الرئيسية / من / قصص وعبر / المسيح في ليلة القدر2

المسيح في ليلة القدر2

 الستارة الأولى

حينما آمن شمعون سمّاه نبيّ الله عيسى عليه السلام “بطرس”، أي الصخرة. لكنّ أحداً في ذلك اليوم لم يُدرك معنى تلك التسمية، حتى شمعون نفسه. مرّت شهور وبلغ بطرس أشدّ بين يديّ أستاذه. وفي أحد الأيام وفي محضر الحواريّين الأحد عشر، قال له النبيّ عيسى عليه السلام: “وأنا أقول لك أيضاً: أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليهاـ وسأُعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكلّ ما تربطه على الأرض سيكون مربوطاً في السماوات، وكلّ ما تحلّه على الأرض سيكون محلولاً في السماوات”.

لم تطل فترة حضور عيسى المسيح عليه السلام ورسالته الأرضيّة أكثر من ثلاث سنوات تقريبًا. وحينما عرج إلى السماء، صار بطرس خليفة النبيّ ووصيّه الّذي سيُكمل طريقه وينشر دين الله رغم وجود الأعداء القساة المعاندين. وكان كهنة أورشليم اليهود الغارقون في حبّ الدنيا والجاه قد اطمأنّوا إلى أنّهم قد صلبوا عيسى النبيّ وأردوه بذلك النحو المفجع قتيلاً أمام تلامذته وأتباعه، وما عاد خطر هذا الدين الجديد يُهدِّد مكانتهم ومقامهم بين بني إسرائيل. لكنّ الأمور كانت تسير باتجاه آخر.

كان الحواريّون الّذين رأوا نبيّ اللّه عيسى، مجدّدًا بعد عروجه إلى السماء، وتيقّنوا من أنّه حيّ، قد ازدادوا عزمًا وإرادة للتبليغ والمواجهة، وهذا ما أثار غيظ الكهنة. فكان بطرس، بلا خوف، يقف في صحن معبد أورشليم ويُحدّث الناس عن عيسى وعدم موته. وكان الجنود يأتون على الأثر لتفريق الناس وإخراج بطرس وبقيّة الحواريّين من المعبد بالضرب

 

 

 

 

11


3

إشارة (مؤسسة صهبا)

والشتم. لكن سرعان ما كان يجد أحد الحواريّين زاوية أخرى قد احتشد فيها جمع من الناس فيُحدّثهم. لقد تمكّن بطرس بفضل إيمانه العظيم والعناية الإلهية أن يُشفيَ، كما أستاذه، مأيوس منهم ومشلولين منذ الولادة، وقد أدّى ذلك إلى أن يكثر انجذاب الناس إليه ويزداد في النتيجة إيمانهم بالمسيح.
وحيث إنّه لم تكن للكهنة طاقة تحمّل هذا الوضع، فقد ضيّقوا على الحواريّين ومن آمن بهم كثيراً. وكان أوّل حواريّ يستشهد هو القدّيس إسطفان. لقد حاكمه الكهنة في محكمة شكليّة وحكموا عليه بالرجم، ثمّ نفّذوا هذا الحكم الجائر به في منتهى القسوة. الشهيد التّالي من الحواريّين كان يعقوب أخا يوحنا. فقد كان هيرودوس قد عُيّن حديثاً حاكمًا لأورشليم من قِبَل ملك الروم، وكان يريد أن يستجلب قلوب الكهنة اليهود إليه، ولهذا فقد شرع بإلقاء القبض على المسيحيّين وتعذيبهم وأذيّتهم. ولكي يقضيَ على تيّار التبليغ للنبيّ عيسى عليه السلام فقد اعتقل الحواريّ يعقوب وأمر بقطع رأسه. كان هذا بعد انقضاء أحد عشر عامًا على عروج المسيح.
كان هدفه التّالي جناب بطرس. ألقى هيرودوس القبض على بطرس، وأعلن أنه سيُنفّذ فيه حكم الإعدام غداة أحد الأعياد اليهوديّة. وفي ليلة العيد، أقام المسيحيّون عدّة مجالس مخفيّة للدعاء لنجاة بطرس. وأوعز هيرودوس إلى ستة عشر حارساً بمراقبة بطرس في السجن حتّى يحين موعد إعدامه.
وانقضى يوم العيد، وكان المقرّر أن يُعدم “بطرس” في صباح اليوم التّالي. كان عددٌ من الرجال والنّساء المسيحيّين قد تجمّعوا في منزل “أم مرقس”، أحد الحواريّين، يدعون “لبطرس” حين علا صوت طرق الباب. بدايةً، خاف الجميع من افتضاح أمرهم. ساد الصمت وتوجّهت الأعين نحو باب المنزل. تقدّمت فتاة اسمها “رُدا” ووقفت خلف الباب وسألت: “من الطّارق؟”
فأجاب الطّارق بهدوء: “افتحي الباب يا ابنتي”.
جمدت “رُدا” في مكانها، فلقد كان الصوت مألوفاً لديها. ورويدًا رويدًا، تهلّل وجهها المستغرب وانفرجت أساريرها وقالت بصوتٍ عالٍ: “بطرس، إنّه بطرس”. قالوا: “وهل جننتِ يا بنيّة؟!” لكنّها ما فتئت تصرّ على رأيها وطرق الباب مستمرٌّ حتّى قام جمعٌ منهم نحو الباب.
 
 
 
12

4

إشارة (مؤسسة صهبا)

 لقد احتاروا أمام إصرار “رُدا” في أمر “بطرس”، فكيف يكون هو الطارق وهو ما يزال في سجن “هيرودوس”! لقد كسر القلوب الراجية قول أحدهم: “لقد قتلوا بطرس حتماً وهذه روحه قد أتتنا”. وحتّى عندما فتحوا الباب وشاهدوا صباحة وجه “بطرس” ظنّوا أنّها روحه، إلى أن دخل بطرس المنزل وأخبرهم بما جرى: “كنتُ نائمًا في السّجن، ويداي مغلولتان بالأصفاد إلى أرض الزنزانة، وكان يحرسني عن جانبيّ جنديّان، ويقف عدّة آخرون خلف باب السّجن المقفل. فجأة شعرتُ أنّ شخصاً يربّت على كتفي. فتحتُ عينيّ وإذ بملاكَيْن سماويَيْن يقفان فوق رأسي. قالا: “قم!”، وحين وقفت فُكّت الأغلال من يديّ. قالا: “تعال معنا”. كان الحرّاس نائمين وكلّما وصلنا نحن إلى بابٍ انفتح من تلقاء نفسه حتّى صرنا خارج القصر. وهناك تركني الملاكان فأدركت أنّني لم أكن أحلم، وأنّ ملاكَيْ الرحمة هذَيْن قد أنقذاني فعلاً”1.

ضجّ السّجن وعلت الجلبة فيه صباحًا. ومهما أقسم الحرّاس بأنّ بطرس قد اختفى فجأة، لم يُصدّقهم أحد. وفي الآخر، حكم “هيرودوس” على الستة عشر حارساً بالإعدام، ولم يقدِرْ بعدها أن يبقى في أورشليم فغادر.
وشيئاً فشيئاً، انطلق الحواريّون في أسفارهم التبليغيّة لإيصال رسالة عيسى إلى اليهود وغير اليهود. وكانت أكثر تلك الأسفار ضمن حدود حكومة الرّوم القديمة، وتجري بنحو سرّي2.
 من ناحية، كان ملوك الرّوم على علاقة بالكهنة وأثرياء اليهود، ولأجلهم لم يريدوا أن تلقى المسيحيّة رواجها بين اليهود، ومن ناحية أخرى كانوا متخوّفين من انتشار الإيمان بهذا الدين الجديد – الّذي خرج عن نطاق مناطق اليهود – بين الناس في أوروبا. ذلك أنّ كلّ دين توحيديّ ومطالِب بالعدالة سيهزَّ أسس حكومة الظالمين.
في إحدى هذه السفرات التبليغيّة، ألقى الجنود الرومان القبض على القدّيس “بطرس”، وأخذوه هذه المرّة إلى العاصمة. وفي بلاط نيرون، ملك الرّومان آنذاك، وبحضوره، نفّذوا حكم الإعدام “ببطرس”. لقد صُلب القديس “بطرس” في سنة ست وأربعين ميلادية، أي
 

1- العهد الجديد، عهد الرسل، الفصل 12.
2- قدم أحد الحواريّين إلى فلاة إيران, سافر القديس ثاديوس لعدّة سنوات في بلاد ما بين النهرين وشمالها، حتّى وصل إلى أرمينيا اليوم، وبلّغ دين الحق لذلك الزمان، حتّى قبض عليه الحكّام الظالمون واستشهد على أيديهم وتمّ دفنه في قرية بالقرب من تشالدران في محافظة آذربيجان الغربية. وفي سنة 301 ميلادية، تجمّع أولئك الذين اعتنقوا المسيحيّة بفضل دعوته في أرمينيا الّتي كانت ميول ملكها آنذاك مسيحية.
 
 
 
13

5

إشارة (مؤسسة صهبا)

 بعد إحدى وثلاثين سنة من عروج عيسى المسيح، وارتفع شهيدًا1.

مضت عدّة قرون على شهادة بطرس، وفي إحدى معارك المسلمين مع الرّوم، كانت ابنة أحد ملوك الرّوم الشرقيّة واسمها “مليكة” وأمّها إحدى أحفاد القديس “بطرس”، قد وقعت أسيرة في أيدي المسلمين، وحُملت إلى بغداد. وهناك أحضر الإمام الهادي عليه السلام، عاشر الأئمة المعصومين عند الشيعة، هذه السيّدة الكريمة إلى منزله وزوّجها من ابنه. وبعد شهادة الإمام الهادي، تسلّم ابنه، الإمام الحسن العسكري عليه السلام، الإمامة. وأثمر زواجه من “مليكة”- الّتي بات اسمها في ذلك البيت نرجس – مولودًا ذكراً يعتقد الشيعة أنّه الإمام الثاني عشر وآخر خلفاء نبي الإسلام.

هذا المولود المبارك هو نفسه الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، منجي البشريّة، الّذي سيظهر في آخر الزمان ليُقيم دولة التوحيد والعدل في العالم أجمع، ويقضي على جذور الظّلم والكفر. ونحن نؤمن أنّ نبيّ الله عيسى سيظهر مع الإمام المهدي، وسيكون مرافقًا له في هذا القيام. وبحسب بعض الروايات، سيُقتل الدجّال، العدوّ الأساس لهذا القيام، على يد السيّد المسيح.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...