الرئيسية / زاد الاخرة / وصية الإمام الخميني(قده) إلى السالكين

وصية الإمام الخميني(قده) إلى السالكين

إبنتي:

سمعت  أنك كنت تقولين: أخشى أن أتأسف أيام الامتحان لأني لم أعمل في أيام التعطيل. هذا التأسف وأمثاله -مهما كان- فهو سهل وسريع الزوال..

ذلك التأسف الدائم والأبدي، هو عندما تعودين إلى رشدك وتدركين أن كل شيء ترينه ليس هو، وأن تلك الأستار لا يمكن أن تزول، وتلك الحجب لا يمكن أن ترفع.

يقول أمير المؤمنين في دعاء كميل: فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي وربي صبرت على عذابك فكيف  أصبر على فراقك..

أنا الأعمى القلب لم أستطع حتى الآن أن أقرأ بجد هذه الفقرة وبعض الفقرات الأخرى في هذا الدعاء الشريف بل أقرأها بلسان عليّ عليه السلام ولا أعرف ما هو هذا الشيء الذي يعد الصبر عليه أشد من الصبر على عذاب الله في جهنم.  ذلك العذاب الذي (ناره) “تطلع على الأفئدة”.

كأن “عذابك” هو “نار الله” التي تحرق الفؤاد.. لعلّ هذا العذاب فوق عذاب جهنم..

نحن عمي القلوب لا نستطيع إدراك وتصديق هذه المعاني التي هي فوق الفهم البشري.

فلندعْ هذا لأهله الذين هم قليلون جداً.

على كل حال إن لكل من الكتب الفلسفية خصوصاً كتب فلاسفة الإسلام وكتب أهل الحال والعرفان أثراً..

الأول: أنها تعرّف الإنسان بما وراء  الطبيعة ولو من بعيد.

الثاني: إن بعضها خصوصاً -مثل “منازل السائرين” و “مصباح الشريعة”(22-منازل السائرين كتاب عرفاني وأخلاقي “للخواجه عبدا لله الأنصاري” وقد شرح هذا الكتاب الشريف العالم العارف ” كمال عبدالرزاق الكاشاني”. “ومصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة” كتاب في المعارف والمواعظ والأخلاق مشتمل على مائة باب يبدأ كل باب بجملة “قال الصادق” عليه السلام وفي هذا الكتاب ومؤلفة أقوال مختلفة وقد رجع إليه واعتمد عليه جمع من أجلاّء الإمامية منهم:  السيد ابن طاووس، ابن فهد الحلي، المجلسي، الشهيد الثاني، الفيض الكاشاني، الكفعمي، النراقي الأول رضوان الله عليهم.)  -الذي يبدو أن عارفاً كتبه باسم الإمام الصادق (عليه السلام) بطريقة الرواية- تهيئ القلوب للوصول إلى المحبوب.. وأكثر شيء إثارةً للقلوب مناجاة أئمة المسلمين وأدعيتهم الذين هم قادة إلى المقصود.  يرشدون ويأخذون بيد طالب

الحق ويأخذونه إليهم. للأسف، ومائة أسف أننا هجرناهم وابتعدنا عنهم فراسخ.

إبنتي:

إسعي -إذا لم تكوني من أهله ولم تصبحي- أن لا تنكري مقامات العارفين والصالحين ولا تعتبري أن معاندتهم من الواجبات الدينية.

الكثير مما قالوه موجود في القرآن الكريم بشكل سرّي ومغلق. وقد ورد في أدعية أهل العصمة ومناجاتهم أكثر وضوحا.. ولأننا نحن الجاهلين محرومون منها (المقامات) فإننا نبادر إلى معارضتها..

يقولون: إنّ صدر المتألهين رأى بجوار المعصومة (سلام الله عليها) شخصاً يلعنه.. سأله: لماذا تعلن صدرا..

قال:  لأنه يقول بوحدة واجب الوجود.

قال:  إذن.. إلعنه.

هذا الأمر، حتى إن كان قصةً فهو يدل على واقع معين.. وقد رأيت أنا وسمعت قصصاً كانت في زماننا أنا لا أريد أن أطهر (أبرِّئ) المدعين،

“فكثيراً ما تكون الخرقة مستوجبة النار”(22-عجز بيت لحافظ الشيرازي.).

أريد أن لا تنكري أصل المعنى والمعنوية.. تلك المعنوية التي ورد ذكرها في  الكتاب والسنة، والمخالفون تجاهلوها أو تجاهلوهما أو أوّلوها بطريقة شعبية.

وأنا أوصيك أن الخطوة الأولى هي الخروج من

حجاب الإنكار السميك الذي يمنع من أي تقدم وأية خطوة إيجابية.. وهذه الخطوة -الخروج من حجاب الإنكار- ليست كمالاً، إلا أنها تفتح الطريق نحو الكمال، كما أن اليقظة التي تعتبر في منازل السالكين المنزل الأول لا يمكن حسابها من المنازل، بل هي مقدمة وفتح للطريق إلى سائر المنازل..

على كل حال  لا يمكن مع روح الإنكار الاهتداء إلى  طريق المعرفة، أولئك الذين ينكرون مقامات العارفين ومنازل السالكين -لأنهم أنانيون مغرورون- فكل ما لايعرفونه لا يحملونه على جهلهم (لايقولون قد يكون صحيحا  ولكنّا نجهله) فينكرونه حتى لا تخدش أنانيتهم، ويخدش عُجبهم (بأنفسهم) “أمّ الأصنام، صنم نفسك”(24-صدر بيت لمولوي. الدفتر الأول.) وما لم تتم إزالة هذا الصنم والشيطان القوي من الطريق فلا سبيل إليه جلّ وعلا.. وهيهات أن يكسر هذا الصنم، ويروض هذا الشيطان..

نقل عن المعصوم “شيطاني آمن بيدي”(25-روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “ما منكم إلا وله وشيطان” قالوا:  وأنت يا رسول الله ؟ قال “وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم على يدي فلا يأمرني إلا بخير” علم اليقين 1/282.). .. ويعلم من هذا النقل أن لكل شخص مهما كان عظيم الرتبة شيطانا.. وأولياء الله وُفقوا للسيطرة عليه بل لحمله على الإيمان..

تعلمين ماذا فعل الشيطان بأبينا العظيم آدم صفي الله؟ -لقد أخرجه من جوار الحق.. وبعد وسوسة الشيطان والاقتراب من الشجرة -التي قد تكون النفس أو بعض مظاهرها- جاء أمر {اهبطوا} وكان ذلك منشأ جميع أنواع الفساد وجميع العداوات، وقد تاب آدام عليه

السلام، إذا أخذ الله تعالى بيده واصطفاه.

أنا وأنت المبتليان بالشجرة الإبليسيه، يجب أن نتوب ونطلب من الله تعالى في السر والعلن، مستغيثين أن يأخذ بأيدينا وسيلةً يريد، ويوصلنا أيضا إلى التوبة، لعله يكون لنا حظ من الاصطفاء الآدمي. .

وهذا لا يمكن أن يكون إلا بالمجاهدة وترك شجرة إبليس بكل غصونها وأوراقها وجذورها المنتشرة في وجودنا. وهي كل يوم تزداد قوةً واتساعا.

بالتعلق بالشجرة الخبيثة وأغصانها وجذورها لا يمكن -بدون شك- الاهتداء إلى طريق المقصد. . وإبليس هدد بهذا ونجح نجاحا كبيراً..

ولا يستطيع أحدٌ أن يهرب من حيل الشيطان والنفس الخبيثة مظهر إبليس إلا عدد محدود من عباد الله الصالحين وأيضا الأولياء المقربون عليهم السلام.. وإذا استطاع فإنها لا يستطيع أن يهرب من كل غصونها وجذورها الدقيقة  والمعقدة جدا إلا أن يأخذ الله المتعال بيده كما حرر صفي الله. . ولكن أين نحن من ذلك الاستعداد لقبول الكلمات..

الآية الكريمة في هذا الباب ينبغي التفكير فيها طويلا  حيث يقول {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ..}(البقرة/37).لم يقل سبحانه “وألقى إليه كلمات” كأن المراد إنه بالسير إليه تلّقي.. رغم أن في التلّقي إلقاء أيضا، ولكن بدون السير الكمالي لم يكن القبول ممكنا..

ويجب التفكير أيضا في الآية الأخرى المرتبطة بهذه

القضية، يقول سبحانه{..فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ..}(الأعراف/22). وكأنّ كل ما كان منهما هو مجرد تذوق ليس إلاّ.. ومع ذلك فحيث أن ذلك حصل من مثل أبي البشر كانت له تلك النتائج..

في ضوء هذا يجب أن ننظر في ما نحن عليه حيث أنّا حتما مشدودون إلى جميع غصون وأوراق وجذور هذه الشجرة.

إبنتي:

في الطريق آفات كثيرة.. لكل عضو ظاهر وباطن من آفات، وكل واحد حجاب.. إذا لم نتخطّه ونتجاوزه فلن نصل إلى أول خطوة  من السلوك إلى الله.

إنّي أنا المبتلى، وجسمي وروحي ألعوبة الشيطان -أشير إلى بعض آفات هذا العضو الصغير،  هذا اللسان الأحمر الذي يطيح بالرأس النضر ويجعله ألعوبةً للشيطان وأداةً فيفسد الروح والفؤاد..

لا تغفلي عن العدو الكبير للإنسانية والمعنوية هذا.. أحياناً عندما تكونين في جلسات أنس مع صديقاتك إحسبي مهما استطعت الأخطاء الكبيرة لهذا العضو الصغير وانظري ماذا يفعل  في ساعة من عمرك كان ينبغي أن تنفقيها للحصول على رضا الحبيب! وأية مصائب يسبب.  إحدى هذه المصائب غيبة الأخوة والأخوات.. أنظري بماء وجه أي أشخاص تلعبين، وأية أسراراً للمسلمين تفرغينها  في هذا المجلس. وأية حيثيات  تخدشين وأية شخصيات تحطمين.. عندها  خذي هذه

الجلسة مقياسا ولاحظي ماذا فعلت خلال سنة سرتها على هذا المنوال.. في الخمسين أو الستين سنة القادمة ماذا ستفعلين.. وأية مصائب ستتسببين بها لنفسك -ومع هذا تعتبرين ذلك صغيرا، وهذا الاستصغار نفسه من حيل إبليس.. حفظنا الله جميعاً منه بلطفه..

شاهد أيضاً

الإحتجاج (ج1) / للطبرسي

الإحتجاج (ج1) / الصفحات: ٣٢١ – ٣٤٠ ٣٢١ الشهادة فلا تتم الشهادة إلا أن يقال: ...