المراجعات بقلم الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي35
28 يونيو,2018
بحوث اسلامية, صوتي ومرئي متنوع
757 زيارة
ش
المراجعة 57 رقم : 25 المحرم سنة 1330
1 – تأويل حديث الغدير
2 – القرينة على ذلك
1 – حمل الصحابة على الصحة يستوجب تأويل حديث الغدير
متواترا ، كان أو غير متواتر ، ولذا قال أهل السنة لفظ المولى يستعمل في
معاني متعددة ورد بها القرآن العظيم ، فتارة يكون بمعنى الأولى ، كقوله
تعالى مخاطبا للكفار * ( مأواكم النار هي مولاكم ) * أي أولى بكم ، وتارة
بمعنى الناصر ، كقوله عز اسمه * ( ذلك أن الله مولى الذين آمنوا وأن
الكافرين لا مولى لهم ) * وبمعنى الوارث ، كقوله سبحانه * ( ولكل جعلنا
موالي مما ترك الوالدان والأقربون ) * أي ورثة وبمعنى العصبة ، نحو قوله عز
وجل * ( وإني خفت الموالي من ورائي ) * وبمعنى الصديق * ( يوم لا يغني مولا عن
مولا شيئا ) * وكذلك لفظ الولي يجئ بمعنى الأولى بالتصرف كقولنا : فلان
ولي القاصر ، وبمعنى الناصر والمحبوب ، قالوا : فلعل معنى الحديث من
كنت ناصره ، أو صديقه ، أو حبيبه ، فإن عليا كذلك ، وهذا المعنى
يوافق كرامة السلف الصالح وإمامة الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم
أجمعين .
2 – وربما جعلوا القرينة على إرادته من الحديث ، أن بعض من كان
مع علي في اليمن رأى منه شدة في ذات الله ، فتكلم فيه ونال منه ،
وبسبب ذلك قام النبي صلى ا عليه وآله وسلم ، يوم الغدير بما قام فيه من
الثناء على الإمام ، وأشاد بفضله تنبيها إلى جلالة قدره ، وردا على من
تحامل عليه ، ويرشد بذلك أنه أشاد في خطابه بعلي خاصة ، فقال من
كنت وليه فعلي وليه ، وبأهل البيت عامة ، فقال : ” إني تارك فيكم
الثقلين ، كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ” ( 645 ) فكان كالوصية لهم
بحفظه في علي بخصوصه ، وفي أهل بيته عموما ، وقالوا : وليس فيها
عهد بخلافة ، ولا دلالة على إمامة ، والسلام .
س
المراجعة 58 رقم : 27 المحرم سنة 1330 .
1 – حديث الغدير لا يمكن تأويله
2 – قرينة التأويل جزاف وتضليل
1 – أنا أعلم بأن قلوبكم لا تطمئن بما ذكرتموه ، ونفوسكم لا تركن إليه ،
وأنكم تقدرون رسول الله صلى الله عليه وآله ، في حكمته البالغة ،
وعصمته الواجبة ، ونبوته الخاتمة ، وأنه سيد الحكماء ، وخاتم الأنبياء * ( وما ينطق
عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ) * ( 646 ) فلو سألكم فلاسفة
الأغيار عما كان منه يوم غدير خم ، فقال : لماذا منع تلك الألوف المؤلفة يومئذ عن
المسير ؟ وعلى م حبسهم في تلك الرمضاء بهجير ؟ وفيم اهتم بإرجاع من تقدم منهم
وإلحاق من تأخر ؟ ولم أنزلهم جميعا في ذلك العراء على غير كلا ولا ماء ؟ ثم خطبهم عن
الله عز وجل في ذلك المكان الذي منه يتفرقون ، ليبلغ الشاهد منهم الغائب ، وما
المقتضي لنعي نفسه إليهم في مستهل خطابه ؟ إذ قال : يوشك أن يأتيني رسول ربي
فأجيب ، وإني مسؤول ، وأنكم مسؤولون ، وأي أمر يسأل النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ، عن تبليغه ؟ وتسأل الأمة عن طاعتها فيه ، ولماذا سألهم فقال : ألستم
تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن جنته حق ، وأن ناره حق ،
وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله
يبعث من في القبور ، قالوا : بلى نشهد بذلك ، ولماذا أخذ حينئذ على سبيل الفور بيد
علي فرفعها إليه حتى بان بياض إبطيه ؟ فقال : يا أيها الناس إن الله مولاي ،
وأنا مولى المؤمنين ولماذا فسر كلمته – وأنا مولى المؤمنين – بقوله : وأنا أولى
بهم من أنفسهم ؟ ولماذا قال بعد هذا التفسير : فمن كنت مولاه ، فهذا مولاه أو من
كنت وليه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه وانصر من نصره ،
واخذل من خذله ، ولم خصه بهذه الدعوات التي لا يليق لها إلا أئمة الحق ، وخلفاء
الصدق ، ولماذا أشهدهم من قبل ، فقال : ألست أولى بكم من أنفسكم ؟
فقالوا : بلى . فقال : من كنت مولاه ، فعلي مولاه ، أو من كنت وليه ، فعلي
وليه ، ولماذا قرن العترة بالكتاب ؟ وجعلها قدوة لأولي الألباب إلى يوم الحساب ؟
وفيم هذا الاهتمام العظيم من هذا النبي الحكيم ؟ وما المهمة التي احتاجت إلى هذه
المقدمات كلها ؟ وما الغاية التي توخاها في هذا الموقف المشهود ؟ وما الشئ الذي
أمره الله تعالى بتبليغه إذ قال عز من قائل * ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك
وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) * ( 647 ) وأي مهمة
استوجبت من الله هذا التأكيد ؟ واقتضت الحض على تبليغها بما يشبه
التهديد ؟ وأي أمر يخشى النبي الفتنة بتبليغه ؟ ويحتاج إلى عصمة الله من
أذى المنافقين ببيانه ؟ أكنتم – بجدك لو سألكم عن هذا كله – تجيبونه بأن
الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله ، إنما أراد بيان نصرة علي
للمسلمين ، وصداقته لهم ليس إلا ، ما أراكم ترتضون هذا الجواب ،
ولا أتوهم إنكم ترون مضمونه جائزا على رب الأرباب ، ولا على سيد
الحكماء ، وخاتم الرسل والأنبياء ، وأنتم أجل من أن تجوزوا عليه أن يصرف
هممه كلها ، وعزائمه بأسرها ، إلى تبيين شئ بين لا يحتاج إلى بيان ،
وتوضيح أمر واضح بحكم الوجدان والعيان ، ولا شك أنكم تنزهون
أفعاله وأقواله عن أن تزدري بها العقلاء ، أو ينتقدها الفلاسفة والحكماء ،
بل لا ريب في أنكم تعرفون مكانة قوله وفعله من الحكمة والعصمة ، وقد
قال الله تعالى : * ( إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين
مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون ) * ( 648 ) فيهتم بتوضيح
الواضحات ، وتبيين ما هو بحكم البديهيات ، ويقدم لتوضيح هذا
الواضح مقدمات أجنبية ، لا ربط له بها ولا دخل لها فيه ، تعالى الله عن
ذلك ورسوله علوا كبيرا . وأنت نصر الله بك الحق – تعلم أن الذي يناسب
مقامه في ذلك الهجير ، ويليق بأفعاله وأقواله يوم الغدير ، إنما هو تبليغ
عهده ، وتعيين القائم مقامه من بعده ، والقرائن اللفظية ، والأدلة
العقلية ، توجب القطع الثابت الجازم بأنه صلى الله عليه وآله ، ما
أراد يومئذ ألا تعيين علي وليا لعهده ، وقائما مقامه من بعده ، فالحديث مع
ما قد حف به من القرائن نص جلي ، في خلافة علي ، لا يقبل التأويل ،
وليس إلى صرفه عن هذا المعنى من سبيل ، وهذا واضح * ( لمن كان له
قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) * .
2 – أما القرينة التي زعموها فجزاف وتضليل ، ولباقة في التخليط
والتهويل ، لأن النبي صلى الله عليه وآله ، بعث عليا إلى اليمن
مرتين ، والأولى كانت سنة ثمان ( 649 ) ، وفيها أرجف المرجفون به ،
وشكوه إلى النبي بعد رجوعهم إلى المدينة ، فأنكر عليهم ذلك ( 1 ) حتى
أبصروا الغضب في وجهه ، فلم يعودوا لمثلها ، والثانية كانت سنة عشر
( 650 ) وفيها عقد النبي له اللواء وعممه صلى الله عليه وآله بيده ،
وقال له : امض ولا تلتفت ، فمضى لوجهه راشدا مهديا حتى أنفذ أمر
النبي ، ووافاه صلى الله عليه وآله وسلم ، في حجة الوداع ، وقد أهل بما
أهل به رسول الله فأشركه صلى الله عليه وآله بهديه ، وفي تلك المرة
لم يرجف به مرجف ، ولا تحامل عليه مجحف ، فكيف يمكن أن يكون
الحديث مسببا عما قاله المعترضون ؟ أو مسوقا للرد على أحد كما يزعمون .
على أن مجرد التحامل على علي ، لا يمكن أن يكون سببا لثناء النبي
عليه ، بالشكل الذي أشاد به صلى الله عليه وآله ، على منبر
الحدائج يوم خم ، إلا أن يكون – والعياذ بالله – مجازفا في أقواله وأفعاله ،
وهممه وعزائمه ، وحاشا قدسي حكمته البالغة ، فإن الله سبحانه
يقول : * ( إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا
بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ) * ( 651 ) ولو أراد
مجرد بيان فضله ، والرد على المتحاملين عليه ، لقال : هذا ابن عمي ،
وصهري ، وأبو ولدي ، وسيد أهل بيتي ، فلا تؤذوني فيه ، أو نحو ذلك
من الأقوال الدالة على مجرد الفضل وجلالة القدر على أن لفظ الحديث ( 1 )
لا يتبادر إلى الأذهان منه إلا ما قلناه ، فليكن سببه مهما كان ، فإن الألفاظ
إنما تحمل على ما يتبادر إلى الأفهام منها ، ولا يلتفت إلى أسبابها كما لا
يخفى . وأما ذكر أهل بيته في حديث الغدير ، فإنه من مؤيدات المعنى
الذي قلناه ، حيث قرنهم بمحكم الكتاب ، وجعلهم قدوة لأولي
الألباب ، فقال : إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله
وعترتي أهل بيتي ، وإنما فعل ذلك لتعلم الأمة أن لا مرجع بعد نبيها إلا
إليهما ، ولا معول لها من بعده إلا عليهما ، وحسبك في وجوب اتباع
الأئمة من العترة الطاهرة اقترانهم بكتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فكما لا يجوز الرجوع إلى كتاب يخالف
في حكمه كتاب الله سبحانه وتعالى ، لا يجوز الرجوع إلى إمام يخالف في
حكمه أئمة العترة ( 652 ) ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : إنهما لن
ينقضيا أو لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، دليل على أن الأرض لن تخلو
بعده من إمام منهم ، هو عدل الكتاب ، ومن تدبر الحديث وجده يرمي
إلى حصر الخلافة في أئمة العترة الطاهرة ، ويؤيد ذلك ما أخرجه الإمام
أحمد في مسنده ( 2 ) عن زيد بن ثابت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم : ” إني تارك فيكم خليفتين ، كتاب الله حبل ممدود من السماء
إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ” .
ا ه . ” ( 653 ) . وهذا نص في خلافة أئمة العترة عليهم السلام . وأنت
تعلم أن النص على وجوب اتباع العترة ، نص على وجوب اتباع علي ، إذ
هو سيد العترة لا يدافع ، وإمامها لا ينازع ، فحديث الغدير وأمثاله ،
يشتمل على النص على علي تارة ، من حيث أنه إمام العترة ، المنزلة من
الله ورسوله منزلة الكتاب ، وأخرى من حيث شخصه العظيم ، وأنه ولي
كل من كان رسول الله وليه ، والسلام .
2018-06-28