشِّدَّةِ والقَسْوَةِ عَلى شِيعَةِ أَهلِ البَيتِ عليهم السلام وَأَمَرَ الحَجّاجَ بِالذَهابِ إلى العراقِ قَائِلاً لَهُ : (اِحْتَلْ لِقَتْلِهِمْ.. فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْهُمْ مَا أَكْرَهُ.. وَإِذا قَدِمْتَ إلى الكُوفَةِ.. فَطَأْها وَطْأةً يَتضاءَلُ لها أهلُ البَصْرَةِ).. وَراحَ يُراقِبُ جَمِيعَ التَحَرُّكاتِ والتَصَرُّفاتِ..

ـ أنَا قَرَأْتُ عَنِ الحجّاج.. فَعَرَفْتُ أَنَّ لَهُ مَواقِفَ لَمْ يُحَدِّثِ التاريخُ بِأَسوَإ مِنْها مَعَ الاََئِمَّةِ عليهم السلام وَشِيعَتِهِمْ.. وخَاصّةً شِيعَةِ العِراقِ.. وَبِما أَنَّ الحَجّاجَ يَعْمَلُ بِإِمْرَةِ عَبْدِالمَلِكِ بنِ مَروانَ فَمَعنى هذا أَنَّهُ فَعَلَ ما فَعَلَهُ بِدَفْعٍ مِنْهُ..

ـ هذا صَحِيحٌ..

ـ يا أَخي هُناكَ أَمرٌ يُحيِّرُنِي.. وَهُوَ حِينما تَنَبَّهَ عَبْدُالمَلِكِ بنُ مَروانَ إِلى قِرطاسٍ من النُقُودِ كانَ يَحْمِلُ طرازاً مِنْ كلماتٍ كُتِبَتْ باللُغَةِ الرُومِيَّةِ.. أَمَرَ بِتَرْجَمَتِها إِلى العَربيّةِ.. فَقِيلَ لَهُ أنَّ مَعناها : (أَبٌ ـ ابنٌ ـ وروحُ القُدُسِ) فَأَغْضَبَهُ هذا الاََمْرِ..

فَكَتَبَ إلى عامِلِهِ عَلى مِصْرَ وَهُوَ أَخُوهُ عَبدُالعزِيزِ بنُ مَروانَ.. يَأْمُرُهُ بِإِبطالِ ذلِكَ الطرازِ.. وَيَأْمُرُ صُنّاعَ القَراطيسِ أن يُطَرِّزُوها بِسُورةٍ مِنَ القُرآنِ..

وكَذلِكَ كَتَبَ إلى عُمّالِهِ في الآفاقِ.. يَأْمُرُهُمْ بِإبطالِ القَراطيسِ المُطرّزةِ بِطرازِ الرُومِ.. وَمُعاقَبَةِ مَنْ وُجِدَ عِنْدَهُ بَعْدَ هذا النَهْيِ شَيءٌ مِنْها بالضَرْبِ والحَبْسِ الطَوِيلِ..

ـ لَقَدْ فَهِمْتُ قَصْدَكَ يَا أَخي مَا أَكثَر الّذِينَ يَهْتَمُّونَ بِمظاهِرِ الإِسْلام دُونَ جَوْهَرِهِ .. وَعَبْدُالمَلِكِ بنُ مَروانَ واحدٌ مِنْهَمْ..
ـ وَرَغْمَ أنَّ مَلِكَ الرُومِ حَاوَلَ التأْثِيرَ عَليهِ إِلاّ أَنّهُ لَمْ يُظْهِرْ تساهُلاً .
وأَخيراً هَدّدَهُ مَلِكُ الرومِ بِأَنَّهُ سَينْقُشُ شَتْمَ النّبيّ محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم كَطرازٍ عَلى جَمِيعِ الدراهِمِ والدنانيرِ.. تُرى كَيفَ يُمْكِنٌ لِدَولَةٍ كَدَولَةِ الرُومِ اَنْ تَتَدَخَّلَ فِي أُمورِ دَولَةٍ أُخرى بِما يَخُصُّ عُمْلَتِها النَقْدِيَةِ الّتِي تَتَعامُل بِها.. ؟!

ـ هذا لاََِنَّ دَولَتنا لَمْ يَكُنْ لَها عُمْلَةٌ خَاصّةٌ تَتَعامَلُ بِهَا.. فِجِمَيعُ الدراهِمِ والدَنانِيرِ كانَتْ تَصْنَعُها وتَنْقُشُها دَولةُ الرُومِ فِي مِصْرَ.. وَبِما أَنّها دَولةٌ نَصرانِيّةٌ فَهِيَ تَنْقُشُها بِطرازٍ مَسيحيٍّ..

ـ وَعِنْدَها وَجَدَ عَبْدُالمَلِكِ بنُ مَروانَ نَفْسَهُ أَمامَ مُشْكِلَةٍ لا يَستَطِيعُ حَلَّها..

وَمأزقٍ لا يَستطِيعُ الخُروجَ مِنْه.. وَقَد اسْتَشارَ جَمِيعَ مَنْ حَولَهُ.. فَلَمْ يَجدْ حَلاًّ.. وأَخيراً أُشِيرَ عَلَيهِ بِأَنْ يَسْتَشِيرَ الاِمامَ مُحمداً بنَ علي الباقرَ عليه السلام .. فَأَشارَ عَلَيْهِ الاِمامُ الباقرُ عليه السلام بِأنْ يَصْنَعَ مِنَ الذَهَبِ والفِضَّةِ المُتَيَسَّرَةِ داخِلَ البِلادِ قِطَعاً نَقْدِيَّةً.. وَيَنْقُشُها بِطرازٍ إسلاميٍّ.. وَوَضَعَ لَهُ خِطّةً يَستَحِيلُ مَعها التَلاعُبَ فيوَزنِ الدَراهِمِ والدَنانِيرِ..

ـ هذا صحيحٌ.. ومُنْذُ ذلِكَ التاريخِ أَصْبَحَتْ لَنا عُمْلَةٌ نَتَداوَلُها داخلَ البِلادِ.

ـ وَلكِنْ كَيفَ أَقْدَمَ الاِمامُ مُحمّدٌ بنُ عليٍّ الباقرُ عليه السلام عَلى مُساعَدَةِ حاكِمٍ ظالِمٍ أَخْرَجَهُ مِنْ أَزْمَتِهِ.. وَحَلَّ لَهُ مُشْكِلَةً كادَتْ تَقْضِي عَليهِ.. ؟!

ـ الجوابُ هُنا بَسيطٌ جدّاً.. وَلا يَحتاجُ إلى تَفكِيرٍ.. هذا لاََِنَّ أَيَّ إمامٍ مَعصُومٍ يَضَعُ مَصْلَحَةَ الاِِسلامِ فَوقَ كُلِّ اعْتِبارٍ.. فَعِنْدَما وَجَدَ الاِمامُ محمّدٌ الباقرُ عليه السلام أَنَّ مَصْلَحةَ الاِِسلامِ تَقْتَضِي مُساعَدةَ عَبدِالمَلِكِ بنِ مَروانَ فِي مَشروعِ تَغْييرِ العُمْلَةِ النَقْدِيَّةِ.. بَادَرَ إِلى ذلِكَ لا مِنْ أَجْلِهِ وَإِنّما مِنْ أَجْلِ مَصْلَحَةِ الاِِسلامِ والمُسْلِمِينَ..

وَبَعدَ ذلِكَ ابتَسَمَ الشابُّ ابتِسامَةً عَرِيضةً وُهُوَ يَقُولُ لِي :

ـ هَلْ تُوجَدُ لَدَيْكَ أسْئِلَةٌ أُخرى.. ؟

ـ أَشكُرَكَ يَا أَخي عَلى مَا بَذَلْتَهُ مَعِي مِنْ مَجهُودٍ.. أَسْتَودِعُكَ اللهَ..

ـ مَعَ السَلامَةِ..

وبَعْدَ أَنْ وَدَّعتُ الشابَّ.. وَجَدْتُ نَفْسِي أُغلِقُ الكِتابَ الّذي كانَ بَينَ يَديَّ.. وَكأنّي كُنْتُ فِي حُلُمٍ…

https://t.me/wilayahin

00

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...