الوقت- مؤخراً كثّف جيش الاحتلال الإسرائيلي من أنشطته في “العمليات الإدراكية”، مستغلًّا الظروف التي يعيشها العالم العربي وما أفرزته حركات “الربيع العربي” من فوضى اجتاحت الكثير من جوانب الحياة، خاصة مجال الإعلام، الأمر الذي وجد فيه الكيان الإسرائيلي فرصة سانحة لتعويض إخفاقاته في “العمليات القتالية”، خاصة بعد انكسار هيبة جيشه العسكرية منذ تحرير جنوب لبنان وإخفاقاته في حرب تموز 2006 والعدوان على غزة، وصولاً إلى ضرب مواقعه في الجولان السوري المحتل وإسقاط طائراته الحربية في سماء فلسطين المحتلّة من قبل الدفاعات الجوية للجيش العربي السوري.
المقصود من العمليات الإدراكية، هو عمليات إعادة تشكيل الوعي لدى الجماهير المعادية للكيان الإسرائيلي، وقمع الروح القتالية لديهم، وخلق شرعية للكيان الإسرائيلي لدى هذه الجماهير من خلال إيجاد أرضية للخطاب المباشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وهو حسب دراسة نشرت في موقع معهد أبحاث الأمن القومي “الإسرائيلي” يشكّل المجهود الموازي والمكمّل للمجهود القتالي الناري.
عمليات يقودها جيش الاحتلال الإسرائيلي
يدخل مجال تشكيل الوعي والعمليات الإدراكية ضمن التدريبات التي يُجريها جيش الاحتلال الإسرائيلي، من خلال أطر مؤسساتية داعمة لهذا المجهود، حيث يتم تأهيل القوى البشرية لاكتساب المهارات المتعلّقة بالجانب الجماهيري، والتعامل مع جماهير متنوعة، وتطوير تصورات جديدة لعمليات تشكيل الوعي، بما يتناسب مع التطور الحاصل في الأدوات التكنولوجية.
وبالرغم من أن هذا النوع من العمليات قريب من عمليات الحرب النفسية، وهو المجال الذي تقوم به الاستخبارات عادة، إلا أن هذه العمليات توكل بشكل أساسي لجيش الاحتلال الإسرائيلي، كونها تتعلّق بالجانب المكشوف والعلني ومخاطبة عموم الجماهير العربية بما فيها البيئات الحاضنة بشكل مباشر للمقاومة.
ترتكز عمليات تشكيل الوعي بشكل أساسي على نقل رسائل لأنواع مختلفةٍ من الجماهير المستهدفة سواء جماهير عادية أم ذات دور مباشر بالمقاومة أم حتى متخذي القرار، من خلال الصحافة التقليدية (الجرائد، التلفاز، والراديو)، وفي شبكة الإنترنت، عبر رسائل في الشبكات الاجتماعية، المنتديات، المدونات، والنشر في المواقع.
وللأسف بدأنا نشهد مؤخراً العديد من وسائل الإعلام العربية والصحافة تنشر مقالات لمتحدثين باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي على صفحاتها. والملاحظ أن هناك “اتساعاً في ظاهرة الاختراق الإسرائيلي في الإعلام العربي، ولا سيما بعد بدء بعض الصحف الخليجية بالنقل عن شخصيات إسرائيلية، الأمر الذي يعبّر عن كبوة كبيرة في الإعلام العربي الذي ظلّ سدّاً مهماً أمام حركة التطبيع”.
أنواع العمليات الإدراكية
حسب معهد أبحاث الأمن القومي “الإسرائيلي” فإن العمليات الإدراكية أو عمليات تشكيل الوعي التي يقودها الجيش الإسرائيلي تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
1- عمليات تشكيل وعي سرّية لا يكون خلالها الطرف المستهدَف بالهجوم واعياً لوجود جهود للتأثير عليه، وفي هذه العمليات يتمّ نقل الرسائل بطريقةٍ لا تمكّن جمهور الهدف من تشخيصها أو تشخيص تعرّضه لعملية تأثير. كالرسائل التي يتم نقلها من خلال وسيط غير مباشر.
2- عمليات تشكيل الوعي المستورة: والتي يكون فيها المُستهدف، سواء أكان منظمة أم جمهوراً أم دولة، واعياً لحقيقة وجود عملية تأثير تستهدفه، ولكن في هذا النوع من العمليات لا يظهر القائمون على عملية التأثير، بل يتخفّون وراء هوياتٍ وهمية.
3- عمليات تشكيل الوعي الظاهرة، مثل التصريحات والرسائل التي تضمّنها مقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي والموجّهة للبنان، أو النشاط في الشبكات الاجتماعية في لبنان.
أمثلة على العمليات الإدراكية الإسرائيلية
1- اللقاء الذي أجراه موقع إيلاف السعودي مع “أفخاي أدرعي” بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس حركة المقاومة حماس، هاجم فيها الحركة واصفاً إياها بأنها “بندقية إيرانية وليست خطراً على إسرائيل فحسب بل على كل دول الجوار أيضاً”.
2- المقال الذي نشر في الصحافة العربية – مدونة الحوار المتمدن- للناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، “رونين منليس”، في نهاية كانون الثاني 2018 والهادف لنقل رسالة للجمهور في لبنان بشكل خاص، وشعوب المنطقة بشكل عام تتمحور حول أنه من الأفضل للشعب اللبناني ألّا يساعد حزب الله الذي وصفه المقال بـ “الذراع الإيرانية” لتقوية حضوره في المنطقة، وعدم السماح لاتخاذه -أي حزب الله- الشعب اللبناني “دروعاً بشرية” في حربه مع الكيان الإسرائيلي، محذّراً من أن الجيش الإسرائيلي “جاهز ومستعد” حسب وصف المقال.
3- النشاط على الشبكات الاجتماعية باللغة العربية للمتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي افيخاي أدرعي، كإطلاق العديد من “الهاشتغات” تحت عناوين تهدف لخلق مواجهة بين حزب الله وجمهوره في لبنان، مثل “لماذا ترسل الشباب للموت في سوريا؟”، “أيّ مصلحةٍ لك جرّتك لحربٍ لا طائل للبنان بها سوى مصالح إيران؟” والكثير من العبارات التحريضية.
4- الحوار الذي أجرته صحيفة “سبق” السعودية مع حاخام يهودي بارز قال فيه إن السلام بين اليهود والعرب قريب، وأضاف إن “إسرائيل” لا يمكن أن تحتلّ أرضاً لشعب آخر دون أن تعطيهم حقوقهم، مشيداً بولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يقود بلاده نحو الازدهار حسب وصف الحاخام.
فرص النجاح
بالرغم من المجهود الذي يبذله الكيان الإسرائيلي لإعادة تشكيل الوعي العربي، والتواطؤ الكبير لبعض الدول العربية ووسائل إعلامها في هذا المجال، إلا أن الشعوب العربية والإسلامية لن تنطلي عليها بسهولة هذه الألاعيب وإن كان لها بعض التأثير في بعض الأماكن، وقد أثبتت الجماهير العربية ولا سيما تلك المستهدفة بشكل مباشر، بأنها وفيّة لخطاب المقاومة وهو الذي برز جلياً في نتائج الانتخابات النيابية في لبنان وخلال مسيرات العودة في غزة بالرغم من التكلفة الدموية الكبيرة وسقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى.