الدرس العاشر: آداب المجلس والحديث
الأهداف
1- أن يتعرّف الطالب إلى بعض آداب المجلس.
2- أن يتعرّف الطالب إلى بعض آداب الحديث.
75
آداب المجلس:
أدب المجلس هو محطّة أُخرى من المحطّات الّتي تُبرز عظمة الإسلام كدين لم يترك ناحية من حياة الإنسان الاجتماعيّة إلّا ونظّمها وأغناها بمجموعة من التعاليم الراقية والآداب الرفيعة. إنّ الإنسان كائن اجتماعيّ، وجلوسه مع أقرانه ومعارفه وأصدقائه هو محطّة تكاد تكون يوميّة في حياته. وبالتالي، هذا الجلوس اليوميّ يُشكِّل جزءاً من الرصيد الّذي يحصده الإنسان لآخرته، فضلاً عن الآثار المباشرة الّتي تترتّب في دنياه وحياته.
إنّ المجالس تُعتبر واحة للتعارف والالتقاء، وهي تُشكِّل فرصة لكلِّ فرد ليتعرّف على ما في جعبة أخيه وجليسه من معارف وأسرار. ولذلك يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾1. ولأجل أن تكون المجالس مُفيدة وعامرة بطاعة الله عزَّ وجلَّ وبعيدة عن الّلهو والباطل، تدخّل الإسلام وأعطى جملة من التعاليم والتوصيات، نستعرضها فيما يلي:
1- أوّل بند في آداب المجالس وأهمّها، أن تكون هذه المجالس عامرة بذكر الله عزَّ وجلَّ. والمجالس الّتي يذكر فيها الله عزَّ وجلَّ هي واحة من الجنّة ومهبط للملائكة وإن كانت أبصارنا الماديّة لا تطال ذلك، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لأصحابه يوماً: “ارتعوا في رياض الجنّة”، قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنّة؟ قال: “مجالس الذكر”2.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: “ما قعد عدّة من أهل الأرض يذكرون الله إلّا قعد معهم عدّة من الملائكة”3.
ومجالس الذِّكر هي فرصة لحياة القلب في الآخرة، فعن الإمام الرضا عليه السلام: “من جلس
________________________________________
1- سورة الحجرات، الآية: 13.
2- هداية الأمة إلى أحكام الأئمة عليهم السلام، الحر العاملي، ج3، ص 131.
3- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج90، ص 162.
77
مجلساً يُحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب”4، وهناك تحذير من أن لا يكون المجلس في ذكر الله عزَّ وجلَّ. فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: “ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكروا الله ولم يذكرونا، إلّا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة”5.
2- عند الدخول إلى أيِّ مجلس بادر إلى إلقاء التحيّة والسلام. فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: “إذا كان قوم في مجلس ثمّ سبق قوم فدخلوا فعلى الداخل أخيراً إذا دخل أن يُسلِّم عليهم”6.
3- عند دخولك وإفشائك للسلام، اجلس حيث ينتهي بك المجلس، أو استجب لدعوة صاحب المجلس حيث يأمُرك أن تجلس. فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “إذا أتى أحدكم مجلساً فليجلس حيث ما انتهى مجلسه”7، وعن الإمام الباقر عليه السلام: “إذا دخل أحدكم على أخيه في رحله فليقعد حيث يأمره صاحب الرّحل ، فإنّ صاحب الرّحل أعرف بعورة بيته من الداخل عليه”8.
4- إذا كنت جالساً في مجلس ودخل بعض الناس فافسح لهم قدر الإمكان. يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ﴾9.
5- ابحث عن مجالس العلماء والّذين يذكِّرونك بالله عزَّ وجلَّ، فهؤلاء هم الّذين حثَّ الشرع على مجالستهم والاستفادة منهم، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الحواريّين قالوا لعيسى عليه السلام: يا روح الله فمن نجالس إذاً؟ قال: “من يُذكّركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويُرغّبكم في الآخرة عمله”10.
6- تَجنّب مجالسة أهل الدنيا، فعن الإمام الصادق عليه السلام: “إيّاكم ومجالسة الملوك وأبناء الدنيا، ففي ذلك ذهاب دينكم ويُعقبكم نفاقاً، وذلك داء دويّ لا شفاء له، ويورث قساوة القلب، ويُسلبكم الخشوع، وعليكم بالأشكال من الناس والأوساط من الناس
________________________________________
4- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 131.
5- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 496.
6- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 647.
7- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج16، ص 240.
8- م. ن.
9- سورة المجادلة، الآية: 11.
10- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص 39.
78
فعندهم تجدون معادن الجواهر”11.
إستنتاج
– إنّ المجالس تُعتبر واحة للتعارف والالتقاء، وهي تُشكِّل فرصة لكلِّ فرد ليتعرّف على ما في جعبة أخيه وجليسه.
– لأجل أن تكون المجالس مُفيدة وعامرة بطاعة الله عزَّ وجلَّ وبعيدة عن الّلهو والباطل، تدخّل الإسلام وأعطى جملة من التعاليم والتوصيات.
– من التوصيات:
– أن تكون المجالس عامرة بذكر الله عزَّ وجلَّ ، المبادرة إلى إلقاء التحيّة والسلام، الجلوس حيث ينتهي بك المجلس، افساح المجال للداخلين قدر الإمكان، مجالسة العلماء والّذين يذكِّرونك بالله عزَّ وجلَّ، تجنُّب مجالسة أهل الدنيا.
آداب الحديث:
إنّ من صفات الشخصيّة الإسلاميّة المتّزنة أن تُحسن أدب الحديث مع الناس، فالكلام هو وسيلة التواصل الأساس بين الناس، ومن لا يُحسن استعمال هذه الوسيلة فإنّه سيقع في كثير من المحاذير، ومن هنا جاءت التوصيات الكثيرة بالتزام الصمت عند عدم وجود ضرورة للكلام. ثمّ إنّ الكلام هو الّذي يكشف عن عقل الإنسان وباطنه. فعلى كلٍّ منّا أن يتحسّب عند الحديث، وأن يزن كلامه جيّداً قبل أن يُدلي به. ولمكانة الحديث والكلام وخطورتهما حيث ورد “رُبَّ كلام أنفذ من سهام”12، حدّد الإسلام جملة من الآداب الّتي إن أخذ بها المرء حُفظ من آفّات الكلام، بل واستفاد من هذه الموهبة العظيمة الّتي منحها الله عزَّ وجلَّ للإنسان. وهذه الآداب هي:
1- لا تتكلّم فيما لا يعنيك: قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “من فِقْه الرجل قِلّة كلامه فيما لا يعنيه”13، وقال أيضاً: “مِنْ حُسن إسلام المرء تركه الكلام فيما لا يعنيه”14.
2- لتكن القاعدة عندك قلّة الكلام، فإذا لم تكن هناك ضرورة للكلام فالسكوت خيرٌ لك، قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “كلُّ كلام ابن آدم عليه لا له إلّا أمراً بمعروف، أو نهياً عن منكر، أو ذكر
________________________________________
11- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج8، ص 337.
12- الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام، راجع: ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج 3، ص 2734.
13- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 622.
14- الأمالي، الشيخ المفيد، ص 34.
79
الله”15، وقال أمير المؤمنين عليه السلام: “إيّاك وفضول الكلام، فإنّه يُظهر من عيوبك ما بطن، ويُحرِّك عليك من أعدائك ما سكن”16.
3- إذا تكلّمت ولو في أمر ضروريّ فلا تُطِل، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: “آفّة الكلام الإطالة”17، وقال أيضاً: “الكلام كالدواء، قليله ينفع، وكثيره قاتل”18.
4- لا تقل ما لا تعلم، لأنّه قد يكون مُجانِباً للصواب، ولا تقل كلَّ ما تعلم، لأنّه حتّى لو كان صحيحاً، قد لا يكون من المناسب الإدلاء به. قال أمير المؤمنين عليه السلام: “لا تقل ما لا تعلم، بل لا تقل كلَّ ما تعلم، فإنّ الله فرض على جوارحك كلِّها فرائض يُحتجّ بها عليك يوم القيامة”19.
5- أطب الكلام مع جميع الناس، حتّى مع العصاة، وكن مؤدّباً في الحديث معهم، فلعلّ هذا الخُلق منك يكون مدخلاً لهدايتهم وانجذابهم للدين ولطاعة الله عزَّ وجلَّ.
هذا في ما إذا لم يكن الكلام الطيِّب مشجعِّاً لهم على المعصية.
إستنتاج
– الكلام هو وسيلة التواصل الأساس بين الناس، ومن لا يُحسن استعمال هذه الوسيلة فإنّه سيقع في كثير من المحاذير.
– من جملة آداب الحديث: لا تتكلّم فيما لا يعنيك، لتكن القاعدة عندك قلّة الكلام، إذا تكلّمت ولو في أمر ضروريّ فلا تُطلِ، لا تقل ما لا تعلم، أطب الكلام مع جميع الناس.
________________________________________
15- ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج 3، ص 2736.
16- م. ن، ج 3، ص 2735.
17- م. ن، ج 3، ص 2736.
18- عيون الحكم والمواعظ،، ص 67.
19- م. ن.
80
للمطالعة
إفساح المجال في المجالس:
نقل الشيخ الطبرسي في مجمع البيان: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصفة، وفي المكان ضِيْق، وذلك يوم الجمعة. وكان صلى الله عليه وآله وسلم يُكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار. فجاء أناس من أهل بدر، وفيهم ثابت بن قيس بن شماس، وقد سبقوا في المجلس. فقاموا حيال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: السلام عليك أيُّها النبيّ، ورحمة الله وبركاته، فردّ عليهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. ثمّ سلّموا على القوم بعد ذلك، فردّوا عليهم، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسّع لهم، فلم يُفسحوا لهم. فشقّ ذلك على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار من غير أهل بدر: قم يا فلان، قم يا فلان، بقدر النفر الّذين كانوا بين يديه من أهل بدر. فشقّ ذلك على من أُقيم من مجلسه، وعرف الكراهية في وجوههم. وقال المنافقون للمسلمين: ألستم تزعمون أنّ صاحبكم يعدل بين الناس، فوالله ما عدل على هؤلاء أن قوماً أخذوا مجالسهم، وأحبّوا القرب من نبيّهم، فأقامهم وجلس من أبطأ عنهم مقامهم! فنزلت الآية20. والآية هي: ﴿يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ﴾21.
________________________________________
20- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج 9، ص 417
21- سورة المجادلة، الآية: 11.
81
https://t.me/wilayahinfo
https://chat.whatsapp.com/CaA0Mqm7HSuFs24NRCgSQ0
ملاحظة: سيكون النشر في 02-12-22 من كل شهر