الرئيسية / بحوث اسلامية / ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا 03

ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا 03

الكمال والنقصان في الصفات الأخلاقية
يوجَد إنسان “سالم” تامّ وآخر “معيوب” ناقص، وهذان المصطلحان يُنسَبان لجنبةٍ في كيان الإنسان وهي الجسم.
فالإنسان المعيوب هو المصاب بإحدى الآفات كالعمى أو الشّلل و… وهذه جميعاً إنّما تصيب الجسم لا النّفس، ولذلك فإنّها لا تُنقِص من شخصيّة الإنسانِ شيئاً. فمثلاً طه حسين الضرير أو سقراط الفيلسوف المعروف كان من أقبح الناس وجهاً ومع ذلك لم يجدْ أحد في قبحه نقصاً في إنسانيّته وشخصيّته.
 
 
 
 
 
 
12

7

 ويُستنتج من ذلك أنّ للإنسان بُعدَين: جسميّ وروحيّ. وهما وإن كانا معاً إلّا أنّ أحدهما غير الآخر. فقد يكون الإنسان سليماً من ناحية الروح إلّا أنّه مريض من الناحية الجسديّة. وقد يكون سليماً من الناحية الجسديّة إلّا أنّه مريض من الناحية النفسانيّة كالمتكبّر والحسود وغيرها من الرذائل الأخلاقيّة الّتي لا علاج لها بين العقاقير.

 
 
إنّ الحسد مرض يصيب نفس الإنسان، وليس للإنسان سبيل لدفعه إلّا بتزكية نفسه، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ء وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾1 .
 
المنهج القرانيّ في بناء الإنسان الكامل
هذا هو المنهج القرآنيّ في بناء الإنسان الكامل،
 
 
 

1- سورة الشمس، الآيتان: 9ـ 10.
 
 
 
 
 
13

8

 وأوّل خطوةٍ فيه هي تزكية النفس وتنميتها وتطهيرها مِن الأمراض الباطنية والعُقد والظلمات أي صيرورة الإنسان إنساناً حقيقةً يلائم مظهره الخارجيّ واقعه الباطنيّ لا أن يكون إنساناً من خارج ومسخاً من داخل.

 
إنّ مادّة “مَسَخَ” وردت في العديد من آيات القرآن الكريم الّتي تحدّثت عن أقوامٍ مسخوا إلى قردةٍ وخنازير بسبب طغيانهم وكفرهم وصدّهم لأنبياء الله تعالى.
 
ولو فرضنا أنّ الإنسان لا يمسخ جسديّاً فإنّه مما لا شكّ فيه أنه يُمسَخ روحيّاً ونفسيّاً فيتحوّل إلى حيوانٍ بل إلى ما هو أدون منه، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنّ‏ِ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوب لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُن لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ اذَان لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ‏ُ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُون﴾1.
 
المسخ الروحيّ
إنّ شخصيّة الإنسان تتجلّى في صفاته الأخلاقيّة 
 
 
 

1- سورة الأعراف، الآية: 179.
 
 
 
 
 
 
14

9

 والنفسيّة، فإذا اعتدلت هذه الصفات كانت شخصيّة الإنسان متلائمةً مع مظهره الإنسانيّ، وأمّا إذا انحدرت وخرجت عن طور الإنسانيّة واتسمت بصفات حيوانٍ مفترس، لم يعد صاحب هذه الصفات إنساناً وإنّما يصبح حيواناً مفترساً، أي إنّ شخصيّته قد مُسِخَت وأصبحت في الباطن والحقيقة بهيمةً. وهذا هو الإنسان الناقص في قبال الإنسان الكامل.

 
جاء في الرواية أنّ رجلاً كان بصحبة الإمام زين العابدين عليه السلام أيّام الحجّ، وفي صحراء عرفات وأمام مشهد الألوف من الحجيج قال الرجلُ للإمام عليه السلام: “ما أكثر الحجيج”، فأجابه الإمام عليه السلام: “ما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج”1. وعندما نظر الرجل ثانيةً إلى تلك الجموع شاهد الصحراء مملوءةً بالحيوانات وبينهم بعض الناس يتحرّكون. لقد فتح الإمام عليه السلام عين هذا الرجل على باطن الحقيقة. وفي زماننا هذا يوجد العديد من الأفراد ممَّن يستطيعون أنّ يدركوا الإنسان على حقيقته 
 
 
 

1- المحدث النوري، مستدرك الوسائل، ج 1، ص 157، سفينة البحار، ج 2، ص 71، إثبات الهداة، ج 5، ص 39.
 
 
 
 
 
 
15

10

 وأن يروا أنّ كثيراً من الناس لا تختلف أرواحهم عن أرواح ذوات الأربع.

 

يذكر العلماء أنّ صنفاً واحداً من الناس سيحشر على هيئة إنسان، وأمّا البقيّة فقسم يُحشَر على هيئة العقارب، وقسم يُحشَر على هيئة الأفاعي، وقسم يُحشَر على هيئة القرود وهكذا. لماذا؟
لأنّ من لا همّ له سوى إيذاء الناس ولسعهم هو في حقيقته عقرب، ومن لا همّ له سوى النهش في أعراض الناس هو في حقيقته كلب، ومن لا همّ له سوى التلاعب بالناس هو في حقيقته قرد. إنّ صفات الإنسان وخصاله في الدنيا هي الّتي تحدِّدُ هيئته في الآخرة.
https://t.me/wilayahinfo  – تلغرام

[email protected] – أيميل

https://chat.whatsapp.com/JG7F4QaZ1oBCy3y9yhSxpC – واتساب عربي

https://chat.whatsapp.com/Fava5Ifru8330dDMfhs0gn – واتساب انكليزي

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...