وصية الإمام الخميني(قده) إلى السالكين
20 أكتوبر,2023
زاد الاخرة
136 زيارة
إبنتي:
الإنشغال بالعلوم حتى العرفان والتوحيد إذا كان لاكتناز الاصطلاحات -هو حاصل- أو لأجل نفس تلك العلوم، فإنه لا يقرب السالك من الهدف بل يبعده عنه (العلم هو الحجاب الأكبر).
وإذا كان البحث عن الحق وعشقه هو الهدف -وهو نادرٌ جداً- فذلك مصباح الطريق ونور الهداية، (العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده)(6-المحجة البيضاء /5/45 بحار الأنوار 1/235 باختلاف يسير.) وللوصول إلى يسير منه يلزم التهذيب والتطهير والتزكية؛ تهذيب النفس وتطهير القلب من غيره فضلاً عن التهذيب من الأخلاق الذميمة التي يحتاج الخلاص منها إلى كثيرٍ من المجاهدة وفضلا عن تهذيب العمل مما هو خلاف رضاه جل وعلا، والمواظبة على الأعمال الصالحة، من قبيل الواجبات التي هي في الطليعة، والمستحبات بقدر الميسور وبالقدر الذي لا يوقع الإنسان في العجب والأنانية.
ابنتي:
العجب والغرور نتيجتان لغاية الجهل بحقارة النفس وعظمة الخالق، إذا فكر (الإنسان) قليلاً في عظمة الخلقة بالمقدار الذي وصل البشر -رغم كل هذا التقدم العلمي- إلى شيء يسير منه، يدرك حقارة وضآلة نفسه وكل المنظومات الشمسية والمجرات، ويفهم قليلا من عظمة خالقها ويخجل من عُجبه وأنانيته وغروره ويشعر بالجهل.
في قصة حضرة سليمان نبي الله عليه السلام نقرأ عندما يمر بوادي النمل: {..قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}(النمل/18).
النملة تصف سليمان النبي مع مرافقيه بعنوان {لا يشعرون} والهدهد يقول له {أحطت بما لم تحط به} وعمى القلوب لا يستطيعون تحمل نطق النملة والطير فضلا عن نطق ذرات الوجود وما في السموات والأرض التي يقول خالقها: {.. إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..}(الإسراء/44).
الإنسان الذي يرى نفسه محور الوجود -رغم أن الإنسان الكامل كذلك- غير معلوم أنه كذلك في نظر سائر الموجودات، والبشر الذين لم يبلغوا الرشد ليسوا كذلك {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ..}(الجمعة/5). هذا مرتبط بالرشد العلمي بدون التهذيب وقد جاء في وصفه {..أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ..}(الأعراف/179).
إبنتي:
بُعِث الأنبياء ليعطوا البشر الرشد المعنوي ويخلصوهم من الحجب.. وللأسف أقسم الشيطان وبواسطة أذنابه أن لا يدع أهدافهم تتحقق {..فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}(ص/82).
نحن جميعا نيام ومبتلون بالحجب (الناس نيام وإذا ماتوا انتبهوا)(7-عوالي اللئالىء 4/73 بحار الأنوار 4/43) كأن جهنم محيطةٌ بنا، وخدر الطبيعة
مانع من الشهود والإحساس{..وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}(التوبة/49).
وللكفر مراتب كثيرة رؤية النفس ورؤية العالم والنظر إلى غير الله من مراتب ذلك.
أول سورة من القرآن..إذا تدبرناها ونظرنا إليها بعين غير هذه العين الحيوانية ووصلنا إليها بعيدا عن الحجب الظلمانية والنورانية فإن ينابيع المعارف تتدفق إلى القلب، ولكن للأسف إننا غافلون حتى عن افتتاحها (ومن اطلع وخرج من الغفلة لم يصلنا خبره)(8-عجز بيت لسعدي وترجمه صدره: مدّعو البحث عنه لا علم لهم به.).
أنا القائل الغافل وغير العامل أقول لابنتي تدبري القرآن الكريم هذا المنبع للفيض الإلهي ورغم أن صرف قراءته باعتباره رسالة المحبوب إلى السامع المحجوب له أثار محببة، لكنّ التدبر فيه يهدي الإنسان إلى المقامات الأعلى والأسمى {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(محمد/24). وما لم تُفتح هذه الأقفال والأغلال وتتحطم لا يحصل من التدبر ما هو نتيجة… يقول الله المتعال بعد قسم عظيم: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ*فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ*لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}(الواقعة/79:77). وطليعة أولئك هم الذين نزلت فيهم آية التطهير، أنتِ أيضاً لا تيأسي لأن اليأس من الأقفال الكبرى، اسعي قدر الميسور في رفع الحجب وكسر الأقفال للوصول إلى الماء الزلاء ومنبع النور.
ما دام الشباب في يدك فجدي في العمل وفي تهذيب القلب وكسر الأقفال ورفع الحجب، فإن آلاف الشباب الذين هم أقرب إلى أفق الملكوت يوفقون لذلك ولا يوفق هرم واحد.
القيود والأغلال والأقفال الشيطانية إذا غُفل عنها في (مرحلة) الشباب تضرب جذورها في كل يوم يمضي من العمر وتصبح أقوى “الشجرة التي تُقتلع الآن من جذورها بقوة تصبح بمرور الزمان عصيةً لا يمكن اقتلاعها”(9- كلستان سعدي الباب الأول الحكاية الرابعة.).
من مكائد الشيطان الكبرى والنفس الأخطر منه أنهما يعدان الإنسان بالإصلاح في آخر العمر وزمان الشيخوخة، ويؤخران التهذيب والتوبة إلى الله إلى الزمان الذي تصبح فيه شجرة الفساد وشجرة الزقوم قوية والإرادة والقدرة على التهذيب ضعيفتين بل ميتتين…
لا نبتعد عن القرآن! في هذه المخاطبة بين الحبيب والمحبوب والمناجاة بين العاشق والمعشوق أسرار لا سبيل لأحدٍ إليها غيره هو وحبيبه ولا إمكان أيضاً للحصول على هذا السبيل..
لعل الحروف المقطعة في بعض السور مثل “ألم” “ص” “يس” من هذا القبيل.. وكثيرٌ من الآيات الكريمة التي لكلٍ من أهل الظاهر والفلسفة والعرفان والتصوف تفسيره أو تأويله الخاص لها، أيضاً من هذا القبيل.. رغم أن لكل طائفةٍ بمقدار قابليتها حظاً أو خيالاً.. وتصل إلى الآخرين نفحةٌ من هذه الأسرار بواسطة أهل بيت الوحي الذين جرت عليهم الأسرار من منبع الوحي الفوار وتصل منهم إلى الآخرين كلٍ بمقدار قابليته.. وكأنّ أكثر المناجاة والأدعية خصَّصت لهذا الأمر..
ما نجده في أدعية المعصومين ( صلوات الله وسلامه
عليهم) ومناجاتهم، قليلاً ما نجده في الأخبار التي هي في الأكثر بلسان العرف والعموم. ولكن لسان القرآن لسان آخر، لسان يرى كل عالم ومفسر أنه يعرفه.. ولكنه لا يعرفه.
القرآن الكريم من الكتب التي لم يسبقه إلى معارفه سابق.
وتصوّر كثير من معارفه اصعب من تصديقها..
كثيرا ما يمكن إثبات مطلب فلسفي بالبرهان الفلسفي والرؤية العرفانية ولكن مع العجز عن تصوره.
تصور ربط الحادث بالقديم الذي عبّر تعالى عنه في القرآن الكريم بتعبيرات مختلفة، وكيفية معية الحق مع الخلق التي يقول البعض إنها المعية القيومية(10-*معية الحق مع الخلق، مصطلح مأخوذ من قوله تعالى {وهو معكم} فما هي حقيقة هذه المعية؟ يذكر الإمام أن البعض قالوا إنها المعية القيومية وهي تعني أن فلاناً مثلاً قائم بالله تعالى “الله معه” لأنه لولا الله تعالى لما كان قائما وقد ذكر الشهيد ستغيب في “القلب السليم” عن كتاب “شفاء الصدور” أن المعية على ثلاثة أقسام: المعية القيومية، معية المصاحبة، المعية الروحانية وذكر تعريف كل منها فقال عن الأولى أنها “عبارة عن الإحاطة بوجود الشيء بحيث يكون الإنفكاك عنه محالا بمعنى أن المقيم (من قام به الشيئ) إذا رفع علاقة الإقامة عنه فإنه يفنى وينعدم وهذه هي معية الله مع الخلق{..وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ..}(الحديد/4). القلب السليم ج1/297 ومراد الإمام رضوان الله عليه أن القائلين بهذه المعية القيومية -إذا أرادوا تصور ما قالوا فهو عصي عليهم ومن “المعضلات”.). التي (يعتبر) تصورها حتى لأولئك القائلين بها من المعضلات.. وظهور الحق في الخلق وحضور الخلقة (الخليقة) لدى الحق وأقربيته جل وعلا إلى المخلوق من حبل الوريد ومفاد {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ..}(النور/35).، و{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ..}(الحديد/3).، و{..مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ…}(المجادلة/7).الخ، و{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(الفاتحة/5). وأمثال هذه مما أظن أنه لم يتحقق تصوره لغير المخاطب به ولأقربائه بتعليمه، الذين كانوا أهلا لمثل هذه المسائل، والوصول إلى كوة منه يستلزم المجاهدة المشفوعة بالتهذيب.
“المؤسف أن عمر هذا المكسور القلم مضى وليس من نتيجة لقيل المدرسة وقالها إلا الكلام المحزن بعد كل
ذلك التوثب”(11-مضمون بيتين.) واليوم لا أثر للشباب الذي هو ربيع الحصول (العثور)، ولا أرى إلا منسوجات السابق وهي حفنة من الألفاظ.
وأوصيك أنت وجميع الشباب الطالبين للمعرفة أنكم وجميع الموجودات جلوته هو وظهوره هو. . اسعوا وجاهدوا لتعثروا على بارقة من ذلك وتذوبوا فيه فتصلوا من العدم إلى الوجود المطلق.
” عندما أصبح عدماً كالناي يردد لحن {َإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(12-مضمون بيتين).
إبنتي:
الدنيا وكل ما فيها جهنم، ويظهر باطنها في آخر السير. وما وراء الدنيا إلى آخر المراتب، الجنة. ويظهر باطنة في آخر السير عند الخروج من خدر الطبيعة..
ونحن وأنتم والجميع نسير إما نحو مقر جهنم أو نحو الجنة والملأ الأعلى.
في الحديث أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان جالسا يوما في جمع من الصحابة فسمعوا فجأة صوتا مهيبا.. سألوه.. ما هذا الصوت؟ فقال: “حجرٌ ألقي من أعلى جهنم منذ سبعين سنة والآن وصل إلى قعرها”(13-تجد الحديث في علم اليقين 2/1002).
فقال أولوا الألباب: في ذلك الوقت سمعنا أن رجلا كافرا عمَّر سبعين سنة مات الآن ووصل إلى جهنم..
نحن جميعا في الصراط، والصراط يمرّ من متن
جهنم(14-“إن الصراط جسر على متن جهنم يمر عليه الخلائق” علم اليقين 2/967) .. ويظهر باطنه في ذلك العالم، وهنا (في الدنيا) لكلّ إنسان صراطه الخاص به، وهو يسير(في حال السير) أما في صراطه المستقيم الذي ينتهي إلى الجنة وأعلى أو الصراط المنحرف شمالا أو المنحرف يمينا وكلاهما ينتهيان إلى جهنم، ونحن نسأل الله المنان الصراط المستقيم {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ (الذي هو انحراف من جهة) وَلاَ الضَّالِّينَ }(الفاتحة/6،7). (الذي هو انحراف من الجهة الأخرى) ونشاهد هذه الحقائق في الحشر عياناً..
صراط جهنم الذي وردت الروايات في وصفه من حيث الدقة والحدة والظلمة(15-عن الإمام الصادق عليه السلام: “الصراط أدق من الشعر ومن حد السيف” بحار 8/46) هو باطن الصراط المستقيم في هذا العالم. كم هو طريق دقيق ومظلم.. وكم هو صعب العبور منه.. لأمثالنا نحن العاجزين..
أولئك الذين اجتازوه دون أي انحراف يقولون “جزنا وهي خامدة”(16-في رواية عن المعصوم عليه السلام حين سُئل عن عموم الآية: {إِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا..}(مريم/71). قال: “جزنا وهي خامدة” علم اليقين2/971) وكل شخص هناك ينعكس سيره في هذا الصراط بمقدار ما سار فيه.
ضعي الغرور والآمال الشيطانية الكاذبة جانباً.. وجدّي في العمل وتهذيب نفسك وتربيتها فإنّ الرحيل قريب جدا.. وكل يوم يمر وأنتِ غافلة. يجعلك متأخرة..
لا تقولي أيضاً: ولماذا أنتَ لست مستعداً.. (أنظر إلى ما قال لا إلى من قال)(17-غرر الحكم فصل30ح11).
مهما كنتَ أنا، فأنا لنفسي، والجميع أيضاً كذلك، جهنّم كل شخص وجنَّته نتيجة أعماله.. نحصد الشيء الذي زرعناه.. فطرة الإنسان وخلقته( مبنيتان) على
الاستقامة والحسن.. حب الخير فطرة الإنسان.. نحن أنفسنا نحرف هذه الفطرة ونحن أنفسنا ننشر الحجب ونَلبس أنفسنا هذه الشِباك.
“هؤلاء العاشقون الذين هم في الصراط كلهم يبحثون عن معين الحياة”.
“يطلبون الحق ولا يعرفونه.. يطلبون الماء جميعاً وهم جميعا في الفرات”(18-مضمون بيتين).
الليلة الماضية سألت عن أسماء الكتب العرفانية.. ابنتي اهتمي برفع الحجب لا جمع الكتب..(قولي لي) إذا نقلتِ الكتب العرفانية والفلسفية من السوق إلى المنزل، من مكان إلى مكان أو جعلتِ نفسك مخزناً للألفاظ والاصطلاحات.. وعرضت في المجالس والمحافل ما في جرابك وخدعت الحضّار بمعلوماتك وزدتِ ثقل حملك بخداع الشيطان والنفس الأمارة الأخبث من الشيطان، وأصبحت بلعبة إبليس زينة المجالس وتبعكِ -لا سمح الله- غرور العلم والعرفان وسيفعل. فهل بهذه المحمولات الكثيرة زدت الحجب أم خففتها. أورد الله عز وجل لإيقاظ العلماء الآية الشريفة:
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ..}(الجمعة/5). ليعلموا أنّ اختزان العلوم -حتى إذا كان علم الشرائع والتوحيد- لا يخفف الحجب بل يزيدها وينقل (صاحبه) من الحجب الصغار إلى الحجب الكبار.
لا أقول اهربي من العلم والعرفان والفلسفة واقضي عمرك بالجهل، فإن هذا انحراف.
أقول: إسعي وجاهدي كي يكون الدافع إلهيا ومن أجل المحبوب.. وإذا عرضت (شيئاً من العلم) فليكن لله ولتربية عباده لا للرياء والتظاهر فتصبحي -لا سمح الله- من علماء السوء الذين يتأذى أهل النار برائحتهم(19-إشارة إلى رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيها “وإن أهل النار ليتأذون بريح العالم التارك لعلمه” الخصال 1/51.).
أولئك الذين وجدوه وعشقوه ليس لهم دافعٌ سواه.. وبهذا الدافع أصبحت كل أعمالهم إلهيةً -الحرب، والصلح، والضرب بالسيف، والكرّ،.. وكل ما تتصورين.. (ضربة على يوم خندق أفضل من عباده الثقلين)(20-بحار الأنوار39/2).
لولا الدافع الإلهي لما كانت تعادل فلساً حتى إذا كانت سبباً لفتح كبير.. لا يُظن أن مقام الأولياء خصوصا ولي الله الأعظم عليه وعلى أولاده الصلوات والسلام ينتهي هنا.
القلم لا جرأة له على المضي والبيان ولا طاقة له ليشرح.. وماذا نقول للمحجوبين نحن المحجوبون.. وماذا نعلم نحن لنقول.. ما هو موجود ليس مما يُحكى وهو أعلى من أفق وجودنا.
ولكن لا بأس، فإنّ ذكر الحبيب يؤثر في القلب والروح حتى إذا لم يُفهم من ذكره شيء، كالعاشق الأمي الذي ينظر إلى كتابة رسالة المحبوب فيأنس لأنّ هذه رسالة المحبوب، وكالفارسي المضطرب لعدم معرفته العربية ليقرأ القرآن الكريم ويأنس به لأنه منه (تعالى) وتعتريه حالةٌ هي أفضل آلاف المرات من (حالة) الأديب العالم الذي شغل نفسه بإعراب القرآن، ومزاياه الأدبية وبلاغته وفصاحته أو الفيلسوف العارف الذي يفكر
بمسائله العقلية والذوقية ويغفل عن المحبوب، وكمطالعة الكتب الفلسفية والعرفانية التي تهتم بمستوى الكتاب ولا اهتمام لها بالكاتب.
ابنتي:
موضوع الفلسفة مطلق الوجود، من الحق تعالى إلى آخر مراتب الوجود. وموضوع علم العرفان والعرفان العلمي الوجود المطلق، أو فقولي الحق تعالى، ولا بحث له غير الحق ومظهره ولاسواه..
إذا بحث كتابٌ أو عارفٌ عن شيء غير الحق فلا الكتاب عرفان ولا القائل عارف..
وإذا نظر فيلسوف إلى الوجود كما هو، وبحث، فنظره إلهي وبحثه عرفاني. وكل هذه هي غير الذوق العرفاني الذي هو بعيد عن البحث وغير ذلك المهجور، فضلاً عن الشهود الوجداني وبعده العدم في عين الغرق في الوجود (إطفىء السراج فقد طلعت الشمس)(21-روي أن كميل بن زياد سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن “الحقيقة” وبعد عدة إجابات وأسئلة قال لكميل:”اطفىء السراج فقد طلع الصبح” مجال المؤمنين (فارسي) 2/11.).
2023-10-20