يجري الحديث حالياً عن وجود قوات عربية سعودية – إماراتية شمال شرق سوريا قيل إنها تشارك الأكراد معركتهم الأخيرة ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، وبحسب مواقع كردية فإن المشاركة الحالية تتمثل بقوات ميدانية وآليات ثقيلة في شرقي الفرات، وبطبيعة الحال يعدّ هذا الأمر مستغرباً في هذا التوقيت الذي بات فيه القضاء على “داعش” تحصيل حاصل وما فعله الأكراد والجيش السوري خلال السنوات الماضية في مواجهة “داعش” حطّم آمال الأخير بتقسيم سوريا وزعزعة الأمن فيها إلى ما لانهاية، إذن ماذا تفعل هذه القوات هناك وما الغاية من وجودها؟، هل فعلاً ستكون هذه القوات حلّاَ أم مشكلة في الوقت الراهن؟.
الحديث عن إرسال قوات عربية إلى شرق الفرات ملأ المواقع الالكترونية والصحف العربية والعالمية في محاولة لإعادة مجريات الأمور في سوريا إلى نقطة الصفر والدليل أن هذه القوات لا تأتي في خدمة المشروع الوطني السوري ولا تخفف من نزيف الدم في سوريا خاصة وأن أخباراً كثيرة تحدثت عن أن جميع القوات الأجنبية التي تتواجد في سوريا شرق الفرات ولاسيما الأمريكية كانت تتعاطى بطريقة مزدوجة مع “داعش”، حيث انتشرت تسريبات تقول بأن أمريكا وبالرغم من أنها وجّهت ضربات جوية ضد التنظيم الإرهابي إلا أنها دعمته في الوقت نفسه بالمال والسلاح وإلا كيف كان لهذا التنظيم أن ينتشر بهذه السرعة ويتمكّن من نشر كل هذه الفوضى في سوريا والعراق، فبداية هذه الأخبار جاءت على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه في العام 2016 عندما قال في ولاية فرجينيا: “داعش” ما كان ليكون لولا أن قادة جيدين أداروا بلادنا، ليتبعها بقوله: “يجب أن تحصل هيلاري كلينتون من “داعش” على جائزة مؤسس التنظيم”، وفي أوهايو من العام نفسه قال ترامب: “اوباما اتخذ سلسلة قرارات ساذجة أدت إلى نشوء “داعش” في سوريا والعراق”.
وقال الجنرال الأمريكي المتقاعد ويسلي كلارك ” القاعدة و”داعش” هما صنيعة أمريكية”، وغيرها من التصريحات التي خرج بها المسؤولون الأمريكيون علينا ليفضحوا بعضهم بعضاً حول هذا التنظيم الذي كانت غايته بحسب “كلينتون” نفسها تقسيم الشرق الأوسط، وذكرت شهادات كثيرة في هذا الإطار، وفي عصر ترامب نفذ التحالف ضربات جوية ضد “داعش” لكنها في الحقيقة كانت لمصلحة “داعش” فقد اعترف التحالف الدولي بقيادة واشنطن بأن ضرباته الجوية تسببت بمقتل 786 مدنياً من العراق وسوريا بينما قالت المنظمات الدولية: إن العدد يفوق الـ5600 قتيل، فهل القوات العربية التي قدمت إلى سوريا بحماية واشنطن ستكمل نهج الأخيرة أم للأمر غايات أخرى.
دلالات الوجود العربي اليوم شرق الفرات؟
أولاً: الحكومة السورية اليوم أقوى من أي وقت مضى وهي قادرة مع حلفائها القضاء على التنظيم الإرهابي شرق الفرات، ولكن الواضح أن واشنطن لا تريد أن يتحقق ذلك فتخرج أمريكا من سوريا ذليلة وكأنها لم تفعل شيئاً، وفي الوقت نفسه لا تريد واشنطن المزيد من الخسائر هناك على المستوى المادي وعلى مستوى الأرواح لذلك وجدت في القوات العربية ملاذاً آمناً لإكمال خطتها في زعزعة الاستقرار داخل سوريا، فهي من ناحية توفر تمويل القوات هناك وتخلق حالة فوضى جديدة في الجسد العربي وتأجج الخلافات بين الدول العربية، خاصة وأن هذه القوات تتواجد على الأراضي السورية حتى دون أخذ الإذن من دمشق لدخول أراضيها.
ثانياً: القوات العربية التي تسيطر عليها كل من الإمارات والسعودية أدركت أن الأمور لم تعد في مصلحتها وأن كل المال الذي قدمته للجماعات المسلحة في سوريا ذهب هباءً منثوراً واختفى أثر هذه الجماعات تقريباً، وفي نفس الوقت علاقتها مع دمشق لم تعد كسابق عهدها وأصبحت معدومة تقريباً، لذلك أقدمت كل من الإمارات والسعودية على أمرين:
الأول: التواصل مع دمشق عبر قنوات سرية وحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، فإنه بعد مرور سبع سنوات على إقصاء سوريا من المشهد، تستعيد دمشق بهدوء وضعها السابق بصفتها مُحَكِّماً أساسياً في الصراع الإقليمي للسيطرة على الممرات الاستراتيجية في الشرق الأوسط.
فعلى سبيل المثال أعلنت دولة الإمارات أنها تتفاوض بشأن إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق، واستعادة العلاقات كاملة مع الحكومة السورية، وبفتح معبر نصيب على الحدود بين الأردن وسوريا للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب السورية، أصبح يمرّ عبر سوريا الآن طريقٌ يصل تركيا بالأردن.
الثاني: إرسال قوات إلى سوريا كنوع من التهديد الضمني في حال لم تقبل دمشق إعادة العلاقات مع هاتين الدولتين، أو ربما يتحوّل ذلك فيما بعد كشرط لإخراج القوات من سوريا.
الأمر الأهم هو أن هاتين الدولتين تبحثان عن إخراج إيران من المشهد السوري بأي طريقة كانت، والأمر الآخر أنهما لا تريدان لقطر وتركيا أن تتمكنا من اقتسام الكعكة دون أن يكون لهما حصة بها.
احتواء الأزمة السياسية العالقة على هذا النحو ليس بالأمر الجيد خاصة وأنه يأتي بشروط تعجيزية الجميع يعلم بأن دمشق لن تقبل بها وبالتالي الأحرى بهذه الدول ترك الشعب السوري يقرّر مصيره ويختار مستقبله بنفسه.
المصدر : الوقت