بانتهاء عملية “فجر الجرود” التي أطلقها الجيش اللبناني لتحرير الجرود اللبنانية من تنظيم داعش الارهابي، وعملية “إن عدتم عدنا” التي أطلقتها المقاومة اللبنانية والجيش السوري لتحرير الأراضي السورية المحاذية للحدود اللبنانية، يعلن لبنان انتصاره على الارهاب التكفيري، بعد سلسلة من الانتصارات حققتها المقاومة في لبنان ضد جبهة النصرة وسائر الفصائل السورية التي كانت تحتل جرود عرسال في وقت سابق.
تشكّل هزيمة المجموعات السورية المسلحة في الجرود اللبنانية، خسارة للمشروع الإسرائيلي في المنطقة، ليس فقط لاكتساب عناصر حزب الله خبرة قتالية إضافية قد يستخدمونها في أي حربٍ قادمة مع إسرائيل، بل لأن تلك الجماعات كانت جزءًا لا يتجزأ من ذلك المشروع. فلقد استثمر الإسرائيليون كل من داعش والنصرة في حربهم المفتوحة ضد محور المقاومة في المنطقة، إلى أن باتت الدولة العبرية تعيش اليوم أفضل حالاتها الأمنية منذ تأسيسها، بحسب تعبير عاموس جلعاد.
ولعل إدراك القادة الإسرائيليين أن “داعش إلى زوال” كما قال جلعاد، هو الذي دفعهم إلى الاستثمار في دعم جبهة النصرة بشكل استثنائي، وتقديم الدعم اللوجستي والعسكري لها منذ بداية آذار/ مارس 2014، حيث قدم الجيش الإسرائيلي الدعم العسكري والطبي واللوجستي لمقاتلي النصرة خلال معاركهم في الجنوب السوري خاصة خلال السيطرة على القنيطرة في أيلول/ سبتمبر 2015 (بحسب وثائق الاوندوف).ويركّز الإسرائيليون على التعاون مع جبهة النصرة إذ أن “لديها قيادة عسكرية مركزية تؤمن التوجيه الاستراتيجي للوحدات العاملة بنوع من الاستقلالية في إطارها المناطقي”، ولأنها “تعطي الأولوية لقتال الأسد على أهدافها الخاصة الطويلة الأجل”، ولقدرتها “على التجنيد والتعبئة في مخيمات اللاجئين في لبنان، وفي المناطق السنّية في طرابلس والبقاع، كما قامت بشنّ هجمات رائعة spectacular على كل من حزب الله والدولة اللبنانية” كما ورد حرفياً في وثائق مؤتمر هرتسيليا عام 2016…. ويعتبر الإسرائيليون أن تركيز الأميركيين على القضاء على داعش يمنح النصرة هامشاً أكبر من الحركة بالإضافة إلى أنه يمكن استخدامها “كمقوّض لأي حل سياسي في سوريا”… (وثائق مؤتمر هرتسيليا 2016).وإذا أخذنا بعين الاعتبار، أن المجموعات المسلحة المتواجدة على الحدود اللبنانية السورية، ومنها جبهة النصرة، كانت قد فقدت العمق الاستراتيجي من الناحية السورية، ولم تعد قادرة على التأثير على مجريات المعارك في سوريا بعد سلسلة هزائم تلقتها من الجيش السوري وحزب الله، فهذا يعني أن بقاء تلك المجموعات كان مرهون بالدور الوظيفي الذي يمكن لها أن تؤديه في الداخل اللبناني، لجهة استخدامها لتقويض الاستقرار اللبناني لاشغال حزب الله في ساحته الداخلية، أو المساهمة في إشعال حرب أهلية لبنانية؛ يكون وقودها المسلحين السوريين المتواجدين في مخيمات اللجوء في لبنان، أو على الأقل استخدامها كمصدر تهديد للجبهة الداخلية والخلفية لحزب الله، بحسب تعبير رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بني غانتس.إذًا، خسارة النصرة وانهزامها أمام حزب الله في الجرود اللبنانية وفي وقت قياسي لم يتوقعه أكثر المتفائلين، تعني في ما تعنيه انهزام فصيل مدعوم إسرائيلياً، ينفذ مشروعاً إسرائيلياً في المنطقة وليس مجرد فصيل سوري مسلح يمتلك فكراً تكفيرياًَ.وعليه، فإن انتصار لبنان على كل من النصرة وداعش وباقي المجموعات الارهابية المتواجدة على أرضه، واعلانه التحرير الثاني في آب/ أغسطس 2017، بعد التحرير الأول في أيار/ مايو 2000، وانتصار تموز/ يوليو 2006 ، يأتي بمثابة ضربة ثالثة قاسية للمشروع الإسرائيلي العدواني على لبنان، وهو ما أجج الحملات الاعلامية والسياسية على المقاومة والجيش اللبناني، والتي بدأت في لبنان ووجدت صداها في أرجاء المنطقة وصولاً إلى العراق.