أَلرَّبُّ: من أهم المصطلحات الاسلاميّة، وفهمه ضروري لفهم كثير من الايات القرآنيّة التي يدور البحث فيها حول الربوبيّة وما يتّصل بها.
ونحن المسلمون نكرّر تلاوة الاية الشريفة: (الحَمْدُ للّهِ رَبِّ العَالَمِين) يوميا مع غفلة عن معناها، ولا يتّضح لنا معناها ومعنى كثير من الايات القرآنية أمثالها ما لم يتّضح لنا معنى الرَّبِّ، وعلى فهم معنى مصطلح (الرَّبِّ) تتوقّف ـ أيضا ـ معرفة توحيد اللّه ومعرفة الرَّسول (ص) والوصِيِّ (ع) وأمثالها من مصطلحات عقائد الاسلام.
الرَّبُّ في اللّغة:
قال الرَّاغِبُ (ت: 502 هـ):
الرَّبُّ في الاصل التربية: وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حدّ التمام.
فمن مارس أمر تربية حيوان أو إنسان ـ منذ بداية وجودهما حتّى يبلغا درجة الكمال في وجودهما ـ كان مربِّيا لهما، وأضاف أكثر علماء اللّغة إلى معنى المربِّي معنى التملّك، أي إنّ الرَّبَّ يملك المربوب(6).
وقال الرّاغِب: إنّ العرب استعاروا لفظة الرَّبِّ ـ المصدر ـ واستعملوها في اسم الفاعل(7)، وبناء على ما ذكرناه فإن ربّ الشي: هو المالك المدبِّر المربِّي له(8).
وربُّ الدَّجاج مالكه ومن يرعى بيض الدَّجاج في الحقل حتّى تفرخ، ثمّ يطعم الفراخ ويسقيها ويكافح أمراضها حتّى تبلغ درجة الكمال
في وجودها وتصبح كلُّ منها دجاجة بالغة.
وكذلك يسمّى مالك البيت ربَّ البيت ويسمّى ـ أيضا ـ المدبِّرُ لكلِّ اُمور البيت: ربَّ البيت، ويقال لمربِّي كلّ شيء: ربُّ ذلك الشي.
وبناء على ما ذكرنا يكون معنى (الحَمْدُ للّهِ رَبِّ العَالَمين) في سورة الفاتحة: الحمدُ للّهِ مالك جميع أفراد الخلق ومربِّيها حتّى يبلغ كلّ فرد منها درجة كمال وجوده.
ويضاف الرَّبُّ إلى مربوبيه في الكلام في ما عدا اللّه، ويقال: رَبّ الفرس، وربّ الدجاج، وربّ البيت. وإذا ورد لفظ الرَّبّ في الكلام غير مضاف إلى شيء مثل قوله تعالى: (بلدةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبُّ غَفُورٌ) (سبأ / 15)، اُريد بـ (الرَّبّ) عندئذ: اللّه وحده جلّ اسمه.
وقال الرّاغِبُ:
إذا كان لمعنى اللّفظ جزءان، استعمل تارة في الجزءين معا، واُخرى في أحدهما منفردا، مثل: المائدة، إسما للخُوان والطّعام الذي عليه، فإنّه يستعمل تارة في: الخُوان والطعام الذي عليه واُخرى في الخُوان وحده، أو في الطّعام وحده(9).
وفي ما نحن فيه يستعمل الرَّبّ تارة في المالك المربِّي، واُخرى في المربِّي وحده، وأحيانا في المالك وحده.
ومع ملاحظة معنى الرَّبّ وموارد استعماله في كلام العرب يتيسّر لنا أن نعي معارك الانبياء مع اُممهم في ما يأتي.
ويظهر من أخبار الرُّسل مع اُممهم في القرآن أنّ جُلَّ الاُمم وطواغيتها كانوا يؤمنون بأنّ اللّه جلّ اسمه هو خالق الخلق جميعا، وإنّما كان الخلاف في حصر الرُّبوبية في اللّه سبحانه.
وإنّما حكى اللّه مواجهة الانبياء لاُممهم وطواغيت زمانهم في الربوبية لندرك الصراع المماثل لها في عصر خاتم الانبياء (ص) ،
فقد روى المفسِّرون عن عَدِيِّ بنِ حاتم (ت: 68 هـ) قال: أتيتُ رسول اللّه (ص) وفي عنقي صليب من ذهب فقال لي: يا عَدِيُّ! إطرح هذا الوثن من عنقك، قال: فطرحته ثمّ انتهيت إليه وهو يقرأ من سورة براءة هذه الاية: (إِتَّخَذُوا أَحْبَارَهُم وَرُهْبَانَهُم أَرْبابا مِنْ دُونِ اللّه) حتّى فرغ منها، فقلت له: إنّا لسنا نعبدهم، فقال: أليس يحرِّمون ما أحلَّ اللّهُ فتحرِّمونه، ويحلّون ما حرَّم اللّهُ فتستحلّونه؟ قال قلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم(10).
وبناء على ما ذكرناه فإنّ أبرز معنى للرَّبّ في القرآن الكريم إنّما هو صفة تشريع الدِّين. بعد فهم معنى الرَّبِّ وموارد استعماله في الكلام، ندرس في ما يأتي بحوله تعالى أخبار صراع الانبياء مع اُممهم ونقدِّم خبر صراع الكليم مع جبّار عصره فرعون لوضوح كيفيّة الصراع بينهما وتنوّعه.
____________________________________
[6]ربّ كلّ شيء: مالكه. الصِّحاح، للجوهريِّ (ت: 393 هـ) مادّة: (ربّ)، (1/130).
ربّ كلّ شيء: مالكه ومستحقّه: أي صاحبه، القاموس، للفيروزآبادي (ت: 817هـ)، (1 / 73).
الرَّبُّ: المالك، تفسير الكشاف (1 / 53).
ويُطلق (الرَّبُّ) على مالك الشيء، المصباح المنير، لاحمد بن محمّد الفيّومي (ت: 770هـ) (1 / 259)، وأيضا راجع لسان العرب، لابن منظور (ت: 711 هـ)، والقاموس المحيط، وتاج العروس، للزّبيدي (ت: 1205 هـ)… الخ، وأحيانا تستعمل لفظة الرّبّ في جزء المعنى كاستعمالها في المالك فقط، أو المدبِّر فقط، وهذا استعمال مجازي.
[7]المفردات: مادّة: (ربّ)، ص: 182، ط. طهران.
واللّغويّون الاخرون ذكروا كلام الرّاغب المفصّل بشكل مختصر، أو بألفاظ اُخر، فالجوهريُّ استخدم لفظة الاصلاح والتربية: (ربَّ الضيعة: أي أصلحها وأتمّـها، وربَّ فلان ولده: أي ربّاه) الصِّحاح (1 / 130)، والفيّوميّ استخدم لفظة السياسة والقيام بالتدبير: ((ربَّ زيد الامر ربَّا، من باب قتل، إذا ساسه وقام بتدبيره)) المصباح المنير (1/259).
[8]راجع أيضا تفسير الاية 2 من السورة الاُولى من القرآن الكريم، وكذلك مجمع البيان، للطّبرسي (ت: 548 هـ)، (1 / 21) في تفسير هذه الاية، وجوامع الجامع (1/6)، وتفسير الكشّاف، للزّمخشري (ت: 538 هـ)، (1 / 8) ط. مصر، سنة: 1373 هـ، والتّنهيل لعلوم التّنزيل (1 / 33).
[9]راجع لمعرفة القاعدة المذكورة، مادّة: (قُءر) في مفردات الرَّاغب، ولمعنى المائدة المصدر نفسه، وسائر معاجم اللُّغة العربيَّة.
[10] مجمع البيان (1 / 23 ـ 24)، وتفسير البرهان للسيّد هاشم البحراني (ت: 1107 هـ)، (2 / 121)، والدُّرُّ المنثور للسيوطيّ (ت: 911 هـ)، (3 / 230 ـ 231).
https://t.me/wilayahinfo