الرئيسية / من / قصص وعبر / المسيح في ليلة القدر 24

المسيح في ليلة القدر 24

الرواية الثّامنة عشرة: كان يجب أن يرحلوا

 الرواية الثّامنة عشرة: كان يجب أن يرحلوا – رواية زيارة الإمام الخامنئي إلى منزل الشهيد “ألفرد سركيز أردوشاهي” بتاريخ 29/12/1988م

 
الشهيد ألفرد سركيز أردوشاهي
مكان الشهادة: سومار كرمنشاه
تاريخ الشهادة: 13/02/1988م
 
 
 
 
 
 
332

281

الرواية الثّامنة عشرة: كان يجب أن يرحلوا

 مع أنّ شركة الغاز لم تُعطِ إجازات لعمّالها وهي في حالة استنفار، لكنّ زوجي استطاع أن يأخذ مأذونية اللّيلة ليهتمّ بأمور المنزل، فالليلة عيد الميلاد ولدينا الكثير من العمل في البيت.

كنّا منشغلين بترتيب الحديقة وتنظيف المستودع، عندما قرع الجرس. إنّ جرس الباب لا يُسمع في الحديقة بل داخل المنزل، لذلك فتحت النافذة وطلبت منه أن يفتح الباب. وصرت أنتظر أنا أيضًا لأرى مَنْ الطارق.
فتح يوحنا الباب وراح يتحدّث مع شابَّيْن. لا بدّ أنّهما من الجيران. عدت إلى المطبخ لأُكمل إعداد الطعام. بعد دقائق عدّة، دخل والإرباك بادٍ على وجهه! من الواضح أنّ أمرًا يُشغل باله. 
سكبت له فنجان شاي وتبعته بسرعة. جلست على الكنبة بالقرب منه وسألتُه عن سبب انزعاجه:
– في الحقيقة، جاء شخصان وقالا: نُريد أن نُجري مقابلةً معكم، – قُلتُ: مقابلة؟ حول ماذا؟ وهل هذا وقت مناسب لذلك؟ قالا: – ليس معك بل مع عائلة الشهيد ألفرد أردوشاهي.
كان ألفرد ابن أخت زوجي “يوحنا”. استشهد ألفرد السنة الماضية. بعد شهر تقريبًا تحلّ الذكرى السنويّة لشهادته.
بعد شهادة ألفرد، استطاع يوحنا أن يُقنع أخته وزوجها – أي والديّ الشهيد – بأن ينتقلا للعيش معنا. بيتنا كبير من طابقَيْن، والطابق العلويّ خالٍ. لذلك، كان كلّ من يريد عائلة الشهيد أردوشاهي في أمر، يأتي إلى بيتنا.
صرت أُفكّر بالسبب الّذي أربك وأزعج يوحنّ، هل لأنّه اعتقد أنّهم يريدون إجراء مقابلة معه ثمّ اكتشف أنّهم يقصدون عائلة الشهيد، انزعج إلى هذا الحدّ؟
ضحكت في سرّي لأفكاري! فهل هو طفل صغير؟ إنّه رجل يبلغ الخمسين من العمر، لا
 
 
 
 
333

282

الرواية الثّامنة عشرة: كان يجب أن يرحلوا

 بدّ وأنّ سبب انزعاجه شيء آخر. بعد أن شرب عدّة رشفات من الشاي، عاد وأكمل كلامه:

– قُلتُ لهما: أنا خال الشهيد، مَن مِن المفترض أن يجري المقابلة؟ – قالا: أحد المسؤولين. قُلتُ: ألا يجب أن نعرف أنا وأختي من هو؟ قالا: لم يُحدّد بعد. فقُلتُ: حسنًا نحن في خدمتكم، في أيّ ساعة ستحضرون؟ فأجابا: عندما يحلّ الظلام! 
معه حقّ أن يشكّ في أمرهما! جاءا إلى باب البيت، قالا سنأتي لإجراء مقابلة معكم. لكنّهما لم يقولا من سيأتي وفي أيّ ساعة بالتحديد.
– إنّني خائف من أن تكون نيّتهما سيّئة يا سيّدة!
قبل الظهر، وصلت أخت يوحنا، وها نحن أربعة أفراد نجلس حول مائدة الغداء. أنا، يوحنا، ابننا الصغير بيتر وآنا أخت يوحنا. حين لا يكون زوجها في البيت تنزل إلى بيتنا ونتناول الطعام معًا.
ما زال ذهن يوحنا مشغولًا بحادثة الصباح، وكان يتناقش معنا حول قلقه من هذا الموضوع:
– لا أعرف لماذا تصرّفا هكذا؟ لا يبدو على ظاهرهما أنّهما قد يكونان سيّئَيْن، على العكس، كان الودّ والحنان يظهر على وجهَيْهما. ولكن لا أعرف لقد تكلّما بطريقة جعلتني أقلق.
قالت آنا: ليت “آفنر” كان هنا. فبما أنّهم سيأتون لإجراء مقابلة معنا، فمن الأفضل أن يكون والد الشهيد حاضرًا. حتى لو جاؤوا قل لهم أن يؤجّلوا الموعد لأيام عدّة حتى يأتي والد الشهيد.
يوحنا وبحركة من رأسه وافق على كلام آنا: عندما يرجعان سأقول ذلك لهما.
ذهب آفنر زوج آنا إلى أميركا منذ أيام عدّة لإجراء عملية جراحية في القلب. “ألبير” ابنهما البكر، يعيش في أميركا. لدى آنا وأفنر -والديّ الشهيد ألفرد- ولدان آخران، “إليزابيت” و”ألبير”، كلاهما أكبر من ألفرد، وكلاهما يعيشان في الخارج. “إليزابيت” تزوّجت وتعيش مع زوجها في ألمانيا.
بينما ذهب “ألبير” إلى أميركا ليُصبح مدرّب كرة قدم. في السنوات الستّ الماضية، كان الأنيس الوحيد ل”آنا” و”آفنر” ابنهما “ألفرد”، العزيز ألفرد، الشاب المحبوب. لقد كان
 
 
 
 
 
334

283

الرواية الثّامنة عشرة: كان يجب أن يرحلوا

 هذا الفتى حنونًا لدرجة استطاع أن يملأ حياة أمّه وأبيه كي لا يشعرا بالوحدة أبدًا.

ولكن هذه هي الحياة. ما الذي يُمكن فعله؟ وكأنّها تقطف أفضل الثمار. 
بعد الغداء، عاد يوحنا إلى الحديقة، واصطحب بيتر معه. بعد مرور حوالي الساعة، رحتُ أُشاهد ما يقومان به في الحديقة. كان بيتر ذو الثانية عشرة من العمر، يُملي على أبيه الإرشادات كي يستطيع أن يركن السيارة مقابل باب الموقف كي لا يُفتح عنوةً، وكأنّهما يقومان بعمل أمنيّ بامتياز.
عدت إلى الغرفة وتوجّهت إلى الخزانة حيث وضعت تذكارات ألفرد. من بين كلّ صوره، كانت تلك الصورة، الّتي يستلم فيها جائزة من زعيم الآشوريّين في العالم، الأحبّ على قلبي، إذ يظهر في هذه الصورة كم هو شاب مؤدّب وتربيته جيّدة. حقًّا، إنّ هذا الأمر يبعث على افتخار العائلة به.
فتحت الرسالة الأخيرة الّتي أرسلها لنا لأقرأها مرّة أخرى. تلك الرسالة الّتي كتبها ليلة شهادته وأرسلها لي أنا – زوجة خاله – وكتب فيها:
“إلى عائلتي العزيزة بعد السلام والتحيّة، أتمنّى أن تكون العائلة الأعزّ عليّ من روحي بأفضل حال وبأتمّ الصحّة والعافية، حماكم الله وحفظكم سعداء على الدوام. إذا سألتم عن أحوالي فأنا بصحّة جيّدة، لا تقلقوا عليّ أبدًا.
 
 
 
 
 
335

284

الرواية الثّامنة عشرة: كان يجب أن يرحلوا

 زوجة خالي العزيزة.

وصلتني اليوم رسالتك المليئة بالحنان والمحبّة، ولو تعلمين كم أفرحتني.
لقد كتبتِ عن أشياء سمعتموها وقلقتم عليّ، لقد أرسلت العديد من الرسائل ولكن يبدو أنّها لم تصلكم، فمعكم حقّ أن تقلقوا. أمّا اليوم، فإنّ أحد الشباب يتوجّه نحو طهران، وطلبت منه أن 
يزوركم في البيت ليُطمئنكم عنّي.
زوجة خالي العزيزة، اطمئنّوا تمامًا بالنسبة إليّ، فأنا مرتاح هنا، وأُقسم بالله أنّني أُفكّر بكم كثيرًا.
زوجة خالي! بالنسبة إلى مجيئي إليكم، أُكرّر ثانيةً لا أعلم متى آخذ مأذونية! إمّا في هذا الشتاء أو في ربيع السنة المقبلة. قولي لأمّي ألّا تقلق لأجلي لأنّ “من له عمر لا تقتله شدّة” ولن يحصل لي مكروه. وأتمنّى ألّا تُصعّب أمّي الأمور عليها. لقد اشتقت إليكم جميعًا، وأتمنّى أن يكون لقاؤنا قريبًا جدًّا. لا أعرف ما الّذي يجب أن أكتبه لكم. فقط بلّغوا سلامي لكلّ الأصدقاء والمعارف. قولوا لأمي وأبي أن يرتاح بالهما ناحيتي فأنا مرتاح جدًّا. لم يتبقّ لي شيء لأكتبه. فديتكم جميعًا! أنا بانتظار رسائلكم أيّها الأعزّاء. على أمل اللقاء ثانيةً.
محبّكم الدائم “ألفرد” 06/11/1365هـ.ش.05/02/1980م”.
 
 
 
 
336

285

الرواية الثّامنة عشرة: كان يجب أن يرحلوا

 قبل أن تزيح الظلمة نور الغروب، ذهبت لرؤية آنا. طرقت الباب، وعندما فتحته، رأيتها تحمل بيدها إنجيل الجيب الخاص بألفرد، كانت بالتأكيد تقرأ الإنجيل.

كانت آنا كلّما اشتاقت لألفرد، لجأت إلى قراءة الإنجيل، بالأخص الإنجيل ذي الجلد الأخضر الّذي حمله ألفرد دومًا. لقد كان ألفرد يهتمّ اهتمامًا عجيبًا بقراءة الإنجيل، لذلك كان يحمل الإنجيل دائمًا معه. حتى عند شهادته، كان هذا الإنجيل الصغير في جيبه.
جلست لأتحدّث مع آن، قالت: إنّ ابنها قد اتصل من أمريكا وأبلغها أنّه اشترى بطاقة العودة لأبيه وسيعود إلى طهران بعد أربعة أيام.
عندما حلّ الظلام، نهضت لأنزل إلى البيت، وقلت لها: “هيّا ننزل معًا. فلربما جاؤوا حقًّا للمقابلة”.
كنّا مشغولين بمشاهدة التلفاز عندما قرعوا الجرس. قفز يوحنّا من مكانه وكأنّ إبرةً وكزته، وكذلك بيتر. ذهبا معًا لفتح الباب. وقف بيتر في الخلف حتى إذا ما حصل أمرٌ ما أو مشكلة أسرع إلى الداخل ليتصل بالشرطة! لقد أخاف شكّ يوحنا بيتر. وطبعًا بيتر الطفولي فكّر أنّه عند أيّ مشكلة يجب الإسراع للاتصال بالشرطة.
أنا و”آنا” كُنّا واقفتَيْن أمام النافذة ننظر إلى الحديقة. بعد لحظات، فتح يوحنّا الباب بالكامل ودعا الضيوف للدخول: الرجليَنْ الشابَيْن اللّذَيْن أتيا صباحًا. ولكن هذه المرّة كان بيدهما باقة 
ورد كبيرة وصورة للإمام الخميني.
دخل الضيفان، وبعد السلام، صارا يتكلّمان معًا ويتشاوران حول مكان جلوس الضيف الأساسي: أظنّ أنّه من الأفضل أن يجلس هنا!
– لا، هنا بالقرب من النافذة أفضل. من الأفضل الجلوس هنا على هذه الكنبة بالقرب من المدفأة.
إنّهما حقًّا ضيفان يُثيران الشكّ! بعد دقائق من السكوت، ينفد صبر يوحنا فيقول:
– عفوًا أيّها السيّدان! بالنهاية ما المفترض أن يحصل؟ الآن أيضًا لا تريدان أن تقولا ما القصة؟ ما الّذي سيحصل؟ أو إنّه من المبكر حتى الآن أن نعرف ما الخبر؟
قال أحد الضيفَيْن: سأوضح لكم، نعتذر إذا أزعجناكم. الحقيقة هي أنّه من المفترض أن يأتي السيّد الخامنئي!
 
 
 
 
337

286

الرواية الثّامنة عشرة: كان يجب أن يرحلوا

 تعجّبنا جميعًا وكأنّ صعقةً أصابتنا. لكن يوحنا وقف بغضب يقول: “ما هذا أيّها السيّدان؟ لِم تهزآن بنا؟”.

– صدقًا أيّها الحاج، قُلتُ الحقيقة. سيأتي السيّد الخامنئي إلى هنا.
ضحكت حين قالوا ليوحنا أيّها الحاج، أمّا هو فلم يلتفت إلى الموضوع.
لم يُصدّق ما قاله الضيفان وقد ازداد شكّه. اقترب منّي وقال لي من دون أن يراه الضيفان: “هل يُعقل أنّ السيّد الخامنئي، سيأتي هكذا وفجأة إلى بيتنا؟ أمر لا يُصدّق! كيف يُعقل هذا؟”.
في هذه الأحوال والأوضاع، يرنّ الهاتف. رفعت السماعة. كانت صديقتي “روني بث اوشانا” زوجة الشهيد “يرِمي يعقوب”. كان صوتها مربكًا وفرحًا في الوقت ذاته وكأنّها تُريد أن تُخبرنا أمرًا مُهمًّا: “‘جانيت’ اسمعي جيّدًا، استمعي إلى ما سأقوله: الآن جاء السيّد الخامنئي إلى بيتنا، حين قلتُ لهم: يا سيّد ابقوا أكثر، قالوا: من المقرّر أن نذهب إلى منزل شهيد آشوري آخر، وبالقرب منّا، عائلة الشهيد الوحيدة هي أخت زوجك! أعتقد أنّهم سيصلون إلى منزلكم خلال لحظات! جهّزوا أنفسكم! ليحفظكم الله!”.
بعد اتصال روني، تحوّل كلّ الضغط والقلق والاضطراب الّذي كُنّا نُعاني منه دفعةً واحدة إلى فرح لا يُمكن وصفه، فرح طاهر مقدّس. الآن صدّقنا جميعًا أنّه خلال لحظات سنرى السيّد 
الخامنئي عن قرب، وفي بيتنا أيضًا!
– تفضّلوا تفضّلوا! جنابكم والد الشهيد؟
– لا! أنا خال الشهيد.
– أين والدة الشهيد؟
– جالسةٌ هناك.
– إنّها تلك السيّدة؟
– نعم!
– أيّتها السيّدة تفضّلوا إلى هنا! تفضّلي إلى مكان قريب. قولي لي متى استشهد الشهيد؟
– لم تحلّ بعد ذكرى سنويّته الأولى. مرّ أحد عشر شهرًا على شهادته.
– أين كان؟
 
 
 
 
338

287

الرواية الثّامنة عشرة: كان يجب أن يرحلوا

 – في غرب البلاد، باختران، سومار، قصر شيرين.. تلك المناطق.

“آنا” و”يوحنا” جلسا بالقرب من السيّد الخامنئي وجلست أنا وبيتر بعيدَيْن قليلًا. إنّ وجه السيّد الخامنئي عن قرب يستحقّ النظر. وجهه كصبح عيد الميلاد، مشرق ومنير.
اعتذرت “آنا” عن عدم قدرتها على تكلّم اللّغة الفارسيّة بشكل جيّد لتترك المجال ليوحنا كي يتكلّم مع السيّد.
بدأ يوحنا يتحدّث عن كيفيّة شهادة “ألفرد”:
– سيّدي! حين استشهد كنتُ في طهران. أخبروني أن ألفرد قد أُصيب بشظيّة. جئت من العمل بسرعة إلى البيت، ثمّ توجّهت إلى بيت أحد الجيران الذي كان ابنهم مع ألفرد في الجبهة. 
سألت الجيران، أجابوني أنّهم لا يعرفون شيئًا، لا خبر لديهم. كان رامي رشّاش متوسّط المدى. لقد استشهد في ذلك اليوم الذي أخبروني فيه أنّه أُصيب. كنّا نظنّ أنّه مجروح. كان ألفرد جالسًا خلف رشّاشه. لقد كشف الأعداء مكانه بسبب الوميض الكبير الذي يُحدثه الرشّاش، فرموه بقذيفة هاون سقطت مباشرة خلف متراسه، فأصابته الشظيّة في رأسه من الخلف ما أدّى إلى شهادته. لقد بقيت في البيت ستة عشر يومًا. وأنا أتصل هاتفيًّا بمستشفيات شيراز وزاهدان، لأنّه من زاهدان.
– كان في فرقة 88؟
– نعم، حتى إنّني ذهبت إلى “مشرحة” طهران. لم يكن لديهم شهيد مسيحيّ. ذهبت
 
 
 
 
 
339

288

الرواية الثّامنة عشرة: كان يجب أن يرحلوا

 إلى مكان آخر. دقّقوا في الأسماء، قالوا إنّه ليس هناك. قالوا لي إنّه إذا أردت التأكّد يجب أن تذهب إلى الخطوط الخلفيّة للجبهة. أخذت مأذونية وذهبت. بدأت البحث في برّادات الموتى ومستشفيات همدان إلى إيلام وأماكن أخرى.

– هل كانت السيّدة قد عرفت بالأمر؟
– لا أبدًا. أختي وزوجها كانا في طهران. حين كنتُ أهمّ بالذهاب سألتني أختي إلى أين تذهب؟ أولست في مأذونية؟ قلتُ لها إنّ رئيسي أبلغني أنّ هناك عملًا غير منجز ويجب أن أذهب 
إلى المصفاة التي يُبنونها! إنّني مجبر على الذهاب لثلاثة أو أربعة أيام. قالوا في إيلام: ليس لدينا هكذا جريح أو شهيد. ذهبت إلى جبهة “سومار”، بقيت هناك لأربع وعشرين ساعة.
بعد يوم وليلة جاؤوا وأعطوني أربعة أسماء، أحدهم اسمه شاهين، فشككت بالأمر . ذهبت بحثًا عنه إذ قالوا إنّه في مستشفى باختران 520، مستشفى للجيش.
ذهبت إلى هناك، قالوا إنّه ليس في عداد المجروحين، لنذهب إلى المشرحة! فتحوا عشرين درجًا، قُلتُ لهم: إنّه ليس بينهم. ثم قالوا: هناك واحد آخر، فتحوا الدرج، وأزاحوا اللحاف عنه، كان ألفرد!
للحظات، ساد السكوت. اختنق يوحنا بدموعه. بينما كانت دموع آنا تسيل بصمت.
 
 
 
 
340

289

الرواية الثّامنة عشرة: كان يجب أن يرحلوا

 كانت آنا تضبط نفسها كي يستطيع أخوها أن يكمل كلامه. عدّل يوحنا جلوسه وأكمل:

– كان ألفرد لاعب كرة قدم في فريقي “راه آهن ” و”شاهين”. حين رأيته في المشرحة كان يرتدي الزي الرياضي لفريق “راه آهن”. يبدو أنّ الطقس كان باردًا خلال العمليات فاضطر ألفرد أن يرتديها تحت ملابسه العسكريّة أو فوقها. كانوا يضعون على سترته مغلّفًا فيه أغراضه الشخصيّة، أعطوني إيّاه. قلتُ: أريد أن أنقله بسيارة إسعاف إلى طهران. فأجابوني أن لا 
مشكلة. عُدْ أنت إلى طهران ونحن سنُرسله. حين وصلت إلى طهران…
– هل كانوا قد عرفوا بالأمر؟
– نعم. كنتُ قد اتصلت بزوجتي من باختران، وطلبت منها أن تُخبر أختي. حين وصلت إلى البيت كانت العائلة قد اجتمعت. اتصلوا في اليوم التّالي وأخبرونا أنّهم أحضروا جثمان ألفرد. 
ذهبت وطلبتُ منهم أن يعطوني جثمانه كي آخذه. فقالوا: لا، نحن لدينا سيارة إسعاف وسنوصله إليكم. فقط أخبرونا ما هي تقاليدكم وعاداتكم كي نعمل بها.
اشتريت تابوتًا وأحضرته لهم. قالوا لي: أخبرونا أيّ قماش تُريدونه لنلفّ به التابوت؟
– حين عرفت السيّدة كيف كانت حالها؟
ما إنْ أراد يوحنا الإجابة حتى أجابت آنا بنفسها:
– كان يجب أن يذهبوا! لا يمكن ألّا يذهبوا. كانت أرضنا في خطر، كان عرضنا في خطر.
 
 
 
 
341

290

الرواية الثّامنة عشرة: كان يجب أن يرحلوا

 تحمّس السيّد الخامنئي بسبب معنويّات والدة الشهيد ومدح كلامها وأيّدها. وبدأ الحديث حول العمل العظيم الذي قام به ألفرد وأمثاله:

– نعم! ما أرفع هذه المعنويّات! وما أحسنها! الأمر كما تقول السيّدة. أي في الحقيقة، لديها استنباط وفهم صحيح جدًّا. في كلّ العالم، في الحروب، حين يُقتل جندي في سبيل وطنه، يعدّونه شهيدًا ويفتخرون به.
إنّ الموت هو للشاب والعجوز، للرجل والمرأة، هو للجميع؛ هناك بعض الميتات لا افتخار بها، لكنّ موتًا كموت هذا الشاب في سبيل الدفاع عن وطنه، لهو أمرٌ باعث على الافتخار. 
نعم! فيه ألم، فيه حزن، ولكن إلى جانبه الفخر. في الوقت الّذي يموت الكثير من الشباب وهم يمشون في الطرقات إذ يتعرّضون لحادث ويموتون، أو يتعاركون مع أحد ويموتون أو يمرضون فيقعون. لقد رأينا كلّ هذه الحالات وأنتم أيضًا رأيتموها. ولكن الذي يُقتل في هذا السبيل، هو شهيد يبقى ذكره خالدًا؛ لعائلته، لقومه، لبلاده، إنّه فخر كبير!
نحن نفتخر بهؤلاء الشباب، نظير ابنكم. نحن نفخر بوجودهم. ليس فقط داخل الوطن، بل على مستوى العالم، نحن نفتخر بهم. إنّ شعبنا اليوم وببركة هؤلاء الشباب يُعتبر شعبًا شجاعًا ومضحّيًا ومقاومًا، هو شعب يُدافع عن حقّه ولا يُمكن فرضُ شيء عليه، لا يُمكن تهديده.
 
 
 
 
342

291

الرواية الثّامنة عشرة: كان يجب أن يرحلوا

 أحسستُ أننّي لست على الأرض. ليس فقط أنا، بل وكأنّ هذا اللقاء في السماء. ما هذا الكلام؟ ما هذه الاعتقادات والافتخارات الطاهرة والسامية؟!

بدأت آنا بإخبار السيّد الخامنئي عن طباع ألفرد وعن ذكريات ذهابه إلى الخدمة العسكرية.
– قلتُ له أن يذهب بعد شهر. لقد جاءت أختك من ألمانيا ولن تبقى هنا إلا عدّة أيّام. قال لي: أمّي! اسمحي لي بالذهاب! إن لم أذهب سيدخل عدد من البعثيين إلى أرضنا. سمحت له، فذهب وأحضر بطاقة الخدمة. قال: سأذهب إلى الجبهة. قلتُ: حسنًا يا بني، اذهب، الله معك.
– إنّ هذه المعنويات الإنسانيّة والشجاعة هي عظيمة! آجركم الله ومنحكم الصبر والسلوان. ليُبارك الله لكم عيد مولد المسيح ولتعيشوا عمرًا مديدًا بفرح وسعادة.
كنتُ قد حضّرت قالب حلوى لليلة العيد، وعندما عرفت أنّه قد يأتينا ضيوف حضّرت كمّية أكبر. سألت أحد المرافقين إن كان هناك مشكلة في تقديم الحلوى مع الشاي، فأجابني أن لا مشكلة في ذلك. بمساعدة بيتر، قطّعت الحلوى وقدّمت للجميع الشاي مع قطعة حلوى.
سأل السيّد الخامنئي عن والد الشهيد وعن أخته وأخيه، فأجابت آنا على جميع الأسئلة.
– شفى الله زوجك وحفظ لك ابنك وابنتك وجعلهما سببًا لإشراق عينَيْك وقلبك.
ثمّ أخذ السيّد يشرب الشاي ويتناول الحلوى المنزلية.
بعد شرب الشاي، طلب منّا أن نأخذ رقم هاتف مكتبه من المرافقين لنتّصل بهم عند أيّ مشكلة. تكلّمت آنا بخجل كبير عن قضيّة ابني الكبير المتعلّقة بخدمة العلم، الّذي ومنذ أشهر عدّة بدأت خدمته وهو يُمضيها في منطقة حدوديّة، فطلبت أن يتمّ نقله إلى طهران بما أنّ الحرب قد انتهت:
– لأنّ هذا الشاب وبعد شهادة ابني صار عصاي الّتي أتكئ عليها، إذا أمكن أن يُنقل ابن أخي إلى طهران.
طلب السيّد من أحد المرافقين أن يُسجّل مكان خدمته، وأن يُتابع قضية نقله إلى طهران. شكرته آنا وكذلك أنا وزوجي.
 
 
 
 
 
343

292

الرواية الثّامنة عشرة: كان يجب أن يرحلوا

 إنّها اللّحظات الأخيرة من الضيافة. بارك لنا السيّد العيد وهو يُقدّم لوالدة الشهيد درعًا وهدايا، وطلب الإذن للمغادرة.

شعرت آنا بالخجل من استئذان السيّد للمغادرة، فشكرته على تحمّله أعباء الزيارة وتشريفه لنا.
حين كان السيّد يودّعنا ويخرج شكرني على طعم الحلوى اللّذيذ الذي قدّمته. اختنقت بدمعتي لطيبة رئيس جمهوريّتنا الّتي لا حدود لها. قلتُ بصوت خافت ولحن مرتجف: ليحفظكم الله أيّها السيّد!
السيّد “بيتر لازار” ابن خال الشهيد “ألفرد سركيز أردوشاهي” تموز 2014
 
 
 

شاهد أيضاً

الجهاد – طريقة العمل

طريقة العمل                                  * العمل  طبق التكليف والأحكام الشرعية                                * كسب محبة الشعب ...